بيان صفات الملائكة
الإيمان بالملائكة هو الركن
الثاني من
أركان الإيمان الستة، ومنزلته من الدين عظيمة؛ إذ لا يتمّ
إيمان امرئ إلا بإقراره بالملائكة والإيمان بهم،
وبحقيقتهم، وتصديق الخبر الوارد في شأنهم؛ لأن أركان الإيمان الستة كلّ لا يتجزأ، فمن
آمن ببعضها وردّ البعض الآخر لم يكن مؤمنًا، ولم يقبل منه حتى يؤمن بها جميعًا، ويصدّق
بها جميعًا.
:
لقد ورد في القرآن
الكريم تشبيه يوسف -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- بالملائكة في الحسن، كما
قال تعالى على لسان النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أيديهنّ: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ
وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} (يوسف:
31)، كما ورد وصف جبريل -عليه السلام- بالقوة والأمانة في أداء
الوحي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ
بِالأُفُقِ الْمُبِينِ
* وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} (التكوير:
20: 24). وقد ورد في صفة الملائكة أنهم أُلُو أجنحة مثنى وثلاث ورباع، كما قال تعالى: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ
يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ
مَا يَشَاءُ} (فاطر:
من الآية:
1). كما ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن
جبريل -عليه السلام- أن له ستمائة جناح؛ فقد أخرج السيوطي في
"الحبائك" عن أبي الشيخ -رحمهما الله تعالى- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى
الله عليه وسلم- قال: ((جبريل له ستمائة جناح من لؤلؤ قد نشرها مثل ريش الطواويس))
.
ومنها: عن ابن عباس
عن ورقة الأنصاري قال: قلت: يا محمد، كيف يأتيك الذي يأتيك؟ يعني جبريل قال: ((يأتيني من السماء
جناحاه لؤلؤ، وباطن قدميه أخضر)). ومنها
عن شريح ابن عبد الله: ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صعد
إلى السماء رأى جبريل في خلقته منظومٌ أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت. قال: فخُيّل لي أن ما بين عينيه قد سدّ الأفق، وكنت أراه قبل ذلك على
صورة مختلفة، وأكثر ما
كنت أراه على صورة دحية الكلبي، وكنت أحيانًا أراه كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال)).
ومنها: عن جابر قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن لله ملائكةً ما بين شحمة
أذن أحدهم إلى تُرْقوته مسيرة سبعمائة عامٍ بالطير السريع
الطيران)).
ومنها: عن عمار بن
أبي عمار
((أن حمزة بن عبد
المطلب قال: يا رسول الله، أرني جبريل
في صورته قال: إنك لا تستطيع أن تراه. قال: بلى. فأرنيه.
قال: فاقعد. فقعد جبريل على خشبة كانت في الكعبة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ارفع طرفك فانظر، فرفع طرفه فرأى قدميه مثل الزبرجد
الأخضر؛ فخرَّ مغشيًا
عليه)).
كما أخبر الله -عز
وجل- عن جبريل -عليه السلام- أنه جاء مريم في صورة بشريّة فقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي
الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ
أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} (مريم:
16، 17)، وفي حديث جبريل المشهور فيما جاء يعلم الصحابة معنى
الإسلام، والإيمان، والإحسان، وأشراط الساعة، ذكر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه جاء
على هيئة رجل.
التقيد
بالكتاب والسنة وفهم السلف في الكلام عن الملائكة:
فإن الكلام عن الملائكة
وحقيقتهم، وعددهم، وأسمائهم، والوظائف المنوطة بهم، والأعمال
الموكلة إليهم، كل ذلك يجب التقيّد فيه بالكتاب والسنة، وفهم سلف الأمة رحمهم
الله.
وهذا هو الإيمان بالغيب الذي
ميّز الله به المؤمنين عن الكافرين، كما قال تعالى: {الم * ذَلِكَ
الْكِتَابُ لا رَيْبَ
فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}
(البقرة: الآيات: 1-3)، ولهذا نهى الله سبحانه وتعالى عن
القول بغير علم، ولا هدى من كتاب أو سنة، كما قال
تعالى:
{وَلا
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:
الآية: 36)، وهذا التقيّد هو منهج أهل السنة والجماعة في جميع مسائل
الاعتقاد.
إرسال تعليق