متى وأين فرضت الصلاة ؟
كل مسلم يعلم أ ن الصلاة فرضت في ليلة الإسراء والمعراج من فوق سبع سماوات
. ولم ينزل به جبريل كما نزل بكل أمور الدين ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ارتفع إلى سماء ربه إلى سدرة المنتهى حيث شاء
الله له أ ن يرتفع وتلقى الأمر من ربه دون وساطة .
أما كيفيتها التي نزل بها جبريل وعلّمها لرسولنا صلى الله عليه وسلم فهذا
ما سنوضحه والإسراء والمعراج كانت رحلة ذات شقين رحلة أرضية وهي مسرى الرسول من مكة إلى بيت المقدس – ورحلة سماوية وهي
معراجه صلى الله عليه وسلم إلى سماوات ربه.
والرحلة في جوهرها وحقيقتها النفسية رحلة تثبيت لرسولنا وتسلية لنفسه
وتدعيم لرسالته وتقوية لعزيمته ، وتثبيت الرسل أمر سبق للرسل جمعياً فهم بشر
يتعرضون للأذى وتشحن نفوسهم ممن يتصدون لدعوتهم فتكون لهم من الله آيات ومعجزات
تثبتهم وتقويهم وتشد من عزمهم ليقوموا
بأعباء رسالاتهم على الوجه الذي يرتضيه ربنا سبحانه وقصص الأنبياء وما تعرضوا له
من ابتلاء وكيف أيدهم الله ونصرهم؟ تعرض لها القرآن في منهجه، وقصه ربنا سبحانه
على رسوله تثبيتا له وتدعيماً لنفسه – قال تعالى:
( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق
وموعظة وذكرى للمؤمنين ) ( هود : 120)
ورحلة الإسراء والمعراج كانت هذه غايتها وهدفها ، والأحاديث الصحيحة وكتب
السيرة تحكي القصة كاملة ، وكلها توضح لنا حقيقة ما حدث وما رآه رسولنا من آيات
ومعجزات ، أن الله سبحانه قد أطلع رسوله على ملكوته وما أراد له أن يطلع عليه ، حقا إن الإسراء
والمعراج قمة التكريم والتثبيت لعبد الله ورسوله محمد بن عبد الله فقد اصطفاه
وكرمه تكريما لم يحظ به أحد قبله ولا بعده فهو على موعد مع ربه ليريه من آياته
الكبرى حيث قال سبحانه :
( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) (
النجم : 18 )
في وقت اشتد فيه أذى الكفار من قريش فهم ينكرونه وينكرون رسالته وينالون
منه ويشتدون عليه بعد أن فقد مساندة عمه وزوجه، فقد ارتحلا عنه في عام واحد، وكانا
أكبر عون له في مجابهة ظلم قريش وتعسفها ، وفي أوج هذه المحنة كانت رحلة الإسراء
والمعراج، بعد عودته من رحلته المشهورة إلى الطائف
التي خذله فيها أهلها وأغروا به
صبيانهم وسفهاءهم يؤذونه فكان دعاؤه
المشهور عند بستان شيبة بن ربيعة اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي ، وهواني
على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني؟ إلى
بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن
عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا
والآخرة من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا
قوة إلا بك ، وكانت استجابة السماء تكريما وتشريفاً وتعظيما لهذا النبي الذي صدق
ما عاهد الله عليه فكانت رحلة إسرائه رحلة تكريم حقيقي وتثبيتاً عملياً للإيمان
والاطمئنان في نفس رسول الإسلام ، تحقق رسولنا من كل ما أخبر عنه ربنا سبحانه من
غيب نحن نؤمن به ونصدقه ولا نعلم عنه ، ولكن الرسول رأى الغيب بعينيه وتحقق منه ،
فأصبح الغيب الذي أراد الله أن يطلعه عليه معلوماً باليقين، فأي تدعيم أكبر من هذا
وأي تثبيت أعظم وأي اطمئنان يغمر نفس هذا الرسول العظيم ، يصل نبينا إلى هذه
الدرجة من التكريم والتعظيم في سماء ربه وبين أنبيائه وملائكته ، يعرفونه ويكلمونه
وأهل الأرض من أهله وعشيرته يكذبونه، وينكرونه .
وعند سدرة المنتهى يكون التكريم الأعظم وتتحقق المعجزة ا لكبرى ، لقاء بين
محمد وربه تغمره أنواره وتحيط به أسراره. أنه أعظم لقاء ، لم يتحقق لنبي قبله ولن
يتحقق لأحد بعده ، رسول عظيم اختتم الله به الرسالات وارتفع إلى السماء، ورأى
الملك والملكوت والعظمة والجبروت ورأى الجمال والكمال، والمهابة والجلال.
اجتمعت هذه المعاني كلها واكتملت في نفس رسولنا صلى الله عليه وسلم
فألهمته الفطرة و أنطقته القدرة بالتحية اللائقة ،- التحيات لله والصلوات والطيبات
– ويتلقى محمد تحية ربه - السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته- ومع هذه التحية وما فيها من المودة والرحمة ،
تتفاعل نفس رسولنا صلى الله عليه وسلم بأطيب الكلمات فينطق بالشهادة : " أشهد
أن لا إله إلا الله " ، ويتلقى محمد شهادة ربه له بالرسالة والعبودية
الصادقة" وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " .
إنه الوسام الذي نزل من السماء، شرفاً وتواضعاً ، لا كبر فيه ولا خيلاء،
ولهذا كان يعتز الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعبوديته لله ، إ ن كلمة التوحيد
اختلطت بنفسه وترددت في خلاياه وحناياه – وكان دائما يرددها ويقول إنما أنا عبد
الله ورسوله. هذا الموقف الذي فرضت فيه الصلاة - موقف كله روعة وجلال – يهز الكيان
والوجدان ، وتصل به نفس الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قمة الاطمئنان - وبين الجمال والكمال والمهابة والجلال وبين
الأنوار والأسرار، تفرض الصلاة تكريما وتشريفا لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأمته من
بعده .
إرسال تعليق