أنواع المصادر والمراجع

       يمكن أن نقسم المصادر والمراجع التي يستقي منها الباحث المادة العلمية لموضوع بحثه، إلى عدة أنواع كمايلي:
 أولاً ـ المؤلفات العامة والمتخصصة:
 أ ـ المؤلفات العامة:
تتمثل المراجع العامة في الكتب التي تتناول فرعاً من فروع علم معين، وتعتبر هذه المؤلفات ضرورية للباحث، كونها تجديد للعلم وتحديث له باستمرار. وفي مجال الدراسات القانونية تتبدى أهمية هذه المؤلفات في كونها المدارس العلمية التي يتأسس عليها بنيان الطالب الدارس في كليات الحقوق. كما تتميز عن الرسائل بأنها وإن لم تمثل دراسة متخصصة لموضوع بعينه، إلا أنها دراسة جامعة لباب من أبواب العلم أو نظرية متكاملة من نظرياته. من ذلك مثلاً كتب القانون الإداري وكتب القانون الجنائي في قسميه العام والخاص وكتب أصول المحاكمات الجزائية.
        ولو عدنا إلى مؤلف عام حول القانون الدستوري والنظم السياسية مثلاً لوجدناه يتناول تعريف الدستور، أساليب نشأة الدساتير، أنواع الدساتير، رقابة دستورية القوانين، تعريف الدولة وتحديد أركانها، سيادة الدولة، أشكال الدول، تنظيم السلطة في الدولة، وظائف الدولة، الأنظمة السياسية المعاصرة ( النظام الرئاسي ـ النظام البرلماني ـ النظام شبه الرئاسي.. ).
         وتتميز المؤلفات العامة في أغلب الأحيان بثبات الموضوعات التي تعالجها، وهي تعبر في نهاية الأمر عن مجموعة من الخبرات المتراكمة التي تزداد نضجاً يوماً بعد يوم حتى تنتهي إلى أن تصبح مرجعاً عاماً يفيد جمهور الباحثين.
         وتعتبر المؤلفات العامة هي المعين الذي لا ينضب الذي يلجأ إليه الباحثون لفهم الموضوع ومعرفة حدوده وبيان أهميته([1]).



 ب ـ المؤلفات المتخصصة:
 وهذه الطائفة من المؤلفات يكون موضوعها مخصصاً لنقطة بحث واحدة، مثال ذلك: المؤلف الذي يتناول موضوع " دعوى الإلغاء" أو مؤلف " وقف تنفيذ القرارات الإدارية" أو مؤلف " الرقابة القضائية على أعمال الإدارة "....الخ.
        وتأتي خصوصية هذه المؤلفات من أنها أبحاث متخصصة في جزئية محددة من موضوع معين، وأن القائم بها باحث محترف، ومن ثم فإنها أكثر دقة وإفادة بالنسبة للباحث، من عدة نواحٍ:
فمنهجها العلمي يكون أكثر انضباطاً، فضلاً عن حداثة مراجعها ودقتها، وبالتالي فهي تقدم مادة أولية ثرية للباحث، يمكنه الإفادة منها في بحثه.
 ج ـ الرسائل العلمية:
إلى جانب المؤلفات العامة والمؤلفات المتخصصة، من المفيد أن يحصر الباحث الرسائل العلمية ( الماجستير والدكتوراه ) التي على صلة بموضوع بحثه.
      والرسالة هي أطروحة يتقدم بها الباحث في موضوع معين إلى إحدى الكليات الجامعية التي يسمح نظامها بمنح الدرجات العلمية. وتمثل الرسالة العلمية ـ في الغالب ـ الخطوة الأولى للباحث الذي يمتهن البحث العلمي مهنة ووظيفة كأعضاء هيئة التدريس في الجامعات ومعاهد البحوث، ومن هنا تأتي أهميتها الفائقة في أنها بحث متعمق في موضوع محدد، ويجب أن تتميز بالأصالة والابتكار والوصول إلى نتائج محددة تقبلها لجنة الحكم والمناقشة التي تشكل باقتراح القسم العلمي المتخصص وموافقة مجلس الكلية على الوجه الذي تنظمه اللائحة الداخلية للكلية المقدم إليها الرسالة.
     وتتميز الرسالة كمصدر أو مرجع للباحث بغزارة المعلومات والبيانات، إذ أنها تمثل ثمرة جهد كبير، كما أنها تمد الباحث بمجموعة كبيرة من المراجع المتنوعة والمتعددة من كافة الأنواع ( كتب، رسائل، مقالات، أحكام... ) الخ.
 وقد يوجد في مكتبة كل كلية، قسم خاص بالرسائل العلمية، يتم فيه تصنيف تلك الرسائل وفهرستها وفق نظم الفهارس التي ذكرناها([2]).
 ثانياً ـ الدوريات والموسوعات:
 أ ـ الدوريات:
لا غنى لأي باحث، لا سيما في مجال الدراسات والبحوث القانونية، عن الإطلاع على الدوريات العلمية التي تنشر البحوث والدراسات والمقالات، والتعليقات على أحكام القضاء ونصوص القوانين وغيرها.
    والدوريات عبارة عن مجلات لنشر البحوث العلمية، تصدر بشكل دوري في أعداد متتابعة: سنوية أو نصف سنوية، أو فصلية.. وتتضمن هذه الدوريات العديد من المقالات المتخصصة والتي تخضع قبل نشرها للتحكيم العلمي من قبل أساتذة متخصصين، بغرض إجازة نشرها من عدمه.
ومن أمثلة الدوريات القانونية الشهيرة نذكر:
 ـ مجلة البحوث القانونية والاقتصادية التي تصدرها كلية الحقوق بجامعة عين شمس.
 ـ مجلة القانون والاقتصاد التي تصدرها كلية الحقوق بجامعة القاهرة.
 ـ مجلة البحوث القانونية والاقتصادية التي تصدرها كلية الحقوق بجامعة المنصورة.
 ـ مجلة مصر المعاصرة التي تصدرها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع.
 ـ المجلة الجنائية القومية التي يصدرها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في القاهرة.
 ـ مجلة الحقوق التي تصدرها جامعة الكويت.
 ـ مجلة المحامون التي تصدرها نقابة المحامين في الجمهورية العربية السورية.
 ب ـ الموسوعات ودوائر المعارف:
الموسوعة أو دائرة المعارف Encyclopedia  هي مطبوع يتناول بالبحث والدراسة، مختلف موضوعات المعرفة الإنسانية مرتبة هجائياً حسب الموضوعات. ومن الموسوعات المعروفة نذكر:
  ـ دائرة المعارف البريطانية Encyclopedia Britannica
  ـ دائرة المعارف الأمريكية Encyclopedia Americana
  ـ  دائرة المعارف الإسلامية
 وفي المجال القانوني نذكر موسوعة Dalloz الفرنسية وهي أقرب ما تكون إلى مجموعة من الموسوعات المتخصصة، حيث توجد مجلدات منفصلة للقانون الدولي، الجنائي، الدستوري، الإداري، الشركات....الخ.
 ثالثاً ـ أعمال المؤتمرات والتقارير والنشرات:
تعتبر أعمال المؤتمرات من المصادر المهمة التي يستعان بها في إعداد البحوث القانونية، خاصة المؤتمرات التي تنظمها الهيئات الأكاديمية كأعمال المؤتمرات السنوية لكليات الحقوق.
      كذلك تصدر عن الهيئات العلمية والمنظمات الدولية العديد من التقارير والنشرات، التي تتضمن الجديد والحديث من المعلومات والإحصائيات مثل: التقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، التقرير السنوي للبنك الدولي، التقرير الإستراتيجي العربي الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في القاهرة.
 رابعاً ـ أحكام القضاء:
تعد أحكام القضاء مصدراً أساسياً من مصادر البحث القانوني، ويمكن الاستعانة بهذه الأحكام لتوضيح السياسة القضائية والحلول التي ابتدعها القضاء في موضوعات معينة.
  ولأهمية الأحكام القضائية في البحث القانوني، يتم نشر هذه الأحكام في مجموعات من أجل تيسير الإطلاع عليها والإفادة منها.
 ومن أهم هذه المجموعات في مصر:
 ـ مجموعة الفتاوى التي تصدرها الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة ويشرف عليها المكتب الفني لمجلس الدولة.
 ـ مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ويشرف عليها المكتب الفني للمحكمة.
 ـ مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها محكمة القضاء الإداري.
 ـ مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا.
 ـ مجموعة أحكام محكمة النقض في المواد المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية. وكذلك في المواد الجنائية.
وفي سوريا:
 ـ مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض.
 ـ مجموعة اجتهادات مجلس الدولة السوري.
 ويمكن الرجوع إلى أحكام القضاء غير المنشورة، وقد تكون على جانب كبير من الأهمية في تزويد الباحث بما يحتاجه من معلومات تفيده في موضوع بحثه.
 خامساً ـ معاجم اللغة والقواميس:
تحتوي القواميس ومعاجم اللغة على معلومات وبيانات هامة، فضلاً عن تزويدها الباحث بمفهوم المصطلحات والكلمات والمفردات.
والقواميس والمعاجم قد تكون موسوعية تذكر المصطلح وتعرفه، وقد تكون لغوية تحوي معلومات عن أجزاء الكلمة من ناحية اشتقاقها، وأصلها التاريخي، ثم تعريفها، وإعطاء جميع معانيها ومفاهيمها، ثم عرض مرادفات الكلمة وأضدادها، والاستخدام اللغوي للكلمة.  
      وفي اللغة العربية هناك بعض المعاجم الشهيرة أهمها: القاموس المحيط للفيروز آبادي، مختار الصحاح للرازي، لسان العرب المحيط لابن منظور.
وتبين المعاجم معاني الكلمات، وتضبط بنيتها، ومشتقاتها. وللبحث عن معنى كلمة في أي معجم يجب أن ترد الكلمة إلى مفردها إن كانت جمعاً فإذا كانت " قوانين " تصبح " قانون "، ويرد الفعل إلى الماضي إن كان مضارعاً أو فعل أمر، أو مصدر. وتجرد الكلمة من حروف الزيادة إذا كانت مزيدة.
 وفي الكلمات التي بها حروف محذوفة، رد الحرف المحذوف مثل " محام " فيرد الحرف المحذوف وهو الياء، فتصير " محامي ".
   وإذا كان الفعل مضعّفاً فُكّ تضعيفه، مثل " شدّ " تصير " شدد ". وعند الحديث عن الكلمة ينظر الباحث إلى أول حرف في الكلمة، ثم الحرف الثاني، ثم الحرف الثالث، وهكذا.
 وبالنسبة للقواميس فهي على نوعين:
 ـ قواميس لغوية عامة، باللغات الإنكليزية أو الفرنسية أو الإيطالية، مثل: Oxford Dictionary
 ـ قواميس المصطلحات، وهي خاصة بالتعريف بالمصطلحات العلمية المتخصصة في علوم الطب، والهندسة، والاجتماع، والقانون، والاقتصاد.
 ومن أمثلتها في مجال القانون نذكر:
 ـ القاموس الصادر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بعنوان " معجم الكويت القانوني إنجليزي ـ فرنسي عربي " تأليف الدكتور بدر جاسم اليعقوب، طبعة عام 1995.
 ـ القاموس الصادر عن دار الكتاب المصري اللبناني بعنوان " معجم المصطلحات القانونية فرنسي ـ إنجليزي ـ عربي " تأليف الدكتور أحمد زكي بدوي، الطبعة الثانية، عام 2003.
       وفي ختام حديثنا عن أنواع المصادر والمراجع، نشير إلى أنه كلما ازداد واتسع إطلاع الباحث وقراءاته، كلما اتسعت وازدادت قائمة مراجعه، فالمرجع يشير إلى مراجع، وتلك المراجع تقوده إلى مراجع أخرى، فإذا كان الباحث قد بدأ بثلاثين مرجعاً، فإنه سينتهي حتماً بما يزيد عن خمسة أضعاف ذلك أو يزيد.

جمع المعلومات والبيانات

      إذا انتهى الباحث من حصر المصادر والمراجع، فعليه أن يبدأ في القراءة للوقوف على ما بها من معلومات وبيانات تخص موضوعه. وهذه هي المرحلة الأهم قبل الكتابة، فبعد أن تأطر عمل الباحث بالخطة، فقد بقي عليه أن يقرأ تلك المصادر والمراجع وأن يسجل نتيجة ما يقرأه.
     غير أن القراءة المذكورة قد لا تكون كافية، ويحتاج الباحث إلى معلومات وبيانات إضافية، فيلجأ حينئذٍ إلى الوسائل الملائمة للحصول على تلك المعلومات.
ولذلك سنتناول في هذا المبحث، الوسائل النظرية والوسائل الميدانية لجمع المعلومات والبيانات، وذلك في مطلبين، كمايلي:

الوسائل النظرية

 أولاً ـ القراءة:
 يجب أن تكون القراءة من أجل إعداد البحث العلمي، قراءة هادفة، لها غاية معينة هي جمع المادة العلمية المتعلقة بالبحث المزمع إعداده.
والقراءة يجب أن تمر بمرحلتين:
 المرحلة الأولى ـ القراءة التمهيدية الفهرسية:
ويطلق عليها " القراءة الأفقية "، وفيها يمر الباحث سريعاً على المراجع والمصادر التي تحت يده للتعرف على الموضوعات ذات الصلة بموضوع بحثه. وفيها يدون الباحث اسم المرجع والباب أو الفصل وموضوعه ورقم الصفحة الذي يتعلق ببحثه.
       وعادةً ما تكون تلك المرحلة من القراءة في دور المكتبات والوثائق لا سيما بخصوص المراجع والمصادر التي لم تسعف الظروف المادية للباحث أن يقتنيها. فعلى الباحث ارتياد المكتبات العامة أو الخاصة بالجامعات ومراكز البحث العلمي للوقوف على قيمة المراجع التي تضمها.
وأثناء القراءة التمهيدية المتعلقة بتحديد الموضوعات والصفحات المتعلقة بموضوع بحثه من أي مرجع، يستطيع الباحث أن يلجأ إلى صفحة الفهرس العام للمرجع أو الكتاب، للتعرف على ما يخص موضوع بحثه من نقاط.

 المرحلة الثانية ـ القراءة المنهجية المتعمقة:
بعد أن يكون الباحث قد وقف على الأجزاء التي تتعلق برسالته في مجموع المصادر التي حصرها، عليه أن يبدأ مشوار القراءة التخصصية الواعية. فيقرأ بتأنٍ وتبحر في كل جزئية، ويتأمل في أبعاد كل معلومة، ويحاول تقييم وتحليل كل ما يقرأه.
      وفي هذه المرحلة يبدأ الباحث في تدوين الملاحظات أو الآراء الشخصية سواءً على شكل تعقيبات أو تعليقات، وهو مسلك علمي يدل على اندماجه في الموضوع، إلا أن الملاحظات والأفكار الأولى غالباً ما تتسم بالسطحية والضحالة، وذلك بسبب عدم نضوج الباحث نضوجاً كاملاً وعدم نضوج عناصر الموضوع في ذهنه بالشكل الكافي.
       وفي أثناء القراءة المتعمقة، يجب على الباحث ألا يستطرد في قراءة أجزاء لا تتصل بموضوع بحثه من المرجع الذي يطلع عليه، وأن يكون لديه القدرة على التمييز بين المهم والأهم، وينتقي من المعلومات ما هو وثيق الصلة ببحثه بشكل مباشر. وعليه أن يدرك أنه يكتب لجمهور من المتخصصين، فيتحاشى تكديس المعلومات التي على غير صلة ببحثه، لأن ذلك يعتبر حشواً لا فائدة منه.
      ويطلق على مرحلة القراءة المنهجية المتعمقة اسم " القراءة الرأسية أو العمودية "، أي يتم قراءة جزئية واحدة من أجزاء البحث في سائر المراجع التي تم الرجوع إليها، ويمكن إجمال متطلبات هذه القراءة في عدة نقاط أهمها([3]):
 1ـ تخصيص وقت كافٍ، ومناسب، وهادئ للقراءة، وذلك حسب كم المادة العلمية المطلوب قراءتها.
 2ـ ألا يقرأ الباحث وهو مجهد جسمانياً، لأن ذلك سيؤثر على قواه العقلية، ويضعف تركيزه الذهني، وسيجعل الاستفادة من القراءة هزيلة.
 3ـ الاستمرارية، بمعنى ألا تتخلل قراءة الموضوع الواحد ما يقود لقطع الأفكار، كأن يبدأ في القراءة في يوم ثم يتوقف الباحث لمدة أسبوع ثم يعاود القراءة... فهذا الأمر يؤدي إلى تشتت الباحث وانقطاع تسلسل أفكاره، وبالتالي يؤثر سلباً على استفادته من قراءاته.
 4ـ القراءة بعناية وتدبر، أي بعين فاحصة مدققة، بمعنى ألا تكون القراءة سطحية دون تعمق وتوغل في مضامين ما هو مكتوب.
 5ـ يجب البدء بقراءة المراجع القديمة وصولاً لأحدثها، وإن حرص الباحث على الإطلاع على أحدث ما صدر في مضمار بحثه يعني في الحقيقة تفانيه في تقديم رسالة جامعة لما قيل في موضوعه.
 6ـ يجب تدبر المصطلحات القانونية، حيث لكل مصطلح دلالة خاصة، وأيضاً تدبر معاني الكلمات والألفاظ.
 7ـ تأمل فن اللغة والصياغة القانونية، فقراءة النصوص القانونية والآراء الفقهية والأحكام القضائية، تشكل لدى الباحث مكنة معرفة اللغة القانونية. وكلما تعمق الباحث في قراءة الكتب القانونية الجيدة، وانتبه إلى أسلوب الصياغة التشريعية أو الفقهية أو القضائية، امتلك القدرة على الكتابة بلغة قانونية سليمة.
 8ـ يجب التثبت من السياسة التشريعية لكل دولة حين التعرض لقراءة نظامها القانوني، ولا شك أن السياسة التشريعية تتضح من الوثيقة الدستورية للدولة، خاصة ما تحتويه من إطار سياسي واقتصادي واجتماعي وقانوني للدولة.
 9ـ تدقيق آراء الفقهاء، ويمكن التمييز في هذا المجال بين الفقهاء والشراح. فالشراح هم المبتدئون في عمليات التحليل والمقارنة القانونية، إلا أنهم في أول الطريق الذي اجتازه الفقهاء.
وهناك خصيصتان لصيقتان بالشراح، الأولى: أن معلوماتهم القانونية محدودة، فهي ليست متشعبة ومتنوعة. والثانية: أن حداثة عهدهم في الحياة القانونية استتبع قلة خبرتهم الفنية، الأمر الذي انعكس على مهاراتهم القانونية.
أما الفقيه فهو رجل القانون الذي قطع شوطاً طويلاً في الحياة القانونية، وله مؤلفات عديدة، ومواقف متميزة تجاه السياستين التشريعية والقضائية([4]).
 10ـ تدقيق السياسة القضائية، واكتشاف آثارها السلبية أو الإيجابية على التشريع أو القضاء ذاته. وعلى الباحث أن يجمع معظم الطعون المتعلقة بموضوع بحثه، أو بجزئية معينة من بحثه، وذلك خلال فترة تمتد من عشرة سنوات إلى عشرين سنة، ثم يحللها، ويتعرف على اتجاه القضاء في مثل هذه المنازعات، وسوف يكتشف مبادئ موحدة اقتنع القضاء باعتناقها والجهر بها، وهذه هي سياسته تجاه هذه المنازعات ذات الموضوع الواحد.

 ثانياً ـ الاقتباس والاستشهاد:
يعتبر الاقتباس من وسائل جمع المادة العلمية المكملة للقراءة، وهو يعني استشهاد الباحث في نقطة معينة من موضوع، بآراء الآخرين وأفكارهم التي لها علاقة بموضوعه، إما لتدعيم وجهة نظر، أو لتأكيد فكرة معينة، أو لمقارنة، أو لمعارضة رأي.
       وتبدو أهمية الاقتباس في الدراسات النظرية خصوصاً، ذلك أنها لا تبدأ عادةً من فراغ، حيث من النادر أن يكون هناك موضوع جديد لم يتطرق إليه أو إلى جزء منه الباحثون السابقون. فالباحث في مجال تلك الدراسات يبدأ من حيث ما وصل إليه من سبقه، ويظل الاستشهاد ببحوث السابقين أمراً لا غنى عنه لكل باحث.
وللاقتباس أنواع وشروط:
 أ ـ فمن ناحية أنواعه، هناك:
 1ـ الاقتباس الحرفي المباشر:
 ويعني النقل الحرفي لبعض العبارات من مصدر معين سواءً أكان مؤلفاً عاماً أو بحثاً خاصاً. ويخضع هذا النوع من الاقتباس لقواعد صارمة، إذ يجب على الباحث ألا يكثر منه، كما يجب عليه أن يشير إلى المرجع الأصلي الذي تم الاقتباس منه.
 2ـ الاقتباس التلخيصي غير المباشر:
 وفيه يبتعد الباحث عن النقل الحرفي ويلخص مضمون الفكرة أو الرأي الذي يريد الاستشهاد به، ويصوغه بأسلوبه الخاص، مع المحافظة على جوهر الفكرة ومعناها، بحيث يسرد أدلتها ويوضحها، ولا يعمد إلى تشويهها.
 ب ـ أما من ناحية شروط الاقتباس فهي:
 1ـ أن يكون الاقتباس من المصدر الأصلي. فلا يجوز الاقتباس من الاقتباس لأن ذلك يؤدي إلى عواقب وخيمة إذا ما اتضح عدم دقة الاقتباس الأول.
 2ـ يجب أن يلتزم الباحث بالأمانة العلمية والدقة، في النقل أو التلخيص، فيشير إلى المصدر الذي أخذ منه بصورة تيسر على كل من يريد أن يطلع عليه. كما أن الدقة في النقل تقتضي إيراد العبارة كما هي بأحرفها الهجائية، وعلاماتها، وترقيمها. كما يجب أن يكون بنفس الأسلوب واللغة الأصلية التي وردت بها.
وفي الاقتباس الحرفي، يجب أن يوضع الجزء المقتبس بين قوسين مزدوجين، أي علامتي تنصيص " هكذا " قبل أول كلمة وآخر كلمة من ذلك الجزء، لكي يعلم القارئ حدود الاقتباس.
 3ـ إذا أضرب الباحث عن نقل بعض الكلام في وسط الاقتباس فعليه وضع ثلاث نقاط متتالية.
 4ـ إذا كان الباحث يريد اقتباس رأي لمؤلف ما ليناقشه، فعليه أن يتأكد من أن هذا المؤلف لم يعدل عن هذا الرأي فيما نشر بعد ذلك من أبحاث، أو في الطبعات الحديثة للكتاب.
 5ـ يجب ألا تختفي شخصية الباحث بين ثنايا كثرة الاقتباسات، وألا تكون الرسالة سلسلة اقتباسات متتالية لأن ذلك يعد مؤشراً على عدم الأصالة في الفكر، فضلاً عما يؤدي إليه ذلك من زيادة حجم البحث وعدد صفحاته، مما يفقده الكثير من قيمته العلمية. فالعبرة دائماً بالكيف لا بالكم.
 6ـ أن تكون الاقتباسات منتجة، بمعنى ألا يكون الاقتباس هدفاً بحد ذاته لتزيين البحث والتدليل على رجوع الباحث إلى العديد من المراجع. فالاقتباس يجب أن يكون ضرورياً لتدعيم فكرة، أو الدفاع عن رأي، أو للتحليل والتقييم والنقد.
كما يجب أن تنسق الاقتباسات تنسيقاً بديعاً، وألا توضع خالية من التقديم والمقارنة والتعليق، على نحو يظهر شخصية الباحث واستقلاله الفكري.
 7ـ إذا كان الاقتباس بلغة أجنبية غير لغة الباحث، فيجب أن يكون الاقتباس في حالة الضرورة، وأن تذكر الترجمة في المتن، ويورد النص الأصلي في الهامش.

الوسائل الميدانية

 أولاً ـ الاستبيان ( الاستقصاء ):
 أ ـ ماهية الاستبيان([5]):
 الاستبيان أو الاستقصاء هو أداة لجمع المعلومات من خلال استمارة تحتوي على مجموعة من الأسئلة تدور حول موضوع معين، يتم وضعها وفق إطار علمي محدد، وتقدم إلى المستهدفين بها ليدونوا فيها إجاباتهم بأنفسهم.
وبذلك يكون الاستبيان أداة مفيدة في الاستعلام أو جمع المعلومات، بل هو أداة فعالة للتعرف المباشر على وجهات النظر دون تدخل من المستبين.
       وتستخدم وسيلة الاستبيان ـ كأداة لجمع البيانات ـ على نطاق واسع في دراسات الرأي العام والاتصال، ودراسة الاتجاهات السياسية لقطاعات معينة من المجتمع إزاء قضايا محددة وواضحة.
وعلى الرغم من أن الاستبيان ـ كوسيلة للحصول على المعلومات ـ أمر غير مألوف في الدراسات القانونية، فإنه يمكن أن يفيد في الدراسات السياسية والدستورية، أو في استطلاع رأي المواطنين قبل إصدار بعض التشريعات.
     والاستبيان يكون على هيئة ورقة أو استمارة مدون بها أسئلة محددة، ويطلب من الشخص الموجهة إليه أن يجيب بـ ( نعم ) أو ( لا ) أو يشير إلى العبارة أو الإجابة المدونة بأنها ( صحيحة ) أو ( خاطئة )، أو يضع دائرة أو خطاً أمام الإجابة التي يراها مناسبة، أو يطلب منه كتابة عبارة في الفراغ الأبيض أو السطر الخالي.
 ب ـ أنواع الاستبيان:
 1ـ الاستبيان الحر أو المفتوح:
وهو الذي يترك للموجه إليهم حرية الإجابة على الأسئلة المطروحة بطريقتهم ووفقاً لقناعتهم وبأسلوبهم، دون إجبار على الاختيار بين إجابات محددة. ولما كان هذا النوع من الاستبيان يحتاج إلى جهد ووقت من جانب الموجه إليه، فكثيراً ما لا يهتم هذا الأخير بالاستبيان ولا يعيده إلى صاحبه.
 2ـ الاستبيان المقيد أو المغلق:
وهو الذي يكون مزوداً بإجابات محددة أمام الأسئلة مثل ( نعم ) أو ( لا ) وقد تتعدد الإجابات مثل: ممتاز ـ جيد جداً ـ جيد ـ مقبول ـ رديء ...الخ. ولا يكون أمام المطلوب منه إبداء الرأي إلا اختيار الإجابة الأنسب من وجهة نظره، وهذا النوع هو الأكثر قبولاً لدى الجمهور.
 3ـ الاستبيان المختلط:
وفيه تكون استمارة الاستبيان محتوية على أسئلة وإجابات محددة، يمكن للموجه إليه الاستبيان اختيار إحدى تلك الإجابات، كما تحتوي الاستمارة على فراغات بيضاء يُترك فيها للموجه إليه أن يكتب ما يشاء من معلومات لم يسأل عنها معد الاستبيان.
 ج ـ شروط الاستبيان:
 1ـ أن يكون موضوع الاستبيان محدداً وواضحاً بقدر الإمكان. كأن يتعلق الموضوع بأسباب اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية، أو بأسباب انتشار جريمة غسيل الأموال، أو ارتفاع معدلات الطلاق في أوساط اجتماعية معينة....الخ.
 2ـ يجب أن تكون أسئلة الاستبيان بسيطة، واضحة، غير مبهمة، وبعيدة عن التعقيد اللفظي، ومتناسبة مع المستوى التعليمي والثقافي لأفراد العينة.
 3ـ يجب أن تكون الأسئلة موجهة للحصول على حقائق معينة وليس على عموميات، وألا تثير لدى الموجهة إليه ردود فعل غير عادية تدفع به إلى إعطاء معلومات غير صادقة وغير موضوعية، أو تجعله يمتنع عن الإجابة.
 4ـ يجب أن يُحدد في ورقة الاستبيان طريقة الإجابة على الأسئلة، بإرفاق تعليمات عن كيفية الإجابة في هامش ورقة الاستبيان، أو في الصفحة الأخيرة من صفحات الاستبيان. كما يجب أن يحدد الوقت الذي ينبغي فيه الانتهاء من الإجابة على الاستبيان، ورده أو إرساله إلى صاحبه.
 5ـ يجب أن يوجه الاستبيان إلى الأفراد أو الجهات ذات الاهتمام بموضوعه، حتى تأتي الإجابات منتجة وخادمة لموضوع البحث. فإذا كان هناك استبياناً حول طرق الحد من جريمة تعاطي المخدرات، فيجب أن يوجه إلى أساتذة القانون وإلى الأساتذة والباحثين في ميدان التربية وعلم الاجتماع، وإذا كان موضوع الاستبيان حول أسباب اللجوء إلى التحكيم في منازعات الاستثمار، فيجب أن يوجه إلى جمهور المستثمرين، أو يوجه إلى رجال القضاء والمحكمين أو المحامين.
 6ـ يجب إلغاء الأسئلة الموجهة أو الإيحائية ( والسؤال المُوجه هو الذي يقترح في طياته الإجابة ) مثال ذلك: هل تفكر جيداً قبل اتخاذ القرار؟ الإجابة طبعاً: نعم.
 7ـ يجب إلغاء الأسئلة التي تحتوي أكثر من عنصر، فعلى سبيل المثال عندما نسأل: ما هي الكتب التي قرأتها في العقود الإدارية؟ وما هو أحسن كتاب في نظرك؟ ( هذا السؤال في الواقع سؤالان ).
 8 ـ يجب أن يشمل السؤال إجابات متعددة ( نعم، لا، لا أعلم ).
 9ـ يجب ترتيب الأسئلة ترتيباً سيكولوجياً بحيث يسهل على الموجه إليه الإجابة. وتفيد الاعتبارات التالية في عملية الترتيب:
 ـ البدء بالسؤال السهل جداً والذي يثير الاهتمام.
 ـ ترتيب الأسئلة السهلة فالأقل صعوبة فالصعبة.
 ـ ترتيب الأسئلة بحيث تحتوي تدفقاً مستمراً من الأفكار طول فترة الاستبيان.
 ـ الأسئلة الشخصية التي لا بد منها تؤجل إلى نهاية القائمة.
 د ـ تفريغ الاستبيان:
إذا انتهى الوقت المحدد لاستيفاء الاستبيان، وتم جمع استماراته، كان على الباحث أن يقوم بعمليتين متتابعتين، حتى تؤتي عملية الاستبيان ثمارها في الحصول على المعلومات الدقيقة المطلوبة.
       فمن ناحية أولى، يجب مراجعة الإجابات والتأكد من صحتها وجديتها. فقد تكون الإجابات غير صادقة ولا تعبر عن الحقيقة، لخشية المجيب مثلاً من أن تستخدم المعلومات الواردة في الإجابة، في الكشف عن أمور لا يرغب هو في الإفصاح عنها. كما أن بعض من يرد عليه الاستبيان قد يكون غير مبالٍ بأهمية موضوع الاستبيان فيعطي إجابات غامضة، لا تكون منتجة في موضوع الاستبيان.
      ومن ناحية ثانية، يجب تفريغ البيانات والمعلومات من استمارة الاستبيان، وذلك بفرزها وتصنيف الإجابات في مجموعات، وتبويبها في شكل جداول إحصائية أو رسوم بيانية، بنحو يسهل دراستها وتحليلها والمقارنة بينها، واستخلاص النتائج التي ترشد إليها، والتي تخدم موضوع البحث وتساعد الباحث في تكوين وجهة نظر حوله.


 هـ ـ تقييم نظام الاستبيان:
 للاستبيان مزايا عديدة منها:
 أنه أداة للحصول على بعض المعلومات التي تتسم بخصوصية معينة، والتي قد لا يكون سهلاً الحصول عليها بأية طريقة أخرى، لا سيما في بعض المجالات ومنها المجال القانوني، كالمعلومات المتعلقة بانتشار نوع معين من الانحرافات المعاقب عليها قانوناً.
        ومنها أيضاً، أن الاستبيان يعد أداة اقتصادية وميسرة. حيث لا يكلف الباحث نفقات مادية كبيرة عدا مصروفات إعداد استمارات الاستبيان وتوزيعها، كما أن الباحث لا يبذل مجهوداً كبيراً في تنفيذ الاستبيان، فهو يعد الاستبيان ويوزعه بالبريد أو عن طريق شخص آخر يثق به، ثم تصل إليه استمارات الاستبيان بعد ملئها.
 ومع ذلك، فإن نظام الاستبيان لا يخلو من بعض العيوب والمساوئ، منها:
 أنه قد لا يمكن الاطمئنان إلى المعلومات التي تم جمعها عن طريقه، إما لأن الإجابات جاءت غامضة وغير محددة أو بعيدة عن المطلوب، وإما لأنه مشكوك في مصداقيتها بسبب التناقض الظاهر بينها.
         ومنها، إنه قد لا يكون منتجاً، إما لأنه لم تتم الإجابة على كل الأسئلة المطلوب الإجابة عنها، وإما لعدم اكتراث من وجه إليهم الاستبيان، وإهمالهم الرد على الاستبيان وعدم إرساله إلى المستبين. وبالتالي يكون العائد من الاستبيان قليلاً لا يعتمد عليه. وقد يكون المستجوب نفسه لا يعرف القراءة والكتابة ( وهؤلاء يمثلون نسبة عالية في الدول النامية ) وبالتالي تنعدم الفائدة المرجوة من الاستبيان.
 ثانياً ـ المقابلة:       
 تعتبر المقابلة استبياناً شفوياً، حيث يقوم الباحث بإجراء مقابلة شخصية لمن يريد الحصول منهم على معلومات تتعلق بموضوع بحثه، حيث يوجه إليهم مباشرة الأسئلة أو الاستفسارات التي يراها أكثر تحقيقاً للغرض من المقابلة.
 وتفيد المقابلة الشخصية ـ كمصدر للمعلومات ـ في كثير من العلوم لا سيما العلوم السياسية والاجتماعية وكذلك القانونية.
        وإذا قام بالمقابلة شخص ماهر، فإن المقابلة تصبح أفضل من طرق جمع البيانات الأخرى.. وأحد الأسباب لذلك أن الناس تفضل أن تتحدث عادةً أكثر من رغبتها في الكتابة.. وبعد أن يقيم القائم بالمقابلة علاقة طيبة مع المستجوب، من الممكن أن يحصل على أنواع معينة من المعلومات ذات الطبيعة السرية التي سيتردد المستجوب في الإدلاء بها كتابةً.
        وعلى غرار الاستبيان قد تكون المقابلة مقيدة، حينما تكون الأسئلة التي سيوجهها الباحث لمن يقابله واضحة ومحددة، وهي الأكثر فعالية، حيث يكون لدى الباحث الوقت لاختيار الأسئلة التي تنصب مباشرة على الجوانب الجوهرية في بحثه.
كما قد تكون المقابلة حرة، حينما لا تعد الأسئلة مسبقاً، ويترك الباحث نوع الأسئلة وعددها لظروف المقابلة والوقت المتاح. وهي أكثر ملاءمة إذ قد يملي الموقف على الباحث توجيه أسئلة لم يكن ذهنه قد فطن إليها من قبل، كما قد تكون أمامه فرصة لتعديل وتحوير صيغة الأسئلة بما يتناسب مع شخصية من يقابله وظروفه.
        وسواءً أكانت المقابلة مقيدة أو حرة، فإنه لكي تؤتي ثمارها وتفيد في تحصيل البيانات والمعلومات المرغوبة، لا بد أن يكون الباحث على قدر كبير من اللباقة والذكاء والحضور الاجتماعي، قادراً على خلق جو ودي، حتى يوفر الاطمئنان والثقة لمن يقابله، ويحصل على ما لديه من معلومات مفيدة للبحث.
        كما يلزم الباحث أن يختار الزمان والمكان الملائمين لإجراء المقابلة، وأن يمهد للمقابلة بإدارة حديث ودي قصير خارج موضوع المقابلة، ثم يقوم ببيان الهدف من المقابلة وحقيقة المطلوب ممن يقابله، وأن يستأذن من يقابله في تسجيل ردوده قبل بداية الحوار والمناقشة معه، مع التأكيد على احترام سرية ما يدلي به من معلومات وعدم إفشائها، إن كانت طبيعتها تستلزم ذلك، سواءً تم التسجيل كتابةً، أو آليا باستخدام أحد أجهزة التسجيل الصوتي.
ويمكن للمقابلة أن تحقق عدة أهداف:
 1ـ تفسير حدث معين: ويتحقق ذلك عند إجراء المقابلة مع أحد الأشخاص الذين ساهموا في صنع الحدث أو عاصره عن قرب ( كمن يعد بحثاً عن المفاوضات السورية الإسرائيلية فيستطيع أن يقابل من اشترك في هذه المفاوضات ليطلع منه على ظروف هذه المفاوضات ومضمونها وما الآثار المترتبة عليها... ).
 2ـ توثيق وثائق معينة: كأن يحصل الباحث على بعض المعلومات ويريد توثيقها أو التأكد من صحتها، فيرجع إلى بعض الأشخاص الذين ساهموا فيها أو عاصروها ( كمن يعد بحثاً عن الآثار السياسية والاجتماعية لثورة 23 يوليو في مصر، فيستطيع مقابلة أحد الضباط الأحرار الذين قاموا بالثورة للتأكد من صحة المعلومات والوثائق التي حصل عليها... ).
 3ـ استشراف المستقبل: ويكون ذلك عند إجراء المقابلة مع أشخاص يهتمون بعلوم المستقبل ولديهم القدرة على استشرافه.
ورغم أهمية المقابلة كأداة لجمع المعلومات في مختلف مجالات البحث العلمي، إلا أنه قد يشوبها بعض العيوب، ومنها:
    أن من تجري معه المقابلة قد يُفاجأ بسؤال، أو بعدة أسئلة لم يكن يفكر بها، وهنا قد يضطر إلى إعطاء إجابات غير دقيقة، كما قد يتعمد إعطاء أجوبة مقتضبة غير منتجة إن شعر أنه في موقف استجواب.
كذلك فإن المقابلة تحتاج إلى جهد كبير، وقد تستغرق وقتاً طويلاً في الوصول إلى هدفها، إن لم يكن الباحث مجيداً لفن المقابلة، ولم تتوفر له مهارة التحاور مع الغير([6]).
ومهما يكن من أمر، فإنه سواءً تعلق الأمر باستبيان مكتوب أم باستبيان شفهي، فإنه يجب على الباحث تقدير الإجابات التي يحصل عليها، وتصنيفها وتقييمها، تمهيداً لاعتمادها في تدعيم بحثه.


 (1) من المفيد في هذا النطاق أن نميز بين المؤلفات العامة التي تلتزم بالأطر العلمية ولا سيما ما تعلق منها بذكر مراجع الدراسة ووجود إشارات لها في صفحات الدراسة تبين حدود الاقتباس، وإسناد الآراء الواردة فيها. وبين تلك التي تخلو من ذلك، فالنوع الأول هو الذي يعد مصدراً ومرجعاً يعتد به، أما الكتب التي تأتي في صورة مذكرات دون مراجع أو دون الالتزام بالأطر والأشكال الأساسية للبحث، فإن الرجوع إليها لا يخلو من مخاطرة.. ولا يشفع للباحث التعلل بها، فواجب عليه أن يتحقق من كل المعلومات والبيانات التي يستخدمها في بحثه.
 (1) ومن ذلك مثلاً مكتبة كلية الحقوق بجامعة عين شمس، ومكتبة كلية الحقوق بجامعة القاهرة. حيث يوجد في هاتين المكتبتين قسم خاص لرسائل الماجستير والدكتوراه، يضم مئات الرسائل الجامعية، ويستطيع الباحث الإطلاع عليها والإفادة منها.
 (1) د. صلاح الدين فوزي، مرجع سبق ذكره، ص 141 وما بعدها. ود. عبد القادر الشيخلي، مرجع سبق ذكره، ص 36 وما بعدها.
 (1) يمكن التمييز بين فئتين من الفقهاء، الأولى: أصحاب المدارس الفقهية الكبرى، وهي الأسماء المتلألئة في عالم القانون الذين لم يتوقف تأثيرهم على جيلهم وحسب، وإنما أثروا في أجيال متعاقبة بسبب غزارة إنتاجهم الفكري، وبعد نظرهم، واتساع أفقهم، وتصديهم للقضايا القانونية الشائكة، سواء كانت هذه القضايا راهنة أم ممكنة الحدوث في المستقبل.
ويمكن أن نذكر أمثلة على هذه الفئة من الفقهاء، في فرنسا: هوريو، دوجي، جيز، دي لوبادير.... وغيرهم كثير. وفي مصر نذكر: الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري، الأستاذ الدكتور سليمان الطماوي، الأستاذ الدكتور ثروت بدوي، الأستاذ الدكتور محمد كامل ليله، الأستاذ الدكتور يحيى الجمل، الأستاذ الدكتور صلاح الدين عامر.... وغيرهم كثير. وفي سوريا نذكر: الأستاذ الدكتور كمال غالي، الأستاذ الدكتور محمد الفاضل، الأستاذ الدكتور هشام فرعون، الأستاذ الدكتور فؤاد ديب، الأستاذ الدكتور جاك الحكيم... وغيرهم كثير.
أما الفئة الثانية من الفقهاء، فهي فئة الفقهاء العاديين وهم الذين سرى تأثيرهم العلمي على جيلهم فحسب، فلم يستطيعوا تناول إلا المشكلات الراهنة بعهدهم. لذلك يبقى تأثيرهم فيما تناولوه من مسائل ومشكلات، ضيقاً ومحدوداً.

 (1) لمزيد من التفاصيل حول الاستبيان انظر: د. أحمد بدر، مرجع سبق ذكره، ص 347 وما بعدها.
 (1) تجدر الإشارة هنا إلى أنني لجأت أثناء إعدادي لرسالة الدكتوراه، إلى أسلوب المقابلة للحصول على بعض المعلومات والبيانات التي تخدم موضوع الرسالة. فقد قمت بمقابلة العديد من الأساتذة أعضاء هيئة التدريس في جامعات: عين شمس، القاهرة، حلوان، والإسكندرية، كما التقيت بعدد من الخبراء المتخصصين في مراكز بحثية مختلفة كجهاز شؤون البيئة، ومعهد التخطيط القومي في القاهرة.
وقد قامت علاقات ودية طيبة بيني وبينهم، وقد زودوني بالعديد من الوثائق والمقالات المهمة المتعلقة بموضوع رسالتي، ووجهوا لي الدعوة لحضور عدة مؤتمرات وندوات علمية. وقد أسهمت هذه المؤتمرات والندوات في تدعيم رسالتي من الناحية العلمية، إضافة إلى أنها أتاحت لي المجال للتعرف على العديد من الأساتذة والباحثين من مختلف الدول العربية.

Post a Comment

Previous Post Next Post