إشاعة روح التفاؤل: فإن ذلك مما يبعث الهمة، ويدعو إلى اطراح الخور والكسل، ويقود إلى الإقبال على الجد والعمل؛ فلنثق بالله _ عز وجل _ ونصره وتأييده، ولنحذر من كثرة التلاوم، وإلقاء التبعات على الآخرين، ولنحذر من القنوط واليأس، والتشاؤم؛ فالإسلام لا يرضى هذا المسلك بل يحذر منه أشد التحذير.
ثم لنثق بأن في طي هذه المحن منحاً عظيمة.
كم نعمة لا تستقل بشكرها



لله في طي المكاره كامنة




ولو لم يأت من ذلك إلا أن الأمة تصحو من رقدتها، وتعود إلى ربها ودينها.
ولو لم يأت من ذلك إلا أن هذا الجيل الجديد بدأ يعرف أعداءه، ويطرق سمعه مسائل الولاء والبراء، ويدرك ما يحاك حوله من مؤامرات، ويشعر بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
ولو لم يأت من ذلك إلا أن المسلمين _ صاروا يشعرون بروح الجسد الواحد، ويتعاطفون مع إخوانهم في كل مكان، ويحرصون على تتبع أخبارهم، وتقديم المستطاع لهم، كل ذلك مع ما يواجهونه من التضليل الإعلامي، وما يحارَبون به من سيل الشهوات العارم.
أين حال المسلمين الآن من حالهم قبل تسعين سنة؟ أين هم لما سيطر الشيوعيون على روسيا، وانقلبوا على الحكم القيصري؟ ماذا فعل زعماء الشيوعية؟ يكفي أن نمثل بواحد منهم فحسب، إنه المجرم ستالين الذي قتل إبان فترة حكمه ثلاثين مليوناً من البشر، جُلُّهم من المسلمين.
إن أكثر المسلمين في ذلك الوقت لم يكونوا ليعلموا عن إخوانهم آنذاك شيئاً، بل إن كثيراً منهم لم يعلموا أن الجمهوريات الإسلامية التي استولى عليها الشيوعيون _كانت بلاداً إسلامية إلا بعد أن انهارت الشيوعية قريباً.
أما الآن فإن المسلمين على درجة من الوعي والإدراك، والسعي في مصالح إخوانهم، والمؤمل أكثر من ذلك، وإنما المقصود أن يُبَيَّن أن الخير موجود، وأنه يحتاج إلى مزيد.
وبالجملة فإن التفاؤل دأب المؤمن، وهو سبيل التأسي بالنبي"خصوصاً في وقت اشتداد المحن؛ وليس أدل على ذلك مما كان في غزوة الأحزاب بالمدينة، وبلغت القلوب الحناجر، ومع ذلك كان _عليه الصلاة والسلام_ يبشر أصحابه بمفاتيح الشام، وفارس، واليمن([1]).
وإذا تُحدث عن الفأل، والحث على نشره _ فإن ذلك لا يعني القعود، والخمود، والهمود؛ كحال من يؤملون الآمال العراض، ويفرطون في الأماني بحجة أن ذلك من الفأل، وهم كسالى قاعدون، لا يتقدمون خطوة، ولا ينهضون من كبوة.
لا ليس الأمر كذلك؛ بل إن الفأل المجدي هو ذلك الذي يحرك صاحبه، ويبعثه على الجد، ويشعره بالنجح، ويقوده إلى إحسان الظن، ويبشر بحسن العواقب.


[1]-انظر مسند الإمام أحمد 4/203، وسنن النسائي الكبرى (8858).

Post a Comment

أحدث أقدم