آثار عقيدة التوحيد التربوية
عقيدة التوحيد ، وأثرها التربوي : تقوم عقيدة التوحيد على الإيمان بالله الرب الإله المعبود ، المنفرد بكل كمال ، الغني بذاته عن جميع المخلوقات ، ذي الأسماء الحسنى الموصوف بكل صفة وصف بها في القرآن الكريم ، والسنة الشريفة بلا تشبيه ، ولا تعطيل ، ولا تأويل .
ولعقيدة التوحيد آثار تربوية عميقة في شخصية المؤمن منها :
أ - تحدد عقيدة التوحيد الهدف الكلي للمؤمن في الحياة ، نحو الله في استسلام وخشوع ، قوله تعالى : " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ " سورة الأنعام : 162-163
ب - تربي عقيدة التوحيد المؤمن على التوكل على الله والتفويض الكامل لله مع الأخذ بالأسباب وإتقان العمل ، ويدل على ذلك قوله سبحانه : " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه " سورة الطلاق : 3 ، أي: كافيه وحاميه .
ج - تحرر عقيدة التوحيد المؤمن من الخوف ، وقد خلق الإنسان في كبد ، ولذا يمد القرآن الكريم المؤمن بالأمل في التغلب على الصعاب كما في قوله تعالى : "  إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم " سورة محمد : 7 . من هنا تطهر عقيدة التوحيد المؤمن من الخوف ، وتزرع في نفسه الطمأنينة ، فيواجه التحديات في الحياة بروح الإيمان ، بل يقبل إقبال الواثق بنصر الله ، طالما التزم بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
د - تُطهر عقيدة التوحيد النفس المؤمنة من القلق والحزن ، لأن عقيدة التوحيد تصون النفس من التمزق بين ولاءات كثيرة لآلهة متعددة  .فالمؤمن الله وليه وناصره ؛ " أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " سورة يوسف : 39 . وبمقدار صلة المؤمن بربه تزداد قوته بين الناس .
هـ - تهيئ عقيدة التوحيد المؤمن ليربي نفسه على الاعتدال ؛ فلا يأسى على ماض انتهى ، ولا يبطر ويتبختر لخير أتاه ، وإنما يواجه تقلبات الحياة مواجهة المؤمن الراضي الصابر الشاكر ، قوله تعالى : " مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ " سورة الحديد : 22-23
و - تُربّي عقيدة التوحيد المؤمن ليكون قريبًا من الله ، ويظهر ذلك في قول الإمام جعفر الصادق؛ أحد أئمة البيت النبوي الكريم : "عجبت لأربعة كيف يغفلون عن أربع ، لمن ابتلي بالخوف كيف يغفل عن قوله تعالى : " قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " سورة آل عمران : 173، فإني سمعت الله -عز وجل- يقول بعدها : " فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ " سورة آل عمران : 174 ، وعجبت لمن ابتلي بمكر الناس ، كيف يغفل عن قوله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون : " وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد " سورة غافر : 44 ، فإني سمعت الله -عز وجل- يقول بعدها: " فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَاب " سورة غافر : 45 ، وعجبت لمن ابتلي بالضر ، كيف يغفل عن قول الله تعالى على لسان أيوب -عليه السلام- : " أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين " سورة الأنبياء : 83 ، فإني سمعت الله -عز وجل- يقول بعدها : "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُر " سورة الأنبياء : 84 .
ز - وفوق هذا كله يذكر القرآن الكريم أن التربية بالتوحيد توفر للمؤمن زادًا يسعد به في الدنيا ، ويستعد به للآخرة فينعم ، وهذا جزاء كل من استقام على التوحيد : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ " سورة فصلت : 30 - 32 .
ح - الانتماء إلى الله والاعتزاز به وموالاته والانضواء تحت لوائه : فالمؤمنون هم حزبهم الله وهو وليهم ، والكافرون لا مولى لهم ، قوله تعالى : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُم "
سورة محمد : 11، وهذا الولاء يربي النفس على أن تكون في حرب مع أتباع الشيطان والشهوات . كما يربي الانتماء إلى الأمة الإسلامية ، والاعتزاز بها .

Post a Comment

Previous Post Next Post