أسرار أم الكتاب:
أنت
الآن مع ربك في لقاء ومناجاة ودعوة ورجاء، ولاشك أنك تريد أن تبدأ مناجاته بما
يناسب عظمته وجاهه وسلطانه، موقف عسير أليس كذلك ؟ فلو وقفت أمام عظيم من أهل
الدنيا تريد أن تسمعه أو تريده أن يستمع إليك، فإن كلماتك ربما تعثرت أو تبعثرت،
وربما خانتك فلم تجدها أساسا على لسانك فما بالك مع
رب الأرباب وملك الملوك مع العظيم الأعظم،
هل
تظل صامتاً ساكناً لا يتحرك لسانك ويتجمد كلامك من هيبة المقام وعظمة السلطان ؟أم
تظل حائراً تبحث عن الكلمات والعبارات، وإن وجدتها فهل يناسب المقال المقام؟
مهما
ملكت زمام اللغة وأحاط علمك بأساليب البيان-وأحسنت الصياغة وأحسنت الاختيار فلترقى
بكلماتك إلى المعبود لتحقق غاية العبادة.
هذا
كله وما هو أخفى منه قد علمه سبحانه عن عباده، علم ضعفهم علم قدرهم وأحاط سبحانه
بما لم يحيطوا به، فلن ترقى كلماتهم لتصل إلى كمال المعبود، ولهذا اقتضت حكمته
ومشيئته وعلمه أن تكون العبارات التي نتعبد بها من كلامه ومن آيات قرآنه.
إنها
رحمته سبحانه أدركت عباده فكانت أم الكتاب آيات محكمات، يناجي بها المصلي ربه،
يحمده ويمجده، ويدعوه ويرجوه ويسأله الهداية منفصلة.
الآيات
سبع من المثاني والقرآن العظيم كلمات من كلام رب العالمين، لو كان البحر مداداً
لمعانيها لنفد البحر قبل أن تنفد الكلمات.
كلمات
وآيات وصف ربنا بها نفسه، وأحاط بمدلولها ومكنونها فهي أصدق حديث وأجمل قول صاغها بعلمه ورتبها بحكمته واستودعها جوهر عبادته-وترك
للعبد أن يتعبد بها فإذا صدق في عبادته وأحاط بمدلولها ومعانيها يكون الجزاء، فليست هي كلمات جوفاء يرددها المتعبد ترديد الببغاء،أُمُّ الكتاب
آيات تتآلف وتتعانق وتتسامى وتحيط وتتسع لتصل إلى حقيقة العبادة فهي أجمل كلام
يقوله المتعبد في حضرة المعبود.
اختارها
الله سبحانه لتحيط معانيها بجلاله وكماله، ولتحيط بأبعاد عظمته وقدرته وهيمنته
وسلطانه.
ولو
أراد العبد أن يردد غيرها في مقام العبادة، لظهر ضعف العباد أمام قدر المعبود.
ولهذا
كانت أم الكتاب من الله وإلى الله أروع ما في القرآن من إيجاز وإعجاز، يقرأ المصلي
ويتصور عظمة ربه بما تحمله الآيات من معانيها الواضحة، ومن مطلق الحكمة وكمال
العلم أن تكون أم الكتاب موجزاً متكاملاً لما في القرآن كله، وبهذا عظمت أم الكتاب
وخفيت أسرارها، وثقلت موازينها عند الله سبحانه.
إذا
أراد العبد أن يحيط بمعنى آية منها فلابد أن يسترجع القرآن كله .
فإذا
بدأ بالبسملة فقد بدأت بأول آية فيها كما يقول بعض أئمة الأداء، ولكن الجمهور يقول
" الحمد لله " هو أول آيات أم الكتاب، ولهذا فقد سميت سورة الحمد
وللقارئ أن يجهر بالبسملة أو يسر بها في نفسه ولكن لابد أن يبدأ بها وألا ينسى
الاستعاذة في بداية القراءة .
وأم
الكتاب أعظم آيات القرآن قدراً ومكانة فإذا تدبرت قراءتها، صدقت في العبادة.
الحمد
لله رب العالمين
ينطق
بها اللسان ويصدقها القلب فهي قمة الرضا وقمة الثقة في عدله والرضا بقضائه الحمد لله الذي لا يحمد على
مكروه سواه .
فالمكروه
منه عدل، وصبرنا عليه نعمة منه وفضل، واحتسابنا له أجر وجزاء،يقولها الذي أنعم الله
عليه شكراً وحمداً، واعترافا ً بنعمته وتقديراً لإحسانه، ويقولها الذي ابتلاه فقدر
عليه رزقه دعاءً ورجاءً وصبراً وثباتاً فالحمد لله على كل حال.
الحمد
لله يقولها العبد الذي ابتلاه ربه فزاده من فضله ورزقه من الطيبات، ويقولها الذي
ابتلاه ربه بنقص من المال والأنفس والثمرات، فالحياة عند الله ابتلاء.
(فأما
الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن* وأما إذا ما ابتلاه فقدر
عليه رزقه فيقول ربي أهانن)(الفجر:15-61)
كلا
.. إ نهما عند الله سواء، ولكنها حكمته وعدله، أما فضله، فيصيب به من يشاء، نحمدك
الله فنحن عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك
نواصينا بيدك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك فلا يحمد على النعمة إلا أنت ولا يحمد
على المكروه سواك.
فإذا
صدقت كلمة الحمد من العبد يقول الرب سبحانه لملائكته : " حمدني عبدي".
Post a Comment