يحقق التدعيم الإيماني للنفس البشرية مالا يحققه تدعيم المعالج
النفسي الذي استلهم معالجته من واقع النظريات النفسية التي صاغها البشر وما فيها من قصور ،
فالبشر في
علومهم لن يصلوا إلى الكمال خصوصاً في الوصول إلى أسرار النفس التي اختص الله
بعلمها – فهو سبحانه الذي خلقها فسواها والهمها فجهورها وتقواها ، وجعل تزكيتها في
منهجه فقال سبحانه :
( قد أفلح من ذكاها وقد خاب من دساها ) ( الشمس : 9-10 )
ثم جعل الصلاة من أهم أسباب تزكيتها فقال سبحانه :
( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى )
( الأعلى: 14-15)
ورب العباد سبحانه هو القادر على تصحيح مسار الانحراف النفسي ، فهو الذي
يملك بعلمه وقدرته وحكمته موازين النفس البشرية ، وهو أعلم بآفاتها بما في ذلك من
حرص وشح وبخل، وبما يصاحب ذلك من كره وبغض وحسد ، وكبر وغطرسة ، وطمع.
هذه آفات نفسية وهي دائماً تصاحب المرض النفسي . تصاحب القلق وتصاحب الهلع
والفزع والرهب، والخوف من المرض والموت، والفقر صورة مرضية من صور الاضطراب النفسي
التي تنبئ عن قلة الرصيد الإيماني وضحالته في النفس البشرية ، ولهذا فهي تحتاج إلى
تدعيم الإيمان ، حتى يتحقق لها الاطمئنان الذي لا يصاحبه خوف ، والرضا الذي لا
يلازمه جزع، والسعادة التي لا يشوبها كدر.. والعزة التي لا ترهقها ذلة .
وليس هذا دعوة إلى عدم الأخذ بأساليب العلم والطب والخبرة في معالجة نفوس
البشر – هذا ما لا يقول به أحد ، لأن علوم البشر مهما كان فيها من قصور فهي
اجتهادات لها ثمرتها ولها نتائجها وإ يجابياتها والعلماء والأطباء وكل من يشتغل
بمعالجة النفس يحقق خيراً باجتهاده – وهذا ما لاينكره أحد، ولكن معظم اجتهادات
الطب والعلم في مجال المعالجة النفسية تخفف حدة المرض وشدته ، وتخفف الأعراض التي
تكون سبباً في أن يلحق المريض ضررا بنفسه أو بأسرته أو مجتمعه ، فمثلا حالات
الهياج وحالات الاختلاط العقلي وحالات الاكتئاب الشديد التي تصل إلى رفض الحياة
كلها ، هذه يسيطر عليها الطب النفسي والأطباء سيطرة كاملة ، ولكن هل هناك ضمان
باختفاء ما يرا ود النفس من أعراض؟ أو هل هناك ضمان لعدم عودة مثل هذه الاضطرابات
؟ هذا ما لا يضمنه الطب ومالا يضمنه الأطباء، ولذلك فهناك علاج تحفظي ، وهو إما
معالجة كيماوية في جرعات أقل أو علاج نفسي تدعيمي يتردد المريض خلاله على طبيبه
بين الحين والحين، ولكن المريض النفسي يتمرد على العلاج الطويل الأمد، ولهذا فهو
يقطعه ، ويرفضه، وإذا فعل ذلك انتكست حالته،وهذا معروف ومشاهد في كل حالات المرض
المزمنة ، مثل الفصام وبعض أعراض الوساوس والقهر الشديد.
والمريض إذا رفض الدواء فقد يستسهل الذهاب إلى طريق آخر، وربما قاده جهل
من حوله إلى أن يطرق باب الدجل والشعوذة ، وهذا ما يرفضه الدين ولا يرضى به
الشرع-وينهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في
أحاديثه الصحيحة .
Post a Comment