أهمية المنهج في الفكر الإسلامي وعناية الإسلام به
ترجع أهمية المنهج إلى كونه الطريق المأمون في الوصول إلى العلم الصحيح، والإسلام له عنايته الخاصة بطلب العلم، فقد أمر الإسلام بالعلم، وأثنى على العلماء، وذم الجهل والجاهلين، كما طالب بالتثبت والتحقق في طلب العلم، وطالب بإقامة الدليل والبرهان على أية دعوى يدعيها الإنسان، وكما يقول علماء البحث والمناظرة: [إذا كنت ناقلا فالصحة وإذا كنت مدعيا فالدليل]. ولما ادعى المشركون أن الملائكة بنات الله، وحكموا عليهم بالأنوثة، طالبهم الله عز وجل بالبرهان والدليل على ما يدعون، وبين أن هذا الأمر دليله المشاهدة والمعاينة، وهم لم يشاهدوا خلق الملائكة، فكيف يحكمون عليهم بالأنوثة؟ إنه حكم خاطيء لأنهم سلكوا فيه مسالك خاطئة وبنوا قولهم على التخمين والظن، وهذا أمر: طريق إثباته يعتمد على المشاهدة والمعاينة، يقول تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون (19)} [الزخرف].
ولذلك كانت عناية الإسلام بالمناهج كبيرة لأنها وسيلة التثبت والتحقق في طلب العلم، وبدون المنهج السليم من البحث، يشرد الذهن وتتحكم فيه الأهواء ويضل الطريق، ولا يعد الإنسان عالما ما لم


يسلك منهجا علميا يحقق به معلوماته وموضوعاته، ولا يكفي - كما يقول ديكار ت -[أن يكون لدى الإنسان عقل سليم، بل لا بد أن يعرف كيف يستخدمه استخداما سليما] وقد أمر الإسلام أولي العقول بالاعتبار، فقال تعالى {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر: 2].
والاعتبار هنا كما يقول أهل العلم - مقصود به القياس، وهو أحد المناهج المستخدمة في توليد الأحكام.
كما جعل الإسلام توثيق الأخبار مطلبا شرعيا ودليلا من أدلة العلم الصادق، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((بلغوا عني ولو آية ... ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) (1). وقد طالب القرآن اليهود بتوثيق دعواهم حينما قالوا لرسول الله: تدعي أنك على ملة إبراهيم ولكنك تخالف شريعته، فأنت تأكل من لحوم الإبل وتشرب من ألبانها، وإبراهيم قد حرمها على نفسه، فنزل القرآن يكذب اليهود، ويبين أن دعواهم ينقصها التوثيق، فهي دعوى كاذبة لأنها قامت على منهج خاطىء لأنهم لم يشاهدوا إبراهيم ولم يعاصروه، ولم يأتهم نص في التوراة يدل على ذلك، فمن أين إذن استقوا دعواهم؟ إن دعواهم تفتقد المنهجية الصحيحة، قال تعالى: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (93)} فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون (94)} [آل عمران].
_____
(1) الحديث أخرجه البخارى في صحيحه جـ 1 ص 27، وأورده مسلم في صحيحه جـ 1 ص57 شرح النووي ط الشعب [إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار].


ومن هنا كانت عناية الإسلام بمنهج التوثيق للأخبار، وعنايته بمنهج القياس والاعتبار في تفريع الأحكام، ومنهج التجريب والمشاهدة في علوم الكون والحياة، وكانت فعلا مسألة المناهج من الدين، لأنها بمثابة الطريق الصحيح الموصل إلى العلم الصحيح، يقول عبد الله بن المبارك: ((الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)) (1).
إذن لا بد من معرفة المناهج وضوابطها الشرعية حتى نبني الفكر السليم والقويم ولا بد من دراسة المنهجية العلمية في الفكر الإسلامي، لأنها هي الكاشفة عن الطرق التي يسلكها العقل في بحثه عن الحقيقة.

Post a Comment

Previous Post Next Post