أ- لغة : الجهاد مأخوذ من الجهد: وهو الطاقة والمشقة، وقيل: هو بالفتح المشقة، وسمي الجهاد بذلك لما فيه من المشقة، وبالضم: الطاقة والوسع، وسمي الجهاد به لما فيه من بذل الوسع واستفراغ الطاقة في تحصيل محبوب أو دفع مكروه.
ب- شرعا: تطلق كلمة الجهاد في الشرع مرادا بها أحد معنيين:
1- المعنى العام: بذل الوسع في حصول محبوب الحق ودفع ما يكرهه الحق، وهذا تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية ([1]).
2- المعنى الخاص: بذل الجهد في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله. والنصوص الواردة تدل أحيانا على العموم كما في قوله تعالى: ]وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ[ [الحج: 78]، وقول النبي r : «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه »([2])، وقوله r للذي استأذنه في الجهاد: «أحي والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد»([3]).
ولكن لفظ الجهاد إذا أطلق فالمراد به قتال الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى، قال ابن رشد في مقدماته ([4]): "الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع بإطلاقه إلا على مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا الإسلام، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومما يدل على ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله r «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله»، قالوا: ثم من؟ قال: «مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره» [رواه البخاري] فالثاني مجاهد لنفسه ولكنه أطلق الجهاد على الأول.
وليس جهاد النفس هو الجهاد الأكبر على الإطلاق كما يزعمه بعضهم، فإن (وصف قتال الكفار بالجهاد الأصغر، وجهاد النفس بالجهاد الأكبر مغالطة لم يدل عليها دليل من كتاب ولا سنة، ثم إن من جاهد نفسه حقيقة حتى تغلب عليها فإنه يسرع إلى امتثال أمر الله -عز وجل-، ومن تأخر عن قتال الكفار فليس بمجاهد لنفسه على امتثال أمر الله، فالتذرع بجهاد النفس قد يكون من الحيل الشيطانية الصارفة للمسلمين عن جهاد أعدائهم.
وجهاد النفس يندرج تحته أنواع كثيرة من أهمها: جهاد العبد نفسه على إخلاص العبودية لله سبحانه، والبراءة من الشرك وأهله، ولاشك أن المجاهد في ميدان القتال إذا لم يحقق إخلاص العبودية لله.... لا يستفيد من جهاده، فعلى هذا لا يقال: جهاد النفس أكبر، ولا جهاد الكفار أكبر بإطلاق، بل يسأل القائل: ما مرادك بجهاد النفس؟ هل تريد جهادها على تحقيق التوحيد، أو تريد تهذيبها وتزكيتها بالأذكار والنوافل؟ فإن كنت تريد الأول فلا شك أنه أكبر، لكن ينبغي أن يقال: جهاد النفس على تحقيق التوحيد أكبر من غيره، وإن أردت الثاني فلا شك أن الجهاد أكبر منه وأفضل، وأما الحديث المروي (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) فهو ضعيف......)([5]).
Post a Comment