تعذر التفرقة بين الحكومة والإدارة من الناحية الموضوعية .
(أ) 
  • تعددت الصياغات التي قيل بها للتفرقة بين الوظيفة الإدارية والوظيفة الحكومية إلا أنها فشلت، جميعها في التمييز بين هاتين الوظيفتين.
  • قيل مثلاً، بأن الوظيفة الحكومية هي التي تتعلق بأمهات أمور الدولة والمسائل بالغة الخطورة التي تؤثر في مستقبل المجتمع وأوضاعه السياسية والاقتصادية ( الحرب ، والانضمام إلى حلف عسكري، ووضع الخطط الاقتصادية) أما الإدارة فمهمتها تكمن في القيام بالإجراءات الكفيلة بإشباع حاجات الدولة (توزيع البريد اليومي ، قيام رجل الشرطة بواجبه في المنطقة المخصصة له لحراستها)... إن هذه التفرقة لا تتميز بالوضوح والانضباط حيث أن هناك أموراً قد لا تقع تحت حصر أي يمكن في ظروف معينة اعتبارها وثيقة الصلة بالسياسة العليا في الدولة، وبالتالي إدخالها في الوظيفة الحكومية وفي حين أخرى تندرج في الوظيفة الإدارية (مثلاً تسيير المواصلات والإشراف على مرفق النقل يعتبر مسالة إدارية عادية ولكن لو قامت الدولة بمد خطوط سكك حديدية إلى منطقة صحراوية وتوجد على حدودها مع دولة أخرى بهدف أعمار هذه المنطقة وحتى لا تظل فراغاً يسهل احتلاله في حالة حدوث حرب.
  • وعلى هذا الأساس السابق لا يصلح هذا المعيار لرسم الحدود الفاصلة بين ما يعد وظيفة حكومية وما يندرج تحت الوظيفة الإدارية.
(ب)
  • قيل أيضاً في محاولة أخرى لتمييز الوظيفة الإدارية عن الوظيفة الحكومية أن الوظيفة الحكومية تتسم بكونها غير مشروطة في إصدار القرار، أي أنها سلطة حرة قانوناً تظهر بكل قوتها واستقلالها غير المقيد... أما الوظيفة الإدارية ذات سلطة مقيدة حيث أن مداها في التصرف مقيد بواسطة قرارات تصدر من سلطة أعلى.
هذا المعيار أيضاً لا يصلح للتفرقة بين الوظيفة الإدارية والوظيفة الحكومية لأن حتى الوظيفة الحكومية تخضع لقيد أساسي هو احترام سيادة القانون، وما تقرير الرقابة على دستورية القوانين سوى أقوى شاهد على تقييد وظيفة الحكم أو الحكومة.
(ج)
  • وقيل كذلك للتمييز الوظيفة الحكومية عن الوظيفة الإدارية إن الوظيفة الإدارية ذات صبغة فنية تتطلب في شاغلها قدراً كبيراً من التخصص، بعكس الوظيفة الحكومية التي لا تتطلب تخصصاً دقيقاً، إلا أن التفرقة بين ما هو متخصص، وما ليس متخصصاً كذلك تفرقة صعبة، وحدودها غير واضحة.
(د)
  • وقيل أيضاً للتفرقة بين الوظيفة الإدارية والوظيفة الحكومية إن الوظيفة الإدارية تضمن لشاغلها الاستقرار في شغلها، باعتبار أن الوظيفة العامة مهنة تكفل لشاغلها نوعاً من الطمأنينة النسبية للمستقبل مما يفسر ما يكفل للموظفين من ضمانات.
أما الوظيفة الحكومية، فهي لا تضمن لشاغليها هذا الاستقرار الذي يتمتع به رجال الإدارة العامة فهم يأتون عادةً بالانتخاب، ويخضعون في بقائهم في مناصبهم إلى إعادة انتخابهم. ولهذا تم انتقاد هذا الرأي بملحوظتين:
-        الملحوظة الأولى: أن الوظيفة الحكومية ليست قابلة للانقطاع أو ذات طابع مؤقت، فالملك مثلاً يشغل وظيفة رئيس الدولة منذ توليه العرش وحتى وفاته إلا إذا تمت إعاقته عن ممارسة عمله بعوامل صحية أياً كانت .. بل إنه في غير النظام المكي يلاحظ ذلك أن رئيس الدولة المنتخب من قبل الشعب يبقى في وظيفته عشرات السنين ونفس الملحوظة تصدق على الكثيرين من شاغلي المناصب الوزارية
-        الملحوظة الثانية : ليس صحيحاً أو ليس من الصحيح القول بأن الوظيفة الإدارية تضمن بالضرورة لشاغلها الاستقرار والاستمرار، فوظائف الإدارة العليا يتغير شاغلوها بتغير أشخاص الحكام، إضافة إلى أن بعض الدول تعمل في هذا الشأن مبدأ الغنائم للمنتصر، ويكون ذلك حين تكون الوظائف الإدارية تكون مكافأة للحزب الفائز في الانتخابات حيث يحل فيها أنصاره ومعاونيه محل أنصار ومعاوني الحزب المنافس ومن هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية.
  • يتضح لنا أنه لا يمكن الفصل الموضوعي بين ما هو إدارة وبين ما هو حكومة، وبالتالي يتعذر الفصل بين القانون الدستوري باعتباره قانون الحكومة والقانون الإداري باعتباره قانون الإدارة العامة.
كما أن الفصل التام والمطلق بين القانون الدستوري والقانون الإداري متعذر لسبب أخر، هو التأثير القوي الذي يباشره القانون الدستوري على القانون الإداري.

Post a Comment

أحدث أقدم