وهناك حالات تحرم فيها الواسطة، مثل:
* أن يتوسَّط الشخص لرجلٍ يعلم أنه لا يستطيع القيام بالعمل.
* أن يتوسَّط الشخص لرجلٍ مع دفع رشوة، قال النبي (ص) ( من تشفع لأخيه شفاعة ، فأهدى لـه هدية عليها فقبلها منه، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا) [1]
* أن يتوسَّط الشخص لرجلٍ مع علمه أن توظيفه أو ترقيته مخالف للنظام.
* أن يتوسَّط الشخص لرجلٍ ويترتب على الواسطة حرمان موظف من ترقية، مع أنه أكفأ ممن تُوسِّط له، أو منع موظف من حقه.
" ولا شك بأن الوساطة السيئة لها انعكاسات سيئة على العلاقة بين الموظف والوظيفة العامة مع الجمهور، وتؤدي إلى زعزعة الثقة والإخلال بالمساواة بين الناس، والتعقيد في أداء الأعمال، وعدم المبالاة بمصالح الناس، وانخفاض مستوى الكفاءة الإدارية" [2]
لذا فإن نظام مكافحة الرشوة في المملكة العربية السعودية منع استخدام الواسطة من أجل مخالفة النظام.[3]
وقد يكون المسؤول هو الذي يدفع الناس لاستخدام الواسطة، فلا يقدّم عملاً إلا بأن يأتيه الناس بواسطة، إذلالاً لهم، وامتناناً عليهم، وهذا أسلوبٌ مهين ونفسٌ فاسدة، تتمتع بالعلوّ والافتخار على حساب الضعفاء، فحقها الامتهان والازدراء، وكما تدين تدان.
بقي أن أقول: إن على الإنسان أن يستغني عن الناس قدر استطاعته، قال ( من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة ) [4]، وقال ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره، فيبيعها فيكفّ بها وجهه، خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ) [5] ، وإذا كانت هذه الأحاديث في سؤال المال، فسؤال الخدمة يشبهه بجامع الحاجة إلى الناس فيهما.
ومن اعتاد على سؤال الناس خدمتهم أدمن على ذلك، وقلّ اعتماده على الله تعالى وتوكُّله عليه، وقلّ اعتماده على نفسه وثقته بها، وأصبح يزاحم أهل الحاجات الأكثر حاجةً منه، وربما طلب شيئاً لنفسه مع أن غيره أحوج منه، بل ربما دعاه لذلك إلى التكثُّر – والعياذ بالله – وهو: سؤال الناس خدمات ليست ضرورية، وإنما الهدف منها أن يكون أكثر من غيره مكانةً، أو مالاً. وقد قال النبي (ص) ( من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقلّ أو ليستكثر) [6]
وهذه آفةٌ نفسية أراها عند بعض الناس، وهي الراحة النفسية بإحساس المرء بخدمة الناس له، حيث يحسّ أنه مخدومٌ من الناس فيشعر بالمكانة والتقدير، وهذا وهم؛ فإن المكانة تكون بالاعتماد على النفس لا بالاعتماد على الآخرين، فإن الناجحين والمبدعين هم الذين يعتمدون على أنفسهم ويقدِّمون الخدمة للآخرين لا العكس، وأيضاً: فإن الناس تحتقر من يكثر طلب الأشياء منها، ويتهمونه بالوهن والعجز، وأيضاً: فإن من يُخدَم يحتاج إلى ردّ الجميل، وربما لم يستطع فيسبب له ذلك شعوراً بالذنب.



[1] حديث حسن رواه أبوداود(3/291) عن أبي أمامة t.وسكت عنه.
[2] الغامدي والوزان / مرجع سابق.
[3] العثيمين / مرجع سابق ( 159)
[4]  روه أبوداود ( 2/121) وأحمد(5/276) عن ثوبان t بسند صحيح( الترغيب والترهيب للمنذري:1/330).
[5]  رواه البخاري ( الزكاة/ الاستعفاف عن المسألة- 1402) عن الزبير بن العوام t.
[6]  رواه مسلم ( الزكاة/ كراهة المسألة للناس- 1041) عن أبي هريرة t.

Post a Comment

Previous Post Next Post