حجية القاعدة الفقهية .
إن القواعد الفقهية التي كانت من ثمار النهضة الفقهية عبر القرون ، لم تكن مجرد نتيجة لأفكار الفقهاء أو تجاربهم ، و لم تنشأ مصادفة في فترة معينة من الفترات على يد صائغ معين لها ، بل ظلت موضع الاعتبار لدى الفقهاء من المتقدمين و قبلهم التابعين و المجتهدين ـ و إن كانت لم تفرد بالتدوين في تلك العصور ، و لم تذكر على صيغ و أنماط مخصوصة ـ كما دل على ذلك التتبع و الاستعراض لأطوار مختلفة مر بها الفقه الإسلامي ، و ذلك لأنهم في كل عصر احتاجوا إلى أن يضبطوا الفروع لوقايتها من الشتات و الضياع ، و من هنا جاءت هذه القواعد خلاصة مركزة لكثير من أحكام الفقه [1].
 فيرى بعض العلماء أن : القاعدة الفقهية : تعتبر دليلا يحتج به إذا كان لها أصل من الكتاب أو السنة بل هي في درجة الحجج القوية التي ينقض لها حكم القاضي إذا حكم بخلافها و هي : النص و الإجماع و القياس الجلي بشرط سلامتها عن المعارض .
و لا ريب أن هناك بعض القواعد الأساسية التي هي مبنية على أدلة من الكتاب و السنة المطهرة و واضحة الأخذ منهما كما أن لبعض القواعد صفة أخرى ككونها معبرة عن دليل أصولي أو كونها حديثا ثابثا مستقلا ، و من الأمثلة على ذلك :
قاعدة الأمور بمقاصدها : فإن الاحتجاج بهذه القاعدة نابع من الاحتجاج بأصلها و هو حديث " إنما الأعمال بالنيات " ، و كقاعدة " اليقين لا يزول بالشك " و " العادة محكمة " و " لا ضرر و لا ضرار " و " البينة على المدعى و اليمين على من أنكر " و الخراج بالضمان فهذه القواعد بمثابة الأدلة الشرعية و حينئذ يمكن الاستناد إليها في استنباط الأحكام و إصدار الفتاوى و إلزام القضاء بناء عليها .
و من النصوص الفقهية التي يفهم منها القول بحجية القاعدة الفقهية :
ما صرح به الشهاب القرافي " من أن حكم القاضي ينقض إذا خالف قاعدة من القواعد السالمة عن المعارضة "[2]
و من النصوص أيضا : ما جاء في " المجموع شرح المهذب للنووي قال : فرع ، لافرق عند أحمد بين أكل لحم الإبل مطبوخا ونيئا ومشويا ففي كله الوضوء وكذا قولنا القديم ، ولأحمد رواية : أنه يجب الوضوء من شرب لبن الابل ولا أعلم احدا وافقه عليها ، ومذهبنا ومذهب العلماء كافة لا وضوء من لبنها: واحتج أصحاب أحمد بحديث عن أسيد بن حضير بضم أولهما والحاء مهملة والضاد معجمة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا توضؤا من ألبان الغنم وتوضؤا من ألبان الإبل) رواه ابن ماجه باسناد ضعيف فلا حجة فيه ودليلنا أن الأصل الطهارة ولم يثبت ناقض "[3] .
فالإمام النووي هنا : استند إلى القاعدة الفقهية المشهورة " الأصل بقاء ما كان على ما كان " و قدمها على الحديث الضعيف[4] .
فإذا كانت القاعدة نصا قرآنيا كريما فهي قبل أن تكون قاعدة أو تجري مجرى القواعد فهي دليل شرعي بالاتفاق فهل إذا جرى النص القرآني مجرى القاعدة خرج عن كونه دليلا شرعيا معمولا به ، و لا يجوز تقديم غيره عليه؟
هناك عدة نصوص في القران تحل البيع و تحرم الربا ، و هو في نفس الوقت يصلح قاعدة فقهية تشمل أنواع البيوع المختلفة و مسائل الربا المتعددة ، كما يستثنى منها بعض أنواع البيوع المحرمة ، و بعض مسائل الربا إما بالنص و إما بالتخريج[5] .
فهذه الأدلة الشرعية و القواعد الفقهية يمكن الاستناد إليها في استنباط الأحكام و إصدار الفتاوى و الزام القضاء بها[6] .
و أما إذا كانت القاعدة مبنية على دليل شرعي من الأدلة التي اختلف في اعتبارها فيجب الرجوع أولا إلى الأدلة المتفق عليها فإذا وجد الحكم بأحدها يستأنس بالقاعدة و لا يحكم بها ، و إلا نظر إلى الدليل  الذي بنيت علية القاعدة فإن أمكن إعطاء المسألة حكما بموجبه ـ عند من يتبرونه دليلا ـ كان بها و اعتبرت القاعدة دليلا تابعا يستأنس به [7].
و يمكن تقسيم القواعد المشهورة من حيث علاقتها بمصادر التشريع إلى القسمين الأساسيين كما يلي :
1 – القواعد التي هي من حيث ذاتها نصوص الأحاديث النبوية ، ثم جرت مجرى القواعد عند الفقهاء .
2 - القواعد المأخوذة من دلالات النصوص التشريعية العامة المعللة[8] .


[1] القواعد الفقهية لأحمد الندوي ص: 271 .
[2] ينظر الفروق للقرافي ج4/ 97 ، 98 .
[3] المجموع شرح المهذب للنووي ج2/ 60 ، و حديث ابن ماجه رقم 496 .
[4] القواعد الفقهية الكبرى و نا تفرع عنها ، ص : 37 .
[5] موسوعة القواعد الفقهية للبورنو ج1/ 46 ، 47 .
[6] نفسه ، ص: 47 .
[7] نفسه ، ص 48 .
[8] القواعد الفقهية للندوي ص: 275 .

Post a Comment

Previous Post Next Post