الصلاة في الإسلام موسوعة نفسية، كل ركن فيها يأخذ بك ويرتفع مع درجة أو درجات، ترتفع بنفسك وروحك فتعرج إلى ربها يراها وتراه فتخشع وتخضع وتسبح وتمجد وتحمد وتدعو وتبتهل وتناجي، فالوضوء يرتفع بالنفس راحةً وطهراً، والتوبة ترتفع بك إيماناً، وحركات الصلاة ترتفع بك اطمئناناً، وتلاوة القرآن ترتفع بك إلى سماء ربك فإذا وصلت إلى ربها دعت لك وقالت أمام ربها: حفظك الله كما حفظتني وهذه مرتبة الإحسان في العبادة، مرتبة التصور وتركيز الانتباه الذي يعالج بها علماء النفس علل النفس، وآفاتها، انظر كيف تتحقق في الصلاة وانظر  إلى حقيقة الجزاء من الله، وهذا ما يشير إليه الحق سبحانه في محكم كتابه من أول سورة لقمان – يقول ربنا سبحانه:
(الم* تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين* الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالأخرة يوقنون* أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون)(لقمان 1-5)
هذه هي حقيقة الصلاة جوهرها ومظهرها يسيران إلى حقيقة سلوكية واضحة.
فإن أردت أن تزداد ووضوحاً في حقيقة ما يحدث إذا ابتعد الإنسان عن الصلاة يقول ربنا سبحانه في مقابلة للآية التي يستثنى فيها المصلين من آفات النفس .
(كل نفس بما كسبت رهينة* إلا أصحاب اليمين* في جنات يتساءلون * عن المجرمين* ما سلككم في سقر* قالوا لم نكُ من المصلين* ولم نكُ نطعم المسكين* وكنا نخوض مع الخائضين* وكنا نكذب بيوم الدين* حتى أتانا اليقين)(المدثر:38-47)
وهنا أمسكت آفات النفس بتارك الصلاة ولم تفلته حتى أهلكته وأردته في الجحيم ثم تابع معي القراءة من كتاب ربك وهذا ما ذكرناه في مقدمة البحث عن تارك الصلاة قبل أن نحقق مفاهيمها .
(فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى)(القيامة:31-32)
(فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً)(مريم : 59)
(الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون)(الماعون:5-7)
ثم تعود الصلاة إلى ملازمة النفوس المطمئنة:
(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)(الأنبياء:73)
(وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات  ذلك ذكرى للذاكرين)(هود:114)
(وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إ نما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)(الأحزاب:33)
هل عرفت حقيقة ما تفعله الصلاة وأنها برنامج يصل بالنفس إلى حقيقة التزكية وحقيقة الاطمئنان يقول سبحانه:
(قد أفلح من تزكي *وذكر اسم ربه فصلى)(الأعلى:14-15)
ألم تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لأصحابه : " أرأيتم لو أن نهراً  بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا :لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا".
فهل بعد هذا الوضوح يكون هناك من شك أو  ريبة في حقيقة ما تفعله الصلاة وحركات الصلاة أهم ركن فيها، ومهما أنكر بعض الشباب فائدة الحركة، فإن الصلاة بكل أبعادها موسوعة نفسية تصل بالنفس إلى حقيقة التزكية وتصل بالسلوك إلى حقيقة الطهر والاستقامة، و إ ن مفاهيم البشر مهما سارت إليها فهي وسيلة إ إيضاح توضح مفهوماً ولا تسبر غوراً ، تبلي ضوءاً ولا تحدد بعداً ، وتظل الصلاة شامخة مرتفعة، ولا يمكن لأي منهج بشري سواء كان رياضة بدنية أو رياضة يوجا-أو ديناً وضعياً  يلزم صاحبه بسلوك معين أو فلسفة معينة، هذه البرامج البشرية مهما تعمقت فهي لن تصل إلى حقيقة ما تصل إليه الصلاة فشتان بن خالق يشرع برنامجاً يهدي به العباد وبين عباد  هم أنفسهم مخلوقون يحتاجون للهداية.
(قُل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يُتَّّبَعَ أمن لا يَهِدّى إلا أن يُهدَى فما لكم كيف تحكمون)(يونس:35)
وتظل الصلاة شامخة مرتفعة تبقى دائماً منهجاً متكاملاً يهدي به الله عباده، ولا يمكن لمفاهيم البشر أن بسبر أغوارها أو تحيط بأسرارها وينتهي العلم فيها إلى قول الحق سبحانه:
(أتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)(العنكبوت:45)

Post a Comment

Previous Post Next Post