نقد النظرية التعاقدية
بالرغم من التطوير الذي أصاب الفكرة العقدية للوظيفة
العامة، إلا أنها لم تحصل على موافقة الفقه الذي وجه إليها سهام نقده الشديدة، مما
ترتب عليه انهيارها، وتخلى القضاء عنها. ولقد بنى الفقه نقده على عدم توافر مقومات
التعاقد من الناحية الشكلية، ومن الناحية الموضوعية.
- فمن ناحية ، تفتقد عملية التعيين العناصر الشكلية للعقد باعتباره توافق إرادتين أو أكثر حول موضوع معين.
وتوافق الإرادتين يعني أن إعلان الإدارة من أحد الجانبين
لا ينتج آثاره إلا إذا تلاقى مع إعلان الإرادة الأخرى، وهو ما لا يتوافر في
التعيين.
من الصحيح القول أن الشخص المعين يقبل قرار التعيين
ويتعذر إرغامه على القيام بمهام الوظيفة المنوطة به شغلها، غير أن ذلك لا يعني أن
ثمة تبادل أو رضاء تعاقدي، بدليل أن قرار التعيين ينتج آثاره مباشرة بمجرد إعلان
الإدارة عن إرادتها، دون انتظار لإعلان الموظف عن قبوله، فالأمر يتعلق، إذن،
بعملية إذعان، وليس تعاقداً.
- ومن الناحية الموضوعية، يخضع العقد للمبدأ الجوهري، وهو المبدأ القائل بأن العقد شريعة المتعاقدين، وهو مبدأ لا أثر له في علاقة الموظف بالإدارة العامة.
فالموظف والإدارة لا يملكان، قانوناً، الاتفاق على وضع
خاص بالأول أي بالموظف، طالما أن ذلك لم يتقرر صراحة في القوانين واللوائح .
إضافة إلى ذلك، إن المركز القانوني للموظف العام- عند
تعيينه – يكون عرضة للتغيير والتعديل أثناء حياته الوظيفية، وليس له أن يدعي بحق
مكتسب ناتج عن العقد إذا جاء التغيير مجحفاً به، وذلك أن حالة الموظف تنظمها
القوانين واللوائح بموجب قواعد عامة ومجردة، وتقبل كافة التعديلات التي يلتزم
الموظف بها.
لذلك أستقر الفقه – وأيده القضاء – على أن المركز
القانوني للموظف العام مركز تنظيمي لائحي، وليس مركزاً تعاقدي.
إرسال تعليق