نظرة الإسلام إلى الإنسان : من الثابت
في
علم النفس أن نظرة الإنسان إلى نفسه من
أقوى المؤثرات في تربيته ؛ لذلك قدمت هذه
النظرة
القرآنية إلى الإنسان : مازال الإنسان منذ وجد على وجه الكرة الأرضية مأخوذًا بسوء الفهم لنفسه، فيرى أنه أكبر وأعظم كائن في العالم ، ويربأ بنفسه أن
يعتقد أنه
مسئول أمام أحد ، ويتحول إلى متأله يستهدف القهر والجبروت، ويميل إلى جانب التفريط
حينًا آخر ؛ فيظن أنه أدنى وأرذل كائن في العالم ؛ فيطأطئ
رأسه ، ولا يرى السلامة إلا في أن يسجد
للشمس والقمر ، وما إليها من الموجودات التي
يرى فيها
شيئًا من القوة .
وقد عرض الإسلام
الإنسان على
حقيقته وبين أصله، ومميزاته وما فضل به، ومهمته في الحياة، وعلاقته بالكون، وقابليته للخير والشر .
أ- حقيقة
الإنسان وأصل
خلقه : ترجع حقيقة الإنسان إلى أصلين :
1- الأصل البعيد : وهو : الخلقة الأولى من طين ، حين سواه الله ونفخ فيه من روحه .
2- والأصل الثاني القريب : وهو : - خلقه
من نطفة .
ولإيضاح هذين
الأصلين معًا
قال تعالى : " الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ
الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (*) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ
مَهِينٍ (*) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ
السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (*) "
سورة السجدة : 7-9
ب-
الإنسان مخلوق مكرم : وفي مقابل ذلك
كله بين الإسلام للنوع البشري ، أنه ليس من الذلة والمهانة
والابتذال في
درجة يتساوى فيها مع الحيوان والجماد وسائر المخلوقات ؛ قوله تعالى : " وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ
مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاَ
" سورة الإسراء : 70
3-
الإنسان مميز مختار : ومما كرم الله به
الإنسان أن جعله قادرًا على التمييز بين الخير والشر ،
وجعل عند
الإنسان إرادة يستطيع بها أن يختار
بين الطرق المؤدية للخير والسعادة .
وبين له أن هدفه
في هذه الحياة
أن يترفع بنفسه عن سبل الشر، وأن يزكي نفسه ، نحو الفضيلة والاتصال بالله عز وجل
قوله تعالى : " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (*) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا
وَتَقْوَاهَا (*) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (*) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (*)
" سورة الشمس : 7-10
د- الإنسان وُهِب القدرة على التعلم
والمعرفة : ومما كرم الله به الإنسان وفضله : أن وهبه القدرة على التعلم والمعرفة وزوده بكل
أدوات هذه القدرة قوله تعالى : " اقْرَأْ
وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (*) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (*) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ
مَا لَمْ يَعْلَمْ (*) " سورة العلق : 3-5 ، أما أدوات
القدرة على
التعلم فمنها السمع والبصر والفؤاد ، وهذه القوى الثلاث إذا تضافرت بعضها على بعض ؛
نجمت عنها المعرفة التي مَنّ الله بها على بني آدم ،
والتي بها وحدها استطاع الإنسان أن يهزم سائر المخلوقات
ويسخرها
لإرادته .
هـ - مسئولية
الإنسان
وجزاؤه : لم يكتف الإسلام بتكريم الإنسان ، بل
حمله مقابل
ذلك مسئولية عظيمة ، حمله مسئولية تطبيق شريعة
الله، تلك المسئولية التي أبت سائر المخلوقات أن تحملها وأشفقت
من حملها، قوله تعالى : " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (*) لِيُعَذِّبَ
اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ
وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُورًا رَحِيمًا (*) " سورة الأحزاب : 72-73 ، وهذا الشعور بالمسئولية يربي في نفس الإنسان الوعي واليقظة الدائمة ، والبعد
عن المزالق ، والاستقامة في كل سلوك الإنسان وشئونه .
و- المهمة
العليا
للإنسان عبادة الله : وجماع كل هذه المسئوليات مسئولية الإنسان عن عبادة الله وتوحيده ، أي: إخلاص العبادة له وحده قوله تعالى : " وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " سورة الذاريات : 56 .
Post a Comment