الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلا
العنصر الأول: المراد بالإيمان بالملائكة جملة:
فنؤمن بالملائكة في الجملة، ونعتقد جازمين أن الله سبحانه وتعالى خلق خلقًا من نور يسمون الملائكة، مسخرون للطاعة، ومستغرقون في العبادة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأن هذه الملائكة أصناف عديدة لا يعلم كنه حقيقتها، ولا عدد طوائفها إلا خالقها -جلّ وعلا- وأن هذه الملائكة موكّلة بأعمال كثيرة؛ فمنها من وُكّل بالمطر، ومنها وُكّل بالأرزاق، ومنها من وُكّل بالنبات، ومنها من وُكّل بحركة الشمس، ومنها من وُكّل بحركة القمر والأفلاك.
ومنها الموكلون ببني آدم، ومنها ملائكة الجنة، وخزنة جهنم -أعاذنا الله وإياكم منها- ومنها حملة العرش، ومنها الملك الموكل بالوحي إلى الأنبياء والرسل، ومنها ملك الموت؛ فنؤمن بهذه الملائكة في الجملة، وأن الملائكة لهم حقيقة، ولهم أجسام نورانية، قادرون على التشكل بالقدرة الإلهية، إن كل حركة في هذا العالم وراءها ملائكة موكلة بذلك.

وروى الإمام مسلم والإمام أحمد -رحمهما الله تعالى- عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما منكم من أحد إلا وقد وُكّل به قرينه من الجنّ، وقرينة من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، لكن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير)). وقوله صلى الله عليه وسلم ((فأسلم)) وجّهها أهل العلم بالحديث أنها إما أن تكون من أسلم -أي: الجني- فصار من المسلمين، أو فأسلم، أي أسلم أنا من أذاه.

ونؤمن كذلك بملك الموت المُوَكّل بقبض أرواح العالمين قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السجدة: الآية: 11) ولم يصرح القرآن باسمه، ولا الأحاديث الصحيحة، وجاء في بعض الآثار تسميته بعزرائيل، ونؤمن بحملة العرش الذين أخبر عنهم القرآن فقال سبحانه: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (الحاقة: من الآية: 17)، ومنهم إسرافيل الذين ينفخ في الصور، ونؤمن كذلك بالملائكة الموكلين بالنار -أعاذنا الله منها- وهم الزبانية، ومقدموهم تسعة عشر قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنْ الْعَذَابِ} (غافر: الآية: 49)، وقال تعالى: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: من الآية: 6)، وقال أيضًا: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً} (المدثر: من الآيتين: 30- 31)، ونؤمن أيضًا بالملائكة الموكلين بالجنان الذين يهيّئون الضيافة لساكنيها من ملابس، ومآكل، ومشارب، ومصانع، وغير ذلك ممّا لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، جعلنا الله وإياكم من أهلها المتنعمين بهذه النعم فيها". انتهى كلامه، رحمه الله.

العنصر الثاني: المراد الإيمان بالملائكة على التفصيل:
أما الإيمان بالملائكة على جهة التفصيل فنقصد به أنه يجب على المسلم الإيمان بوجود الملائكة، الذين ورد ذكرهم في الكتاب العزيز، أو في سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بالتفصيل الذي ورد عنهم؛ فيؤمن بأن المادة التي خُلقوا منها هي النور، وأنهم عباد مكرمون، طائعون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأنهم مقربون؛ فمنهم حملة العرش، ومنهم الحافون به، ومنهم الملك الموكل بالوحي، وهو جبريل -عليه السلام- وهو أفضلهم وأشرفهم، ومنهم ملك الجبال والذي يسوق السحاب وصاحب النبات وصاحب الأرزاق، والحفظة لبني آدم، وملائكة الجنة، وخزنة النار أعاذنا الله منها، والملكان الموكلان بسؤال الميت في قبره، إلى غير ذلك من أخلاق الملائكة، يجب الإيمان بهم جميعًا على التفصيل الوارد عنهم، ومعرفة أسماء من ذكر اسمه منهم، فالذي ورد لنا من أسماء الملائكة جبريل، وميكائيل، وإسرافيل. وأما ملك الموت فلم يثبت في القرآن ولا في السنة الصحيحة تسميته، وهاروت، وماروت، ومنكر ونكير، ورضوان، ومالك -عليهم السلام جميعًا-.

 ويجب معرفة أصنافهم ووظائفهم؛ فقد جاء في النصوص الشرعية أن الملائكة أصناف، كما ثبت أن لكل منهم وظائف، وأعمال؛ فوظيفة الملائكة الأولى التي تقوم بها في الجملة، تسبيح الله تعالى، والتعبد له ليلًا ونهارًا من غير ملل، ولا فتور، وهناك أعمال ووظائف، وُكّل الله بالقيام بها أنواع مخصوصة من الملائكة؛ فمنهم جبريل -عليه السلام- الأمين على وحي الله، نرسله به إلى الأنبياء والرسل، كما وكله بالهلكات إذا أراد الله أن يهلك قومًا، كما حصل في قصة قوم لوط، فإنه رفع بقوته التي أقدره الله عليها. ورد في التفسير أنه رفع القرية على جناحيه حتى سمعت الملائكة صياح ديكة القرية، ثم جعل عاليها سافلها حتى لاقوا العذاب الأليم، والعياذ بالله.
كما وكله بالنصر عند القتال، كما صرّح بذلك الإمام السيوطي -رحمه الله- في (الحبائك في أخبار الملائك)، ومنهم ميكائيل، ميكال -عليه السلام- الموكل بالمطر، ونبات الأرض، وأرزاق العباد، ومنهم إسرافيل -عليه السلام- الموكل بالنفخ في الصور. ومنهم ملك الموت الموكل بقبض الأرواح، وله أعوان من الملائكة، ومنهم الملائكة الموكلون بنفخ الأرواح في الأجنة، وكتابة أعمالهم مستقبلًا، وآجالها، وأرزاقها، وسعادتها، أو شقاوتها. ومنهم الملائكة الموكلون بحفظ بني آدم بأمر الله، وآخرون يحصون أعمالهم ويكتبونها. ومنهم الملكان الموكلان بسؤال الميت إذا وضع في قبره، ومنهم خزنة الجنة الذين يسلمون على أهلها، ومنهم خزنة جهنم المكلفون بها وغير ذلك.

Post a Comment

Previous Post Next Post