الإيمان بالملائكة عليهم السلام
العنصر الأول: الإيمان بالملائكة ركنٌ من أركان الإيمان الستة:
قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} (البقرة: من الآية: 285)، ودليل الإيمان بالملائكة من السنة حديث جبريل عليه السلام، في تعريف الإيمان.

العنصر الثاني: الملائكة واسطة بين الله تعالى والأنبياء:
إن أهم الوظائف المنوطة بالملائكة، هو قيامهم بتبليغ الوحي إلى أنبياء الله تعالى ورسله؛ فالملائكة واسطةٌ بين الله تعالى وبين الرسل في تبليغ الوحي، وإيصال الشرائع، وأن جبريل -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- هو الملك الموكل بهذه المهمة قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ } (الشعراء: الآيتان: 193- 194). ودليل ذلك من السنة حديث عمر -رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ- المشهور بحديث جبريل.

قال ابن كثير -رَحِمَهُ اللهُ-: يرسل الله جبريل -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إلى الأنبياء لتبليغ الوحي، وقد يرسل غيره من الملائكة إلى الأنبياء -عليهم السلام- وقال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} (الحج: من الآية: 75)، ففي هذه الآية تعدد الواسطة من الملائكة والواسطة من البشر.

العنصر الثالث: بعض الملائكة واسطة بين الله تعالى وغير الأنبياء تشريفًا لهم وتكريمًا:
1/ وحي الله إلى سارة بنت هاران عم إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- : لمَّا ذَكَرَ الله تعالى قصة ملائكته، الذين أرسلهم إلى إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- ذكر في أثنائها أنهم خاطبوا زوجه سارة، وبشروها بولدها إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، وذلك في قول الله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} (هود: الآيات: 71- 73).

2/ وحي الله إلى مريم ابنة عمران: فمن ذلك قول الله -تبارك وتعالى-: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (آل عمران: الآيتين: 42- 43)، وقوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (آل عمران: الآية: 45).

3/ المَلَكُ الذي أرسله الله إلى الرجل الذي أحب أخاه في الله: فعن أبي هريرة -رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ- أن النبي -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: ((أن رجلًا زار أخًا له في قريةٍ أخرى؛ فأرصد الله له على مدرجته -أي طريقة- ملكًا فلما أتى عليه قال: أين تريد، قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تَرُبُّهَا؟  أي: تقوم بإصلاحها، قال: لا، غير أني أحببته في الله -عَزَّ وَجَلَّ- قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)) رواه مسلم.

4/ المَلَكُ الذي بعثه الله إلى الأبرص والأقرع والأعمى في بني إسرائيل لابتلائهم:
وهذا الحديث مشهور في باب الزكاة والصدقة؛ لأن الله امتحن هؤلاء الثلاث، فإنه رسب في الامتحان ثلاث، وهما الأقرع والأبرص ونجح في الامتحان واحد وهو الأعمى.

العنصر الرابع: من آثار الإيمان بالملائكة -عليهم السلام-:
1/ الشعور بقوة الخالق -جَلَّ وَعَلَا-  وعظمته، فكونه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- خلق هذه المخلوقات العجيبة الصنعة، والخارقة القوة حيث خلق ملائكته من نور، وجعلهم يسكنون سماواته، لا يُرَوْنَ عادةً بالأعين المجردة.
وقد رأى النبي -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- جبريل على صورته مرةً عند بداية البعثة في أولِ لقاءٍ بينَ النبي -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وواسطته من الملائكة جبريل -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- رآه كما قال -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: ((رأيته بأجياد سادًّا جناحيه بالأفق))، وأما المرة الثانية: فرآه عند سدرة المنتهى، كما ورد بذلك الخبر الصحيح.

2/ رحمة الله بهذا الإنسان: حيث لم يخلقه عبثًا، ولم يتركه سدًى بل خلقه لغاية سامية وهدفٍ واضحٍ، وهو عبادته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كما قال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: الآية: 56)، وأرسل إليه رسله -أي الإنسان- مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
فكانت الملائكة تنزل بالأوامر، وتُكَلَّفُ بشئون الإنسان والكون، فمنهم المكلف بالحياة ونفخ الروح في الجنين، ومنهم المكلف بالموت، ومنهم المكلف بالقطر والنبات، ومنهم المكلف بالأرزاق ومنهم المكلف بحفظ الإنسان، كما قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (الرعد: من الآية: 11)، أي: يحفظونه بأمر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وفي هذا غاية الرحمة، والرأفة فسبحانه من حكيم خبير رؤوف لطيف.
3/ حفظ الله لهذا الدين: من يقرأُ سيرةَ النبيِّ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ويتتبع الحوادث التي نزل فيها جبريل -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- بالوحي، ونزول ملك الجبال ليخيره بين أن يعفو عن كفار مكة أو يطبق عليهم الأخشبين، ونزول الملكة في وقعةِ بدرٍ الكبرى، مَنْ يتدبر ذلك كله؛ يدرك أن الله تعالى قد تكفل بحفظ هذا الدين وإكماله، وكلاءة النبي الأمين الذي يبلغه.

Post a Comment

أحدث أقدم