المعلم في نظر الغزَّالي :

يؤكد الغزَّالي أهمية الاشتغال بالتعليم ويعلي مِن قدر أصحابها ويعظم من شأن وخطر المسئولية الملقاة عليهم، وفي ذلك يقول الغزَّالي: فمن علم وعمل بما علم فهو الذي يدعى عظيمًا في ملكوت السماوات فإنه كالشمس تضيء لغيرها، ومن اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرًا عظيمًا وخطرًا جسيمًا فليحفظ آدابه.

والمعلم في نظره متصرف في قلوب البشر ونفوسهم، وهو يمارس أشرف الصناعات بعد النبوة
وقد أوصى المعلمَ بعدة أمور من أهمها :
1- الشفقة والرحمة على الصبي ، فهو منه بمنزلة الوالد .
2- ألاَّ يبخل على الصبي بالنصح والتوجيه والإرشاد إلى طريق الخير .
3- أن يزجر الصبي عمَّا يبدو منه من سوء الخلق بطريقة الرحمة لا التوبيخ ، وأن يكون تأديبه بالبرهنة والتوجيه لا بالتخويف والضرب والوعيد .
4- التدرج في تعليم الصبيان وأن يعطي الصبي من التعليم على قدر فهمه ، ثم يتدرج معه ولا يلقي إليه ما لا يعقل .
5- ألاَّ يقبح في نفس المتعلم العلوم الأخرى التي يدرسها غيره كمعلم اللغة في عادته في تقبيح علم الفقه ، ومعلم الفقه في عادته في تقبيح علم الحديث والتفسير .
6- أن يكون المعلم قدوة حسنة وأن يطابق قوله فعله وأن يكون متحليًا بالورع والتقوى ؛ فما استحسن فهو عندهم الحسن وما استقبح فهو عندهم القبيح .
7- أن يعود الصبي على الأخلاق الكريمة فيقوم احترامًا لمن هو أكبر منه ، كما يعوده على ألا يبصق في المجلس ، ولا يتمخط ولا يتثاءب .
8- يجب ألا يرفع المعلم التكليف بينه وبين التلميذ حتى لا يتجرأ عليه وحتى لا يفسد خلقه وأن يبتعد به عن التدليل ، ويعوده الخشونة حتى لا يغلب عليه الكسل وأن يراعي التوسط والاعتدال في معاملته .
9- أن يكون وقورًا رزينًا لا ثرثارًا أهوج ، ولا يظهر أمام تلاميذه بمظهر الخامل الناعس .
10- ألا يطلب المعلم على العلم أجرًًا ، وإنما يقصد به ابتغاء وجه الله .
وقد عيب على الغزَّالي " ألا يطلب المعلم أجرًا " من جانب دارسي التربية الإسلامية :

لأنه رأي لا يتفق مع الواقع، بل إنه في هذا الرأي خالف سابقيه من علماء المسلمين الذين قالوا بجواز أخذ أجر عن التعليم، بل اعتبروا ذلك ضرورة لنشر العلم بين الناس

والأدلة التاريخية تدحض هذا الرأي للغزَّالي، فقد كان المعلمون يحصلون على أجر بالفعل نظير قيامهم بتعليم الصبيان. ولعل الغزَّالي متأثرًا في هذا الرأي بما ورد لدى أفلاطون الذي كان يؤمن بنفس الرأي وعاب على السفطائيين في عصره أنهم يأخذون أجرًا على التعليم.

وقد انتقد هذا الرأي لأفلاطون أيضًا واعتبره رأيًا مثاليًّا لا يتفق مع واقع المجتمع ولا واقع الاشتغال بالتعليم كمهنة.

ويروى عن ابن مسعود قوله: "ثلاث لا بد للناس منهم: أمير يحكم بينهم ولولاه لأكل بعضهم بعضًا، وشراء المصاحف وبيعها، ولولاه لقل كتاب الله، ومعلم يعلم أولادهم ويأخذ على ذلك أجرًا ولولا ذلك لكان الناس أميين".

ويروى أيضًا أن سعد بن مالك قدم برجل من العراق يعلم أبناءهم الكتاب بالمدينة ويعطونه أجرًا. ويروى عن مالك قوله: لا بأس بما يأخذ المعلم على تعليم القرآن وإن اشترط شيئًا كان حلالًا جائزًا، ولا بأس بالاشتراط في ذلك وحق الختمة له واجب سواء اشترطها أم لم يشترطها، وهذه كلها أمثلة تؤكد استحقاق المعلم للأجر على اشتغاله بالتعليم.

Post a Comment

Previous Post Next Post