النفس والروح:
هذا التقارب في مكان التقوى والفجور من النفس البشرية جعل الناس يخلطون
بين مفهوم النفس والروح، لأن الخالق سبحانه عندما نفخ الروح في جسد آدم تحرك الجسد
بقدرة خالقه سبحانه وتحركت في الجسد أعضاؤه وأجهزته وأحشاؤه، وهذه حياة الجسد، وفي
الوقت نفسه دبت الحياة في النفس، وأول ما تفاعل فيها هو جانب التقوى وهو الجانب
المضيء من النفس البشرية ودليل ذلك أن آدم عاش فترة طويلة بين الملائكة كما تعايش
فيها إبليس من قبل، فلم يكتسب خطيئة أو إثماً وكل اكتسابه طاعة وعبادة، وكان في
الشجرة ابتلاؤه في الجنة، وكان في الأكل منها شقاؤه في الدنيا، وكان ابتلاء إبليس
في غطرسته وتكبره وعدم الإذعان لأمر ربه، ولكنه كان قبل ذلك يعيش في الجنة مع
الملائكة حتى ظن الناس أن إبليس كان قبل المعصية ملاكاً، ولكن الله حسم القضية
بقوله سبحانه:
(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر
ربه أفتتخذوُنه وذُريتهُ أولياء من دوني وهُم لكُم عدُوُ بئس لِلظالمينَ
بَدَلاً)(الكهف:50)
والنفس خلق معنوي، لازمت خلق الإنسان المادي وهي تلازم العقل في وظائفه
وتهيمن عليه، أما مطلق علمها فهو لله وحده سبحانه .
بهذا التوضيح نتفهم تماماً لماذا حدث خلط بين مفهوم النفس والروح لأن
النفس في بداية خلقها تفاعلت بالطاعة بعد أن نفخ الله من روحه في آدم – يقول الحق
سبحانه :
(إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين* فإذا سويته ونفخت فيه من
روحي فقعوا له ساجدين* فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس استكبر وكان من
الكافرين). (سورة ص:71-74).
وهذا يعني في وضوح ظاهر أنه في الوقت الذي بدأت فيه نفس آدم بالتقوى انتهت
نفس إبليس إلى الفجور .
والنفس في بداية خلقها كانت على الفطرة مشرقة مضيئة بما فيها من التقوى
وبهذا اختلط مفهوم الروح بمفهوم النفس، لأن آدم كان من بداية خلقه جسماً ونفساً
وروحاً وكانت نفسه تقية زكية لا تتفاعل بفجور ومعصية فعاش في الجنة ما شاء الله أن
يعيش فيها ملاكاً طاهراً، كانت النفس روحانية لم تلطخها المعصية والروح كما هي
الروح-فليست الروح نفساً وجاء الخلط بين
مفهوم النفس والروح لأن النفس تفاعلت بالتقوى أول ما تفاعلت ودبت فيها الحياة بروح
الله سبحانه، فأصبح كل ما هو مشرق مضيء في سلوك الإنسان ينسب إلى الروح مع أن
نسبته الحقيقية إلى النفس أو إلى جانب التقوى من النفس، وبهذا أصبح السلوك المتميز
في حياة الإنسان يطلق عليه القيم الروحية مع أنها في حقيقة تفاعلها قيم نفسية، وبعد
أن تعايشت النفس مع رغباتها-استسلمت لشهواتها وزين لها الشيطان أعمالها حتى أكل
آدم من الشجرة ونسى نداء ربه، واستجاب لنداء إبليس، وعندئذ تمكن جانب التقصير من
النفس البشرية، وبدأت النفس تعمل بطاقتها التي أرادها الله لها، وبهذا اكتمل بناء
النفس بصورته التي نحن عليها بعد أن أكل آدم من الشجرة، وبعدها ظهرت معالم المعصية
مجسدة وهذا ما اخبرنا به ربنا سبحانه من قصة آدم وإبليس حين يقول سبحانه:
(فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما
من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما
عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين).(الأعراف:22)
Post a Comment