تعريف المعاهدة لغة :
العهد كل ما عوهد عليه ، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد ، وكذلك كل ما امر الله به في هذه الآية ونهى عنه . ( )
وفي حديث الدعاء : اللهم اني انشدك عهدك ووعدك . ( ) أي انا مقيم على عهدك ، وعلى ما عاهدتك عليه من الايمان بك والإقرار بوحدانيتك ، لا أزول عنها .
والعهد يأتي بمعنى الوصية كذلك ، يقال : عهد الى في كذا ، أي أواصاني ، ومنه حديث علي كرم الله وجهه : (عهد الي النبي الأميّ … ) أي أوصاني ، ومنه قوله تعالى : ( الم اعهد اليكم يا بني آدم …) ( ) أي أوصيكم ، ويأتي كذلك بمعنى الكتب للولاة ، يقال : عهد الخليفة الى واليه بكذا، والعهد يأتي بمعنى اليمين . تقول : علي عهد الله وميثاقه ، أي كانك تقسم بالله عز وجل ، وعلي عهد الله لأ فعلنّ كذا ، ايضاً بمعنى القسم ( ) .
ويأتي العهـد بمعنى عقد الامان والذمة ، والعهدة : هي اسم ما يكتب ، او يتعاهد عليه ، والعهيد ، هو المعاهد لك بهذه العهدة ، ويعاهدك ، وتعاهده ، وقد عاهده ، والمعهد ، الموضع الذي كنت تعهد به شيئاً ، والعُهدة بضم العين ، كتاب الحلف وكتاب الشراء ، واستعهد من صاحبه ، اشرط عليه ، وكتب عليه عهده ( ) .
وبالتدقيق في مادة عهد ومشتقاتها في معاجم اللغة العربية ، نرى انها في الغالب تستخدم بمعنى المواثيق التي توثق بين الناس ، من اتفاقات او عقود ، او عهود او غيرها او ما يعهد به من طرف الى الطرف الآخر ، أي : بمعنى ما يوصي به طرف الى طرف آخر ، سواء وثّقة كتابةً ، او كان مشافهة ، وهي كذلك الأمان الذي يعطى للغير ، فتقول اعطى فلان عهداً لفلان أي أمنّه على نفسه واهله وماله .
معنى المعاهدة اصطلاحاً
ان معنى العهد في اصطلاح الفقهاء قد جاء بنفس المعنى اللغوي تقريباً ، وقبل ان نذكر نصوصاً من كتب الفقه ، نقف عند معناها ، في كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام .
وقد وردت كلمة العهد ومشتقاتها في كتاب الله في آيات كثيرة ، كلها تؤدي المعنى اللغوي الذي وضعت له ، قال تعالى : ( الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون) ( ) .
( وعاهـدت منهـم ) هنا : أي اخذت منهـم عهداً ، أي عاهدتم ، ( وينقضون عهدهم ) : أي الذي واثقتهم به وعاهدتهم عليه . ( )
وقال ايضاً : ( الا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ان الله يحب المتقين ) ( ) ومعنى الا الذين عاهدتم : أي الا الذين لم ينقضوا العهد منهم ( ) والمعنى ان من نقض ما وثق من عهد بينكم وبينه فلا امان له .
معنى المعاهدة في اقوال الفقهاء :
اما المعاهدة في اصطلاح الفقهاء فقد جاءت بمعناها اللغوي ، وبما وردت له من معنى في كتاب الله وسنة نبيه عليه افضل الصلاة السلام .
فجاءت بمعنى المصالحة ، أي : ( مصالحة اهل الحرب على ترك القتال مدة معينة بعوض او غيره) ( ) .
وذكرها فريق من الفقهاء بمعنى الموداعة ، جاء في فتح القدير : واذا رأى الامام ان يصالح اهل الحرب او فريقاً منهم ، وكان ذلك مصلحة للمسلمين فلا بأس ، لقوله تعالى : ( وان جَنحوا للسَلْم فأجنحْ لها وتوكّل على الله)( ) .
ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل مكة عام الحديبية – أي عاهد او كتب عهداً - على ان يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنوات …. وذكر في موضوع آخر : وان صالحهم مدة ثم رأى نقض الصلح انفع نبذ اليهم ( ) وقاتلهم ، لانه عليه السلام نبذ الموداعة التي كانت بينه وبين اهل مكة ( ) .
ووردت بمعنى الذمّة والامان ، التي يعطيها المسلون لغيرهم ، ورد في كتاب ( المغني ) : ومن كان له مع المسلمين عهد فنقضوه حوربوا ، وقتل رجالهم ، ولم تسلب ذراريهم ، ولم يُسترقّوا إلاّ منْ وُلد بعد نقضه . وقال : وجملة ذلك ان اهل الذمة اذا نقضوا العهد او أخذ رجل الأمان لنفسه ، وذريته ثم نقض العهد ، فانه يُقتل رجالهم ، وتُسبى ذراريهم الموجودون قبل النقض لان العهد شملهم جميعاً .( )
ووردت بمعنى الهدنة المؤقتة التي تعقد في حالة الحرب والجوار ، أتبع المغنى يقول : " واما أهل الهدنة إذا نقضوا العهد حلت دماؤهم واموالهم ، وسبْي ذراريهم ، لان النبي عليه السلام قتل رجال بني قريضة وسبى ذراريهم ، وأخذ أموالهم حين نقضوا عهده ، ولما حاربته قريش فنقضت عهده ، حلّ له منهم ما كان حرم عليه منهم ، ولأن الهدنة عهدٌ مؤقت ينتهي بانقضاء مدته فيزول بنقضه ، وفسخه كعقد الاجارة ، بخلاف " عقد الذمة " .
وبالنظر والتدقيق في معنى العهد في لغة العرب ، وما جاء لها من معنى في كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه السلام ، واقوال الفقهاء من سلف هذه الامة ، ومن الفقهاء المُحْدثين ، نجد ان معنى العهود هو قريب من بعضه ، وهي محصورةٌ في المواثيق والمهادنة والموادعة والأمان الذي يُعطى لأهل الذمّة ، او الكفار المسالمين غير المحاربين .
والشيء الثانـي الملاحظ ان معاني العهد كلّها تدور مع احكام الجهاد ، وهي تابعة لها عند جميع الفقهاء السابقين ، وهذا ما سنبينه في الحالات التي تُعقد فيها المعاهدات ودواعيها .

 

Post a Comment

أحدث أقدم