عن صحة الوثيقة أو تفسيرها، ومعرفة الدوافع النفسية وكاتبها، ومقدار الصدق لديه وغير ذلك، وهاك بيان موجز عن أنواع النقد هذه:
(أولا) النقد الخارجي:
وقد قسمه علماء المناهج إلى قسمين: نقد الاستعادة، ونقد المصدر: أما نقد الاستعادة فيقصد به: التحقق من صحة الوثائق، وهل الوثيقة موضع التحقيق كتبها صاحبها فعلا؟ وهل كتبت بخطه أم بخط غيره؟ وهل دخلها الحشو والإضافة؟ وهل هذه الإضافة من باب الشرح أم من باب الإكمال؟ وهل دخل تحريف في النص الأصلي أو تزوير؟ وهل هو تحريف جزئي بدس كلمة أو إبدالها؟ أم إنه انتحال كامل وشامل للنص؟ وهل هذه الأخطاء مقصودة أم أنها بسبب خطأ في النسخ؟ إلى غير ذلك من ألوان التحري عن سلامة النص .. ولهذا
اشترط فيمن يتصدى لهذا النقد أن تتحقق فيه شروط ثلاثة:
1 - أن يكون ملما باللغة التي كتب بها النص.
2 - أن يكون ملما بالخطوط التي كانت سائدة في هذا العصر.
3 - أن يكون ملما بالأخطاء الشائعة في كتابة اللغة التي دون بها النص.
وبهذا تصبح غاية هذه الخطوة من النقد: تخليص النص الأصلي وإزالة التصحيفات والإضافات والتحريفات التي لحقت بالأصل.
أما نقد المصدر: فيقوم فيه الناقد - بعد استخلاص النص الأصلي-


بعملية التوثيق لمصدرية هذا النص إلى صاحبه، فيبين مصدر الوثيقة، ومن هو مؤلفها وتاريخها، ويكشف عن عمليات الانتحال ودوافعها، وهل كان سببها الترويج لمذهب معين؟ أم كان سببها رواج الموضوع واشتهاره بسبب نسبته إلى عالم له سمعته الكبيرة؟ أم كان السبب هو رغبة الشخص في إعلاء شأنه واشتهار اسمه بنسبة عمل عظيم القيمة إلى نفسه.
وقد وضع علماء المنهج قواعد مهمة تفيد في نقد المصدر وتتلخص هذه القواعد في:
1 - النظر في الخط الذي كتبت به الوثيقة الأصلية، حيث إن الخطوط تتمايز بحسب العصور.
2 - النظر في اللغة التي كتب بها النص، حيث إن لكل عصر خصائصه في أساليب اللغة وتراكيبها.
3 - النظر في الوقائع والأحداث التي ترويها الوثيقة، وهل تتوافق مع الزمان والبيئه المنسوبة إليهما.
4 - النظر في المصادر التي صدرت عنها الوثيقة أو المصادر التي استعان بها المؤلف، فقد يتفق نص الوثيقة مع المصدر المأخوذ عنه فتظهر عملية النقل والانتحال.
وبهذه القواعد يمكن الوصول إلى النص الحقيقي والتأكد من صحة نسبته إلى مؤلفه الحقيقي وهذا النوع من النقد الخارجي بقسميه السابقين نقد الاستعادة ونقد المصدر، بما يتضمناه من تصحيح الوثيقة، ونقد المصدر، والترتيب النقدي للمراجع، ونقد التحصيل، والوصول إلى سلامة النص ونسبته إلى مؤلفه الأصلي هذا النوع من


النقد يمثل الخطوة الأولى في التوثيق.
(ثانيا): النقد الداخلي أو الباطني:
وهو يتجه إلى الرواية والراوي، فيهدف في جملته إلى تحليل الرواية بما يكشف عن حقيقة صدقها من عدمه، وإلى الوقوف على الراوي لمعرفة نزاهته وضبطه، والنقد الداخلي ينقسم إلى قسمين:
الأول: النقد السلبي، والثاني: النقد الإيجابي.
أما النقد السلبي: فهو يبحث في جملته عن الأمانة لدى الراوي وعن الدقة ويتحرى عن بواعث المؤلف، وعن الظروف التي أحاطت به، وهل عاصر الأحداث التي يرويها، وهل روايته رواية عيان ومشاهدة أم رواية نقل عن الغير؟ وما مقدار ما يتمتع به من صدق وثقة؟ وهل كان في روايته اتصال أم انقطاع؟، وما مقدار ضبطه وحفظه إلى غير ذلك من أمور ترجع في جملتها إلى أمانة الراوي ودقته وهي تقابل عند علماء السنة: العدالة والضبط.
أما النقد الإيحابي: فيطلق عليه نقد التفسير، وهو نوعان: تفسير يقوم على تحديد المعنى الحرفي للنص، وفهم جزئيات النص وألفاظه ومعرفة ما يكون في اللفظ من غرابة، وبيان المقصود بكل كلمة على حدة، والنوع الثاني من التفسير يقوم على تحديد المعنى الكلي للنص، أو المعنى الحقيقي الذي يوحي به النص جملة، وتحديد الأمور الكلية التي يعالجها النص الإجمالي.
وهذا النوع من النقد الداخلي بخطواته وأنواعه يقابل نقد المتن عند علماء المسلمين.


الخطوة الثالثة: مرحلة التركيب أو استعادة الوقائع والوثائق وهذه الخطوة تعتمد على الخطوتين السابقتين، فلا تركيب إلا بعد التحليل القائم على تجميع الوقائع ثم البرهنة على صدقها وثبوتها، وتعتبر مرحلنا الجمع والتصنيف ثم مرحلة النقد والتمحيص، بمثابة التمهيد أو التحضير لعمل المؤرخ في المنهج التاريخي، فإذا ما توصل إلى درجة الاستيقان من الوثيقة أو الأثر، كان عليه أن يقوم بعملية استعادة الوقائع كما هي في التاريخ ويستحضرها بصورة ذهنية دقيقة، ويستنبط منها أو يقيس عليها، ويخرج بالأحكام الصحيحة من خلال استعادة الماضي بكل تجاربه وأحداثه، ويمكن للمؤرخ في ضوء هذا المنهج أن يملأ الفراغ بين سلسلة الأحداث، وأن يجعل التاريخ موصول الحلقات، وأن يعيد صياغة التاريخ على نحو محكم يتفق مع مجريات الأحداث، ويتناسب مع اختلاف العصور والأجناس. (1)
_____
(1) انظر خطوات المنهج الاستردادي الغربي في مناهج البحث للدكتور عبد الرحمن بدوي ص 183 - 221. (مرجع سابق).

Post a Comment

أحدث أقدم