المنهج التاريخي

تعني منهجية البحث التاريخي الطريقة العلمية التي تتبع في جمع المادة التاريخية وترتيبها والاستفادة منها، أي: القواعد والشروط التي يجب مراعاتها عند معالجة أي حدثٍ تاريخي أي المنهج، وإذا كان البعض يحاول التفرقة بين معنيين للمنهج، حيث يرى: أن كلمة المنهج تطلق ويراد بها التصورات والقيم والمبادئ التي يلتزمها الباحث، وقد يراد بها طريقة معينة في البحث العلمي لمادة من المواد؛ فإنه على هذا تأتي استخدامات وصف المنهج، فإذا قلنا: المنهج الإسلامي في دراسة التاريخ، فإن ذلك يدل على التصورات والمبادئ التي يضعها الإسلام، كحدود ومنطلقات عامة تحكم دراسة التاريخ وتفسيره، وأما إذا قلنا: منهج البحث التاريخي ومنهج إثبات الحقائق التاريخية؛ فإن ذلك يعني القواعد والطرق التي اصطلح عليها للوصول إلى صحة المعلومات، والتأكد من صوابها .

وهذا الفصل غير وارد فالتصورات والقيم والمبادئ موجهٌ هامٌّ من موجهات البحث، ولا تنفصل عن منهج إثبات الحقائق التاريخية، ولخصوصية التربية الإسلامية، وأهمية الكشف عن تطورها لوضعها في موضوعها الصحيح من تاريخ التربية المعاصرة، ولمعرفة أثرها في البنى والمؤسسات التربوية المعاصرة، ولاكتشاف أثرها في بنية الواقع المعاصر وتشكيلها للعقلية الإسلامية المعاصرة، فإن الأمر يحتاج إلى إبراز وزيادة بيان أهداف البحث التاريخي في هذه التربية، بطريقة قد تشارك أهداف البحث التاريخي في التربية، وقد تزيد عليها
وتتمثل تلك الأهداف فيما يلي :
أ. التحليل : إن معنى التحليل ببساطة عزل عناصر الشيء الواحد بعضها عن بعض حتى يمكن إدراكه بوضوح ،

والباحث في التربية الإسلامية حين يختار موضوعًا للدراسة يكون لديه التصور العام الشامل عنه، ثم يقوم بتحليله إلى عناصر، ويعزلها عن بعضها حتى تتيسر له دراسته، ويدرك كل واحد منها بدقة، ويلقي الضوء عليه مبينًا علاقته بالعناصر الأخرى، وعلى هذا يقوم بترتيب وتنظيم وتصنيف البيانات والمعلومات والوقائع بطريقة علمية، تساعده في الكشف عن العلاقات والروابط بينها؛ حتى يتمكن من التوصل إلى تفسير موضوعي لها.

وهدف التحليل هو الكشف عن العلاقات بين الوقائع التاريخية المختلفة بغية الكشف عن علاقات جديدة تفسر لنا وقائع وأحداث أخرى، ومعنى هذا أن التحليل كهدف للبحث التاريخي في التربية الإسلامية يعني تحليلًا جيدًا للقوى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي لعبت دورًا بارزًا في تشكيل الرؤى والوقائع التربوية في المجتمع الإسلامي في فترة زمنية معينة ثم هو يعنى بتحليل العلاقات السببية الرابطة بين الماضي والحاضر والمستقبل.

ويفيد التحليل لا في توضيح النظريات الاجتماعية القائمة في المجتمع فقط، بل وتطبيقاتها وممارساتها وفعاليتها، وكذا كافة ما يفيد في تفسير التاريخ التربوي، وما لحقه من تطور وتغير في ضوء المتغيرات المختلفة التي أثرت فيه، وأثر فيها؛ لأنه لا يمكنه الانعزال عنها ولا عزلها عنه، ومع أهمية التحليل كهدف فهو لا ينفصل إطلاقًا عن بقية الأهداف الأخرى.
ب. التجميع والتكثيف : وهذا الهدف مكمل للتحليل ، وإن جاء على غير طبيعته ؛

إذ أنه يعني تجميع الحقائق التاريخية بطريقة متكاملة بحيث تعطى صورة كاملة أو شبه كاملة عن الفترة الزمنية موضع الدراسة، وهو ألزم في دراسات تاريخ التربية الإسلامية، ذلك أن الخبرة التربوية للأفراد والمجتمع في ماضيها لا تكاد تتضح أبعادها إلا في إطار تجميعي يكثف تلك الخبرة، بعد أن تكون عرضت مفككة محللة، طبقًا للهدف السابق، وبعد أن تكون البيانات والحقائق قد رتبت وصنفت؛ فلا بد إذن من تجميعها في إطار موحد بشروطه الموضوعية، ثم يكون بعد ذلك تكثيف تلك الخبرة فالباحث في تاريخ التربية الإسلامية قد يغرق في وقائع جزئية متشابهة وإن اختلفت أزمانها وبقاعها، مما يكون له أبعد الأثر في تشتيت الذهن والوقوع في التضارب والتناقض في تفسير الوقائع والأحداث، ومِن ثَمَّ ينعكس ذلك على التاريخ؛ ولذا كان لا بد من تجميع هذه الوثائق في أطر فكرية أو زمنية أو مكانية وتكثيف المتشابه مع مراعاة عدم الخلط في الأسباب.

Post a Comment

أحدث أقدم