فى أنَّ لتأثير الرُّقَى بالفاتحة وغيرها سراً بديعاً فى علاج ذواتِ السُّموم
وفى تأثير الرُّقَى بالفاتحة وغيرها فى علاج ذواتِ السُّموم سِرٌ بديع ، فإنَّ ذواتِ السموم أثَّرت بكيفيات نفوسِها الخبيثة ، كما تقدَّم ، وسِلاحهاحُماتها التى تلدَغُ بها ، وهى لا تلدغ حتى تغضَب ، فإذا غضبت ، ثار فيها السُّمُّ ، فتقذفه بآلتها ، وقد جعل اللهُ سبحانه لكل داءٍ دواءً ، ولكل شىءٍ ضِداً ، ونفس الراقى تفعلُ فى نفس المرقى ، فيقعُ بين نفسيهما فعلٌ وانفعالٌ ، كما يقع بين الداء والدواء ، فتقوى نفسُ الراقى وقُوَّته بالرُّقية على ذلك الداء ، فيدفعُه بإذناللهِ ، ومدارُ تأثير الأدوية والأدواء على الفعل والانفعال ، وهو كما يقع بين الداء والدواء الطبيعيين ، يقع بين الداء والدواء الروحانيين ، والروحانى ، والطبيعى ، وفى النَّفْث والتَّفل استعانة بتلك الرطوبة والهواء ، والنفس المباشرللرُّقية ، والذِكْر والدعاء ، فإنَّ الرُّقية تخرُج مِن قلب الراقى وفمه ، فإذا صاحبها شىءٌ من أجزاء باطنه من الرِّيق والهواء والنَّفَس ، كانت أتمَّ تأثيراً ، وأقوى فعلاً ونفوذاً ، ويحصُل بالازدواج بينهما كيفيةٌ مؤثرة شبيهةٌ بالكيفيةالحادثة عند تركيب الأدوية .
وبالجملة .. فنفْسُ الراقى تُقابل تلك النفوس الخبيثة ، وتزيدُ بكيفية نفسه ، وتستعين بالرُّقية وبالنفثِ على إزالة ذلك الأثر ، وكلَّما كانتكيفيةُ نَفَس الراقى أقوى ، كانت الرُّقيةُ أتمَّ ، واستعانتُهُ بنفْثه كاستعانة تلك النفوسِ الرديئة بلسعها .
وفى النفث سِرٌ آخر ، فإنه مما تستعين به الأرواح الطيبة والخبيثة ، ولهذا تفعلُه السَّّحَرةُ كما يفعلَهُ أهلُ الإيمان . قال تعالى : {وَمِن شَرِّالنَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ}، وذلك لأن النفْس تتكيَّفُ بكيفية الغضب والمحاربة ، وتُرسِلُ أنفاسَها سِهاماً لها ، وتمدُّها بالنفْث والتفْل الذى معه شىء مِن الرِّيق مصاحب لكيفية مؤثرة ، والسواحِرُ تستعين بالنفث استعانةً بيِّنةً ، وإن لمتتصل بجسم المسحور ، بل تنفثُ على العُقدة وتعقِدها ، وتتكلم بالسِّحْر ، فيعمل ذلك فى المسحور بتوسط الأرواح السُّفلية الخبيثة ، فتقابِلُها الرَّوح الزكية الطيبة بكيفية الدفع والتكلم بالرُّقية ، وتستعينُ بالنفث ، فأيُّهُما قَوِىَ كان الحكمُ له ، ومقابلةُ الأرواح بعضها لبعض ، ومحاربتُها وآلتها مِن جنس مقابلة الأجسام ،ومحاربتها وآلتها سواء ، بل الأصلُ فى المحاربة والتقابلِ للأرواح والأجسام آلتها وجندها ، ولكن مَن غلب عليه الحِسُّ لا يشعرُ بتأثيرات الأرواح وأفعالِهَا وانفعالاتِهَا لاستيلاء سُلطان الحِسِّ عليه ، وبُعْدِهِ من عالَم الأرواح ،وأحكامها ، وأفعالها .
والمقصود .. أنَّ الرَّوح إذا كانت قويةً وتكيَّفتْ بمعانى الفاتحة ، واستعانت بالنفث والتفْل ، قابلت ذلك الأثَر الذى حصل من النفوس الخبيثة ،فأزالته .. والله أعلم .
إرسال تعليق