قرار المجمع الفقهي الإسلامي في ، في رجب 1419 هـ ، (يجوز
استخدام أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله ؛ في حقل الزراعة وتربية الحيوان ،
شريطة الأخذ بكل الاحتياطات لمنع حدوث أي ضرر ، ولو على المدى البعيد بالإنسان ،
أو الحيوان ، أو البيئة )
وهذا يتضمن جواز التعديل الوراثي في
الحيوان والنبات في ظل تحقيق المصالح ودرأ المفاسد والموازنة بينهما .
ودلائل
الجواز كثيرة من أبرزها :
الأول : أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد
. وتقليلها بحسب الإمكان
وقد تقدم أن التعديل الوراثي على وجه
العموم حقق فوائد عديدة في مجالات متعددة طبية علاجية ووقائية وتحسينية ، وكذلك
كان له إسهام كبير في توفير الأطعمة وتوسيع مواردها وتجويدها ، وكذلك في إنتاج
أغذية ذات قيمة غذائية عالية .
فإن قيل : إن
هذه المنافع والمصالح مقابلة بأضدادها من المفاسد والمضار .
فيقال في
الجواب : إن هذه المفاسد لا تستند إلى حقائق وبينات علمية إنما غايتها مخاوف
وهواجس ، ثم لو سلمنا أنها حقيقة فإننا بحاجة إلى موازنة بين المصالح والمفاسد فلا
يفضي وجود مفسدة منغمرة في المصالح إلى التحريم والمنع ، أو يقال : يمنع منه ما
كان ذا مفسدة راجحة ومضرة غالبة .
الثاني : أن الله تعالى سخر الحيوان والنبات وما في الأرض من
المخلوقات ، فقال الله تعالى :
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
، وقال سبحانه في البدن :
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا
وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا
اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ
. فهاتان الآيتان ونظائرهما اللاتي تخبر
بتسخير الله تعالى للحيوان أو النبات ونظائرها تدل على أن الأصل في جميع أوجه
الانتفاع من هذه الحيوانات والنباتات هو الحل . وقد نص العلماء على جواز أن يفعل
في الحيوان كل ما فيه مصلحة لبني آدم وإن كان قد يحصل فيه نوع تعذيب له كخصاء
البهائم لتطييب اللحم ووسم الدواب لتمييز الملك ، وغير ذلك 
الثالث : أن التعديل الوراثي للأطعمة غرضه ومقصوده تكثير الإنتاج
وتحسينه ، وطلب تكثير الأطعمة وتجويدها لا محظور فيه شرعًا ، وقد طلب
الصحابة من
النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لهم بالبركة في طعامهم لما قلّ طعامهم ، ففي
الصحيحين عن سلمة - رضي الله عنه
- قال :
خفت أزواد القوم وأملقوا فأتوا النبي - صلى
الله عليه وسلم - في نحر إبلهم ، فأذن لهم ، فلقيهم عمر فأخبروه ، فقال : ما
بقاؤكم بعد إبلكم ؟! فدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ،
ما بقاؤهم بعد إبلهم ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نادِ في الناس ،
فيأتون بفضل أزوادهم ، فبسط لذلك نطع وجعلوه على النطع ، فقام رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فدعا وبرك عليه ، ثم دعاهم بأوعيتهم . فاحتثى الناس حتى فرغوا ، ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله
.
بل أمر بما
هو سبب لتكثير الطعام ، ففي جامع الترمذي من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
البركة تنزل وسط الطعام ، فكلوا من حافتيه ،
ولا تأكلوا من وسطه
. فلما جاز الدعاء بتكثير الأطعمة ،
وأمر بتجنب الأكل من وسط الصحفة ؛ لئلا ترتفع البركة ، وهذا سبب من الأسباب
التي تُدرك بها المطالب . وقد جعل
الله لتكثير الطعام أسبابًا تعود إلى عمل الإنسان ، قال الله تعالى :
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا
فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
. وجاء في السنة ما يوضح أثر البركة على
حجم الثمار ووفرة نتاج الحيوان ، ففي صحيح مسلم (5228) من حديث النواس بن سمعان ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم :
ومما يرجع
القول بجواز إجراء عمليات التعديل الوراثي في مجال الأطعمة الحيوانية والنباتية أن
منافع هذه التقنية وفوائدها متحققة ملموسة من حيث زيادة القدرة الإنتاجية
للحيوانات والنباتات التي خضعت لتطبيقات التعديل الوراثي ومن جهة تحسينها للمنتجات
وكذلك وقايتها من الآفات ، بل والعمل على رفع قيمتها الغذائية ، أما المضار
والمفاسد فما تحقق منها إنما هو نزر يسير لا يقاوم تلك المصالح الكبرى لهذه
التقنية ، هذا فضلاً عن أن غالب ما يثار من قبل المعارضين لعمليات التعديل الوراثي
في الأطعمة الحيوانية والنباتية إنما هو مخاوف لا ترقى إلى درجة الظن الغالب ،
ولعل في الضوابط ما يدرأ القول بالتحريم فتدرك المصالح وتتوقى المفاسد .
الأمر الثاني : ضوابط عمليات التعديل الوراثي الأطعمة الحيوانية
والنباتية .
أثارت عمليات
التعديل الوراثي في الأطعمة الحيوانية والنباتية خلافًا
إرسال تعليق