التوبة بين الدين وعلماء النفس :
التوبة بمفاهيم علماء النفس   عملية إسقاطية وهي ما يطلق عليه profection، وفيها يسقط التائب ذنوبه بمعنى أن يخرجها من سجنها الذي تتفاعل فيه، فوجودها في ظلمات النفس يحرك في الضمير معالم الندم والإحساس بالذنب، وهذه كلها مشاعر تؤرق لا يهنأ صاحبها ولا يهدأ لأن في داخل النفس صراعاً بين الخير والشر بين الفضيلة والرذيلة هذا الصراع في تناقضه لا يحقق للإنسان راحة ولا يسير به إ لى اطمئنان وسكينة إلا من عصم ربي ورحم – لقوله سبحانه :
(وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم)(يوسف:53)
ورحم الله الإمام الحسن البصري وهو يقول :
"إن أهل الدنيا وإ ن هملجت بهم الرواحل ووطئ الناس أعقابهم فلا يزالون يجدون ذل المعصية في نفوسهم".
إنه ذل الندم يتفاعل في النفس.
فهؤلاء القادة والرؤساء والزعماء الذين سار الناس في ركابهم والتفوا حولهم مهما كانت مظاهر عظمتهم فهم يحملون في داخلهم أدران نفوسهم بما فيها من تلك المعاصي التي اقترفوها فربما سرقوا ونهبوا وارتشوا وضلوا وأضلوا وكذبوا وتسلقوا أكتاف العباد حتى وصلوا إلى ما هم عليه، والناس لا يعلمون عما بداخلهم ويتعاملون معهم بظاهر عظتهم وسلطانهم.
وهؤلاء الكبراء في الدنيا من البشر مهما علا شأنهم وارتفعت مكانتهم فذل المعصية يتصارع في نفوسهم ولا يغفرون لأنفسهم انحطاط وسيلتهم ودناءة غايتهم مهما كانوا في سلطان ومكانة وعظمة ومهابة، وتظل مهانة نفوسهم تلاحقهم أينما كانوا وأينما ذهبوا.
ولن يعود إليهم اطمئنان نفوسهم-وراحة ضمائرهم إلا بالتوبة. أما الإمام ابن القيم رحمه الله فقد وصف النفس بأنها تحمل في داخلها كل صفات الحيوان بما فيه من ريبة السلوك-فهو يقول : " إن النفس يجتمع فيها من صفات الحيوان الكثير، ففيها حرص الغراب وشره الكلب ورعونة الطاووس ودناءة الجعل وعقوق الضب وحقد الجمل وثوب الفهد وصوله الأسد وفسق الفأرة وخبث الحية وعبث القرد وجمع النملة ومكر الثعلب وخفة الفراشة ونوم الضبع، وفيها من كبر إبليس وحسد قابيل وعتو عاد وطغيان ثمود وجراءة النمرود واستطالة فرعون وبغي قارون وقحة هامان وهوى بلعام وحيل أصحاب السبت وتمرد الوليد وجهل أبي جهل".انظر زاد المعاد.
والنفس جبلت على حب الذات، وركبت على حب الشهوات هكذا خلقها الله خلقاً معجزاً، لا يدرك البشر أعماقه فهو يجمع بين التقوى والفجور في وقت واحد في  مكان واحد وهكذا تتعايش النفس بفجورها وتقواها مصداقاً لقول خالقها :
(ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)(الشمس : 7-8)

Post a Comment

أحدث أقدم