قواعد النقد للسند:
فالبحث عن مصدر الخب، ومن نقله؟ وكيف نقله؟ ... ، هو أول خطوات النقد التاريخي، وهو ما يسمى عند علماء المسلمين [بالراوى]، وعند الأوربيين [بالمؤلف].
وقد وصل المنهج الإسلامي في التعرف عن الراوي، وتحقيق نسبة الخبر إليه، ومدى صلاحية هذا الراوي ومقدار ما يحوزه من عدالة وضبط، أقول: قد وصل المنهج الإسلامي في هذا الجانب إلى درجة من الدقة والتوثيق عجز عنها المنهج الأوربي، وهو ما يعرف في المنهج الإسلامي [بدراسة السند]، ومعرفة الاتصال فيه من عدمه، وإمكانية اللقاء أو المعاصرة بين الراوي ومن روى عنه، ومعرفة كل شيء عن الرواة: تواريخهم، وطبقاتهم، وأسمائهم، ومعرفة الكنى


والألقاب، والمبهم والمختلف فيه من الأسماء، ومعرفة بلدانهم وأوطانهم ... ولم يقف المنهج الإسلامي عند حد معرفة الراوي والتأكد من صحة نسبة الخبر إليه، بل بحث في مدى صلاحية هذا الراوي لنقل الخبر، ومقدار ما يتمتع به من أمانة ودقة، أو عدالة وضبط، ووضعت القواعد المنظمة لتقويم الراوي فيما يعرف [بعلم الجرح والتعديل] أما المنهج الأوربي: فيفتقد في منهجيته هذا الجانب ويتعذر عليه التحديد الحازم لمصدرية الخبر، وقد عبر الدكتور عبد الرحمن بدوي عن قصور المنهج الأوربي في هذا الجانب الهام بقوله: ((وهذه عسيرة كل العسر تبلغ في كثير من الأحيان درجة الاستحالة، سوى في الأحاديث النبوية التي وردت مقرونة برواتها حتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الحكم عليهم نزاهة ودقة)) (1).
وقد لجأ الأوربيون في منهجهم التاريخي إلى طرق كثيرة لمحاولة تحديد [المؤلف] تقوم على التحليل الباطني للوثيقة من أجل استخراج الدلائل التي تعرفنا بالمؤلف وعصره، ولكنها لم تصل إلى درجة اليقين في معرفة المصدر الحقيقي للنص، بل قامت في معظمها على الفرض والتخمين.
وشتان بين الجزم واليقين في مصدرية الخبر عند علماء السنة وبين الظن والتخمين الذي قام عليه المنهج الأوربي الحديث في تحديد شخصية المؤلف وصحة نسبة الخبر إليه.

Post a Comment

أحدث أقدم