استغلال الوظيفة لغير مصلحتها
الوظيفة تعطي الموظف والمسؤول مكانةً مرموقة، من العلاقات الاجتماعية، والميزات الوظيفية، مما يغريه باستغلالها لمصلحته الشخصية، فإذا لم يتق الله تعالى ويراقبه، فإنه سيقع في كثيرٍ من المخالفات الشرعية والنظامية .
لذا يجب الفصل بين الوظيفة والعلاقات الشخصية - بقدر المستطاع - بحيث لا تؤثر إحداهما على الأخرى، فكما أن بعض المسؤولين يسخِّر الوظيفة لعلاقاته الشخصية، فإن بعضهم يفقد علاقاته الشخصية بسبب الوظيفة.
" وهذا النمط من السلوك المدان ينطلق من دوافع قبلية أو عنصرية أو إقليمية أو طائفية تقوم على التمييز بين المواطنين أو بين المناطق أو بين شرائح المجتمع وفئاته لاعتبارات عرقية أو عقائدية أو طبقية، تؤدي في النهاية إلى تفريق الصفوف وشق الوحدة الوطنية وغرس العداء والحقد في النفوس، وتأليب المواطنين بعضهم على بعض، وإضعاف ثقتهم بنزاهة الإدارة وعدالتها. 
وهذا النمط من السلوك الإداري يعد انحرافاً بالجهاز الإداري عن أهدافه المتمثلة في خدمة المواطنين، وهو خروج على المبادئ القانونية التي تعمل على المساواة والعدالة بين المواطنين، وهو إضعاف للقيم المؤسسية والوظيفية المؤكدة على الحياد والموضوعية والدقة في اتخاذ القرارات والمواقف. 
إن مناصرة جهة واستعداء أخرى يولد ردود فعل غاضبة ومنفعلة بين موظفي الإدارة والمتعاملين معها، وهذه بدورها تولد أنماطاً فاسدة مماثلة ومعاكسة تضعف الانتماء للمنظمات وللوطن. وتشعر الفئات المحرومة أو الآليات المضطهدة بالغربة والإحباط وكثيراً ما تدفع شريحة من العلماء والخبراء إلى الهجرة الخارجية، أو الانسحاب من الوظيفة العامة في وقت مبكر، واللجوء لمثل هذه الممارسات المدانة غالباً ما يرجع إلى شعور صاحبه بالضعف وعدم الثقة بالنفس، فيلجأ إلى حماية ذاته بالانتماء إلى العشيرة أو المدينة أو الطائفة أو الطبقة أو الفئة التي تسنده وفقاً لمقولة (أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب). 
وينبغي ألا يفهم من طرحنا هذا أننا ندعو إلى التمرد على العشيرة أو الطائفة أو نحرض على تفكيك التنظيمات الأسرية والقبلية وغيرها, ولكن الذي ندعو لـه هو ألا نزجّ بهذه العلاقات والانتماءات عند تعاملنا مع المؤسسات والهيئات الحكومية، وأن نساوي بين جميع المواطنين دون تمييز أو محاباة بسبب الدين أو القومية أو القبلية أو المذهب." [1]
وهذه النزاهة هي مصدر احترام الموظفين للمسؤول، فحيثما وجدت وجد الاحترام، وحيثما فقدت فقد الاحترام، ومن هنا قال رجل لعمر بن الخطاب t: عففت فعفَّت رعيَّتك ، ولو رتعت لرتعوا.
والمحاباة والانحياز لقرابة ونحوهايترتب عليه الظلم وانتشار الأحقاد والضغائن بين أفراد المجتمع ، وقد روى الحاكم [2] عن ابن عباس t عن النبي e قوله ( من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ) ، وروي كذلك عن أبي بكر t عن النبي e  قوله ( من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمَّر عليهم أحداً محاباة ، فعليه لعنة الله ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ، حتى يدخله جهنم ) [3]
واستغلال الوظيفة للمصالح الخاصة يعدّ من الخيانة، وقد تقدم في خلق الأمانة تفصيل ما يتعلق بجوانب الأمانة.


[1] نقلاً عن : الغامدي والوزان / مرجع سابق.
[2] (4/104) وصححه.
[3] رواه أحمد(1/6) والحاكم (4/104)وصححه.

Post a Comment

Previous Post Next Post