استكشاف المآلية وتكوين صورة مستقبلية
: إن دراسة الظاهرة تاريخيًّا تساعد في الخروج بتعميمات محدودة
وخاصة تفيد في
فهم الواقع وظواهره وأحداثه وتفسيره، وتحديد علاقة الظواهر والأحداث ببعضها، وانطلاقًا من هذا يمكن استكشاف مآلية الظاهرة المدروسة
في الماضي والمستقبل، أي: التنبؤ بما سيحدث
مستقبلًا كنتيجة مترتبة على مقدمات، والوضع هنا
كالوضع في أي
علم إلا أنه لا يمكن التحقق والتثبت من صدق هذا بالتجربة والأساليب التجريبية. ويعتبر هذا من اجتهاد المؤرخ إلا أنه غير لازم أو
مُلْزِم؛ فقضية الاستكشاف هذه برغم أهميتها
محدودة؛ لأنها تعبر عن وجهة نظر بناء على مقدمات في
مآلية الظاهرة
في صورة مرئيات لا أكثر.
إنَّ ما نريد التأكيد عليه: هو أن
الاستكشاف كهدف من أهداف البحث التاريخي في التربية
الإسلامية يدعم وظيفة هذا البحث، ويؤكد وظيفته التغيرية
لا مجرد كشف
الثبات، أو حتى التغيير، وليس هدفنا هنا تأكيد القول بسحب الماضي على الحاضر والمستقبل، وتغطيتهما بعباءة الماضي، فهذا قول فيه
مجازفة ومخاطرة أيضًا؛ لأنه يعني ضمنيًّا إهمال
مستجدات الحاضر والواقع والهروب من الحاضر أمر غير
محمول.
إنما التأكيد هنا وبذات على أهمية
الماضي في معرفة الواقع واحتمالات توجهات المستقبل،
تأكيدًا على الإيجابيات ودعمها، وتجنبًا للسلبيات
وتنقية للواقع
والمستقبل منها، بإرادة الإنسان المستمدة من إرادة الله -عز
وجل.
وقد يحقق البحث في تاريخ التربية
الإسلامية أهدافًا أخرى: كالكشف عن دور العلماء
المسلمين التربوي، وتوضيح الإنجازات التربوية لهم، وغير ذلك
مما يثير
الاعتزاز بالنفس، ويحيي ويدعم التواصل مع فعاليات التربية الإسلامية في الماضي، ولكن ومع أهمية هذه الأهداف
إلا أن الوضعيات المختلفة
للمجتمع الإسلامي المعاصر لا تتطلب منا
التواصل لمجرد الإعجاب والتعجب كما تفعل دراسات كثيرة في هذا
المجال، أو
لمجرد الأسبقية وإسقاط طموحاتنا على الماضي؛ هروبًا فيه ومنه، وإنما يحتاج هذا التواصل إلى فعاليات أخرى تتمثل في الإبداع والإنجاز،
ومواجهة مشكلات الواقع بحلول ناجزة، وهنا
يحدث التواصل الحقيقي فهم رجال صنعوا، ونحن رجال نستطيع
أن نصنع فقط
حين يتحول التكديس إلى فاعلية حقيقة.
إرسال تعليق