انحسار وتدمير الغابة في العالم
لقد ظهرت الغابات على سطح الكرة الأرضية منذ
مئات الملايين من السنين، أي قبل ظهور أي أنواع متطورة من الحياة على الأرض، وتشكل
الغابات الاستوائية نحو نصف الغابات في العالم، وهي تتعرض اليوم لانتهاكات هائلة
تهددها بالانقراض، فهل يجوز أن تغض الأسرة الدولية الطرف عن هذا الإجرام المتعمد
برئة التنوع الحيوي في العالم بأسره؟
يشكل الاعتداء على الغابات خطراً داهماً يُقوّض
محاولات الحفاظ على البيئة في وضع متزن، إذ تتناقص الغابات في العالم سنوياً
بمعدلات كبيرة تصل سنوياً إلى حد اندثار غابات بمساحة تعادل مساحة دولة متوسطة الحجم،
كإنجلترا مثلاً. وفي إفريقيا، على سبيل المثال، تقدر استخدامات أخشاب الغابات
لغايات التدفئة والطهو والبناء إلى نحو نصف ما يُقطع من أشجار، وتشير بعض
الإحصاءَات إلى أن الأفارقة يستهلكون أكثر من 70% من حاجتهم للطاقة اعتماداً على
الأشجار والأعشاب.
أما منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO فتشير إحصائياتها إلى
أن دولاً مثل إثيوبيا وهايتي يصل مصدر اعتمادها على الأشجار والمخلفات العضوية إلى
نحو 90% من حاجتها الكلية للطاقة، فيما يتم حرق الأخشاب في مواقد تقليدية ذات
كفاءَة لا تزيد عن 15% فقط من الطاقة المحترقة(18).
وفي ظل ارتفاع أسعار مشتقات النفط الجنوني
هذا العام نتطلع بترقب وخوف من فصل الشتاء القادم حيث ينبغي التحضير منذ الآن
لتكثيف المراقبة على الغابات لحمايتها من الاندثار، كما ينبغي إبداع
بدائل للمواطنين، كدعم الجفت من بقايا بذور زيت الزيتون أو تطوير مصادر للطاقة
للأسر الفقيرة كالمدافئ التي تعمل على الطاقة الشمسية وتوفير الطباخ الشمسي الذي
يقلل من استهلاك الحطب للطبخ، بل ينبغي إطلاق مبادرة جائزة وطنية لمن يبدع حلاً
معقولاً لإيجاد مصادر طاقة بديلة ونظيفة بأسعار مقبولة، ولمن يزيد من كفاءَة وسائل
التدفئة التقليدية كمدافئ الغاز والكاز وغيرها.
ويشكل الاعتداء على الغابات خطراً جديداً على
البيئة، إذ يتضح من الجدولين الآتيين مدى انحسار الغابات في العالم، فقد انحسرت
مساحة الغابات في المناطق الاستوائية خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين بنسبة
تتراوح بين 2.2 – 4.5%، فيما بلغ معدل انحسار مساحة الغابات في العالم بمجمله 1.9%
خلال عقد واحد، فماذا سيحدث للعالم إذا استمر هذا التدمير للغابات لعدة عقود
قادمة؟
نسبة تغير مساحة الغابات في المناطق
الاستوائية من العالم
من عام 1981 لغاية 1990(19)
المنطقة
|
نسبة التغير من عام 1981 - لغاية 1990
|
إفريقيا
|
2.2 ــ
|
آسيا ودول المحيط الهادئ
|
4.3 ــ
|
أمريكا اللاتينية والكاريبة
|
4.5 ــ
|
العالم
|
1.9 ــ
|
ويلاحظ من
الجدول الأخير تسارع انحسار الغابات في العالم في دول أمريكا اللاتينية ومنطقة بحر
الكاريبة بنسبة مرتفعة، مقارنة بإفريقيا مثلاً، ولكن إذا نظرنا إلى الجدول اللاحق
الذي يبين نسب انحسار الغابات في المناطق المعتدلة فإننا نجد أرقاماً مذهلة،
وبخاصة فيما يتعلق بإفريقيا، وكما هو آت:
نسبة تغير مساحة الغابات في المناطق المعتدلة
من العالم
من عام 1981 لغاية 1990(20)
المنطقة
|
نسبة التغير من عام 1981 - لغاية 1990
|
إفريقيا
|
7.2 ــ
|
آسيا ودول المحيط الهادئ
|
5.3 +
|
أمريكا اللاتينية
|
5.3 ــ
|
أمريكا الشمالية وأوروبا
|
0.0
|
العالم
|
1.9 ــ
|
ويلاحظ في الجدول الثاني أن الوضع في مناطق
إفريقيا المعتدلة حرارياً قد ساء إلى درجة عالية، حيث بلغت نسبة فقدان الغابات
7.2%، وهذا مؤشر خطير إنما يعكس الأوضاع الاقتصادية المتردية في تلك البلدان
وتدميرها المنظم للغابات لاستخدامها كمصدر للطاقة. وهذا يستدعي النظر جدياً في
شروع العالم المتقدم بمد يد العون ونقل التكنولوجيا الحديثة لتزويد تلك المناطق
بمصادر الطاقة المتجددة، كأشعة الشمس التي تتوافر بشدة عالية في تلك المناطق،
وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة، كالطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة
الحرارية الجوفية.
كما يلاحظ في الجدول الأخير أن منطقة آسيا والدول
المطلة على المحيط الهادئ (الباسيفيك) من جهة قارة آسيا قد زادت من نسبة مساحة
الغابات في المناطق المعتدلة، ويعود ذلك إلى الزراعة المكثفة للأشجار التي تنتهجها
الصين على وجه الخصوص، وهي تجربة حبذا لو تعلمنا منها، لأن الصين بلد كبير وفيه من
التنوع المناخي ما يجعل تجربته قابلة للتطبيق العملي في بلادنا.
من الدول الغنية بالغابات روسيا والبرازيل
وأمريكا الشمالية والصين واندونيسيا وغيرها. وفي حين تتعرض بعض الغابات للتدمير
والاستغلال الجائر كالبرازيل وبعض دول أمريكا الجنوبية والأسيوية والإفريقية، تقوم
بعض الدول بزيادة الرقعة المزروعة بالأشجار كروسيا والصين وأوروبا عموماً.
أما دول أمريكا اللاتينية فإنها تفقد غاباتها
بوتيرة متسارعة، سواء في المناطق الاستوائية أو المناطق المعتدلة من أراضيها، وذلك
بسبب تدني مستوى الدخل فيها والتوسع في إنتاج المزروعات ومزارع الأبقار على حساب
الغابات، وبخاصة التوسع الزراعي من أجل إنتاج الوقود العضوي الذي ساهم مساهمة
فاعلة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية التي سعى العالم إلى مناقشتها في
قمة روما الأخيرة، تموز 2008.
Post a Comment