أهداف القضاء

تتلخص الأهداف بما جاء في خطاب الإمام عمر إلى أبي موسى
وقال أبو عبيدٍ: ثنا كثير بن هشامٍ عن جعفر بن برقان، وقال أبو نعيمٍ: عن جعفر بن برقان عن معمرٍ البصريّ عن أبي العوّام، وقال سفيان بن عيينة: ثنا إدريس أبو عبد اللّه بن إدريس قال: أتيت سعيد بن أبي بردة فسألته عن رسل عمر بن الخطّاب الّتي كان يكتب بها إلى أبي موسى الأشعريّ، وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة، فأخرج إليه كتبًا، فرأيت في كتابٍ منها، رجعنا إلى حديث أبي العوّام، قال: كتب عمر إلى أبي موسى (أمّا بعد، فإنّ القضاء فريضةٌ محكمةٌ، وسنّةٌ متّبعةٌ، فافهم إذا أدلى إليك؛ فإنّه لا ينفع تكلّمٌ بحقٍّ لا نفاذ له، آس النّاس في مجلسك وفي وجهك وقضائك، حتّى لا يطمع شريفٌ في حيفك، ولا ييأس ضعيفٌ من عدلك، البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر، والصّلح جائزٌ بين المسلمين، إلّا صلحًا أحلّ حرامًا أو حرّم حلالًا، ومن ادّعى حقًّا غائبًا أو بيّنةً فاضرب له أمدًا ينتهي إليه، فإن بيّنه أعطيته بحقّه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضيّة، فإنّ ذلك هو أبلغ في العذر وأجلى للعماء، ولا يمنعنّك قضاءٌ قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحقّ، فإنّ الحقّ قديمٌ لا يبطله شيءٌ، ومراجعة الحقّ خيرٌ من التّمادي في الباطل، والمسلمون عدولٌ بعضهم على بعضٍ، إلّا مجرّبًا عليه شهادة زورٍ، أو مجلودًا في حدٍّ، أو ظنينًا في ولاءٍ أو قرابةٍ؛ فإنّ اللّه تعالى تولّى من العباد السّرائر، وستر عليهم الحدود إلّا بالبيّنات والأيمان، ثمّ الفهم الفهم فيما أدلى إليك ممّا ورد عليك ممّا ليس في قرآنٍ ولا سنّةٍ، ثمّ قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال، ثمّ اعمد فيما ترى إلى أحبّها إلى اللّه وأشبهها بالحقّ، وإيّاك والغضب والقلق والضّجر والتّأذّي بالنّاس والتّنكّر عند الخصومة، أو الخصوم، شكّ أبو عبيدٍ؛ فإنّ القضاء في مواطن الحقّ ممّا يوجب اللّه به الأجر، ويحسن به الذّكر، فمن خلصت نيّته في الحقّ ولو على نفسه كفاه اللّه ما بينه وبين النّاس ، ومن تزّيّن بما ليس في نفسه شانه اللّه، فإنّ اللّه تعالى لا يقبل من العباد إلّا ما كان خالصًا، فما ظنّك بثوابٍ عند اللّه في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسّلام عليك ورحمة اللّه " قال أبو عبيدٍ: فقلت لكثيرٍ: هل أسنده جعفرٌ؟ قال: لا.
وهذا كتابٌ جليلٌ تلقّاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشّهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيءٍ إليه وإلى تأمّله والتّفقّه فيه.([1])


([1]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، الإمام ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت ــ لبنان، الطبعة الأولى، 2003م: ج1/69-70.

Post a Comment

Previous Post Next Post