أساليب التمكين المعاصرة
أساليب التمكين
لقد تم الحديث حول التطور في الفكر الإداري
المعاصر بشكل يبين وجه العلاقة بين هذا التطور، وما رافقه من تطور واضح في الفكر
السلوكي الذي ساهم في احتضان فكر التمكين إلى أن وصل وتبلور بشكله المعاصر في
وقتنا الحاضر.
وسينصب الحديث في هذا المحور حول مراحل تطور
مفهوم التمكين. فالتمكين مفهوم له تفسيرات متباينة نتيجة لاختلاف في وجهات النظر
حول هذا المفهوم المرتبط بالسلوك البشري وبالسلوك التنظيمي والسلوك الإداري وإدارة
الموارد البشرية. فهذه الارتباطات المتعددة أدت إلى بروز تفسيرات متعددة لمساعدة
علماء الإدارة للوصول إلى تحديد المفهوم وتعريفه بشكل يخدم الباحث والإداري على حد
سواء بعد الوصول إلى رؤية مشتركة حول مفهوم التمكين؛ مفهوماً إدارياً معاصراً.
وفيما يأتي سيتم شرح نظرية من أهم نظريات السلوك
التنظيمي وهي نظرية التمكين من خلال البعد السيكولوجي.
نظرية سيكولوجيا التمكينو (نظرية التمكين النفسي)
لقد قدم بعض علماء السلوك التنظيمي تعريفات ساهمت في إثراء المخزون المعرفي لِمفهوم التمكين من أمثال Kanter
(1989) و Thomas and Velthouse (1990)[1]. ويعّرف التمكين من ناحية سيكولوجية على أنه مفهوم تحفيزي يتمحور ويتمركز
حول الدافعية عند الإنسان نحو الكفاءة
والاقتدار، أي إنه يشكّل دافعية لدى العاملين من أجل تحقيق مستويات عالية من الكفاءة
والاقتدار. هذا وقد
عرّف قاموس إكسفورد الإنجليزي فعل يمكّن (Empower) على أنه إعطاء
القدرة للشخص الممكّن. وعلى عكس تفويض السلطة فإنّ التمكين يتضمن عامل حفز ودافعية من خلال تمكين
الإنسان وتفعيل قدراته الذاتية [2](Conger
and Kanungo، 1988) فهو إذن تمكين بمنح الإنسان القدرة وليس تفويضاً للقيام بمهام محددة فحسب[3]أ.
ويعرّف توماس وفلتهاوس [4](Thomas
and Velthouse, 1999)التمكين بأنه الحافز
الداخلي الجوهري الذي يبرز
من خلال عدد من المدارك التي تعكس مواقف الأفراد نحو المهام التي يقومون بها في وظائفهم، وهذه المدارك مثل:
1.
المعنى (Meaning): ويقصد بالمعنى هنا
استشعار الموظف قيمة العمل الذي يقوم به ومعناه، ولذلك فإن لمعنى يتضمن التوافق بين متطلبات العمل والأدوار التي
يقوم بها الفرد من جهة، والاعتقادات والقيم والسلوكيات من جهة أخرى، فإذا كانت جميع هذه الاعتبارات منسجمة فإن الوظيفة بلا
شك ذات قيمة، وإذا كانت متناقضة فهذا يكرس شعور الموظف بنقص المعنى، أي إن الوظيفة لا معنى لها. وكثيراً ما يقول الموظفون بأن "وظيفتي لا معنى
لها" عندما تكون روتينية أو عندما لا يتوافق عمله مع قيمه أو قدراته أو مبادئه[5].
2.
الكفاءة (Competence): الشعور بالاقتدار
والمهارة والكفاءة أمر هام جداً وهذا في حقيقة الأمر يعبر عن مدى اعتقاد الفرد
وثقته بقدرته على القيام بمهام عمله بمهارة عالية (Gist، 1987، Spreitzer، 1995)[6].
3.
الاستقلالية وحرية التصرف (Self-Determination): إضافة إلى الشعور
بالاقتدار والكفاءة فإن الاستقلالية تعبر عن شعور الفرد بحريته بالاختيار عندما
يرتبط الأمر بالإنجاز، وعمل
الأشياء. فيصبح له الحق في اختيار البديل المناسب لتنفيذ العمل، بما يتناسب مع وجهة نظره، وتقديره الخاص (Deci، et al، 1989)[7].
4.
التأثير (Impact): وهي درجة تأثير
الفرد في نتائج المؤسسة الاستراتيجية والإدارية والتشغيلية (Ashforth، 1989)[8].
تفويض السلطة أو الصلاحية (Delegation of Authority)
يعد تفويض السلطات مفهوماً محدوداً وقاصراً عن مفهوم التمكين ومقتضياته. فتفويض السلطة يقتصر على منح المرؤوس سلطات محددة من
قبل الرئيس، الذي يمكنه استردادها في أي وقت شاء، ضمن أسس
وقواعد رسمية محددة. كما تفتقد عملية التفويض لمتطلبات أساسية لا تتوافر إلا في التمكين؛ مثل الشعور الذاتي بالمسؤولية والثقة
بالنفس، وقيمة الواجب المناط بالموظف، ومستوى تأثير الموظف، وتأثير العمل في تحقيق نتائج للمؤسسة، وللآخرين، إضافةً إلى الشعور بالاستقلالية، وحرية التصرف، وهذا ينطلق من أعلى إلى)أسفل من خلال التسلسل الرئاسي ونطاق
الإشراف التقليدي(Nelison, 1986;
Conger and Kanungo, 1988; Burke, 1986)[9].
5.
وهنالك من ينظر
إلى التفويض على أنه جزء من عملية التمكين ومرحلة ابتدائية من مراحله (Thomas and Velthouse, 1990).
أساليب التمكين المعاصرة
وعلى أي حال فالكتابات المعاصرة حول التمكين تطرقت إلى عدة اتجاهات وأساليب في
التمكين منها:
أسلوب القيادة
يعـد تمكين المرؤوسين مـن الأساليب القيادية الحديثةالتي تساهـم في زيادة فاعلية المؤسسة (Bennis,
1989، Kanter, 1989,
McClelland,1965 )[10]
وأسلوب القيادة هذا، يقوم على
دور القائد أو المدير في تمكين الموظفين. وهذا الأسلوب يشير إلى أن المؤسسة الممكّنة هي تلك المؤسسة التي تتضمن نطاق إشراف واسع، بمعنى أن نسبة الموظفين إلى المديرين نسبة عالية بالقياس إلى هذه
النسبة في المؤسسات
التقليدية، وتتضمن أيضاًَ منح صلاحيات أكبر للمستويات الإدارية الدنيا
في المؤسسة (Malone, 1997،)[11]. وهذا الأسلوب يركز بشكل خاص على تفويض
الصلاحيات أو السلطات من
أعلى إلى أسفل.
أسلوب تمكين الأفراد
يتمحور هذا الأسلوب حول الفرد بما يسمى "تمكين الذات". ويبرز التمكين هنا عندما تبدأ العوامل الادراكية (Cognitive)للفرد بالتوجه نحو قبول المسؤولية والاستقلالية في اتخاذ
القرار. هذا وقد
توصلتSpretizer 1996))[12]
إلى أن الموظفين المتمكنين يمتلكون مستويات أكبر من السيطرة والتحكم في متطلبات
الوظيفة، وقدرة أكبر على استثمار المعلومات، والموارد على المستويات الفردية، وعلى الرغم من أن التمكين هنا ينظر له على أنه تجربة
فردية في التحكم والسيطرة وتحمل المسؤولية، إلا أن هنالك أساليب أخرى تقوم على التمكين
الجماعي وتمكين الفريق.
أسلوب تمكين الفريق
إن التركيز على التمكين الفردي قد يؤدي إلى تجاهل عمل الفريق، لذلك رأى بعض الباحثين أهمية كبرى لتمكين المجموعة أو الفريق لما للعمل
الجماعي من فوائد تتجاوز العمل الفردي. وقد بدأت فكرة التمكين الجماعي مع مبادرات دوائر الجودةQuality
circles) ) في السبعينات والثمانينات من
القرن الماضي (Sims, 1986) [13]. والتمكين على هذا الأساس يقوم على بناء
القوة وتطويرها وزيادتها من خلال التعاون الجماعي والشراكة والعمل
معاً (Rothstein,
1995) [14]. يؤكد [15]Torrington
et al ( 2005)
أن عمل الفريق يعد أسلوبا يستخدم لتمكين
العاملين ومسوغا لتطوير قدراتهم وتعزيز الأداء المؤسسي، وأن تمكين الفريق
ينسجم مع التغييرات الهيكلية في المنظمات، من حيث توسيع نطاق الإشراف
والتحول إلى المنظمة الأفقية والتنظيم المنبسط (Flat Structures)بدلا من التنظيمات
الهرمية. هذا وإن منح التمكين للفريق يعطي للفريق دورا أكبر في تحسين مستويات
الأداء؛ لأن الإعتمادية المتبادلة (Interdependency)
بين أعضاء الفريق تؤدي إلى قيمة كبرى من استقلالية الفرد (Dependency)
. كما تتحقق القيمة المضافة (Added Value) من تعاون أعضاء الفريق عندما تتحقق شروط المهارة
والمعرفة لكل عضو من أعضاء الفريق، عندما يقدم كل منهم مساهمة نوعية تضيف
شيئاً جديداً إلى القرار الجماعي بدلا من الاعتماد على الرأي الفردي الذي يعّد
عرضة للخطأ والقصور.
مرحلة إدارة الجودة الشاملة والتمكين:
يرى دُعاة الجودة
الشاملة ضرورة تغير
العمليات والأنشطة التي تعمل على أساسها المؤسسة تمشيا مع تمكين الموظفين (Honold,
1997)،[16] ويعود هذا الأسلوب إلى آراء إدوارد ديمنق وأفكاره (Edward Deming)[17]
حول الجودة وإدارة الجودة الشاملة. ويقوم مفهوم إدارة الجودة
الشاملة على مبدأ أساسي وهو: عملية التحسين المتواصل والتدريجي في كل أبعاد المنظمة
ومجالاتها، من خلال انخراط الجميع و مشاركتهم الفاعلة في عملية التطوير
وتحسين الجودة. وهذا يحتاج إلى منح الموظفين أو العاملين نوعا من الحرية في التصرف
ونوعا من الاستقلالية والمساهمة في اتخاذ القرار وفي تحمل أعباء المسؤولية وتحقيق
التقدم للمنظمة؛ لأن الإدارة العليا لا يمكنها إحداث هذا التحسين الشامل لكل
مجالات المنظمة بمفردها فلا بد من انخراط الجميع في هذه المسؤولية. و لابد من أن
يتلقى الموظفون في برنامج إدارة الجودة الشاملة درجة كبيرة من التشجيع والدعم، من أجل فعل كل ما يستطيعون فعله بهدف التحسين والتطوير والنهوض في الجودة على مختلف
الصُعد من أجل
إرضاء الزبائن.
أسلوب الأبعاد المتعددة في التمكين:
يقوم هذا الأسلوب على الجمع بين الأساليب السابقة ويرفض اعتماد بُعداً أحادي الجانب لتفسير مبدأ التمكين Honold,
1997)) فيقول Honold, (1997) بأنه حتى تكون عملية التمكين فاعلة وناجحة فلا بد من أن
تقوم على جوانب وأسس متعددة. وهذه الأسس هي: التعليم، والقيادة الناجحة، والمراقبة الفاعلة، والـدعم والتشجيع المستمر، والهيكلة المناسبـة (Structuring) والتفاعل بين هذه
جميعاً.
من هنا فإن الجميع يعملون شركاء (Partners) ويأخذون زمام
المبادرة بشكل جماعي، من خلال
تفاعل الفريق المنظم، ويعملون
أيضاً على صنع القرارات الاستراتيجية (Garfield, 1993)[18]. وعلى هذا الأساس فالتمكين ليس شعوراً شخصياً
كأن يقول أحدنا: "أنا
اليوم أشعر بالتمكين" فهذا مستحيل دون مقومات هيكلية وعوامل تنظيمية ملائمة، إضافة إلى ملائمة العلاقات بين المديرين والمرؤوسين على أسس من الثقة والدعم
والتواصل، وتزويد الآخرين بالمعلومات الضرورية وغير
الضرورية لكي يشعر الفرد والفريق بشيء من المسؤولية تجاه نتائج الأداء المرغوبة. فعوامل الثقة والمعرفة والمهارة
والمعلوماتية والدعم والحوافز والقوة، من الأسس الهامة في تكوين فريق وفرد متمكنين من زمام الأمور في العمل وفي المؤسسه بشكل عام (Cogner
and Kanango, 1988).
آراء في التمكين
هناك في واقع الأمر جدل دائم حول موضوع التمكين وتعريف مصطلح التمكين، على الرغم من اتفاق الكثير من الكتاب وعلماء الإدارة
على عناصر أساسية متفق عليها في تعريف التمكين، إلا أن البعض ما زال يجادل في وضع مفهوم
واضح ومحدد للتمكين.
وعلى الرغم من ذلك فإن حقيقة المفهوم تعتمد بشكل أساسي على المناخ التنظيمي المناسب، وأهم ما في ذلك هو خلق الشعور بالمسؤولية
لدى أفراد المؤسسة وأنهم عند حسن ظن الإدارة في تحملهم لمسؤولياتهم (Bowen
and Lawer, 1995)[19]
ويؤكد ذلك مؤلف كتاب العادات السبع لأكثر الناس فاعلية في كتابه الشهير والأكثر
مبيعاً في العالم( (1999
Stephen Covey[20] الذي يُصر على أن الشعور بالمسؤولية هي الخطوة
الأولى والعادة الأساسية التي تقود إلى النجاح وإلى الفاعلية الفردية والجماعية.
إن المؤسسات الناجحة هي تلك التي تستخدم أنظمة إدارية متعددة لخلق بيئة عمل مشجعة وداعمة للتفكير
الاستراتيجي على مستوى الأفراد والمسئولين. ذلك التفكير الاستراتيجي الذي لا يرتبط
بالوظائف فحسب بل بها وبالمؤسسة على حد سواء، مع تبني مبدأ تحمل المسؤولية في إتقان وجودة الأداء. أي أن يصبح مبدأ
الإتقان في العمل وجودة الأداء مسؤولية الجميع وليست مسؤولية لجهة محددة.
ويُبدي بعض العلماء تحفظا تجاه تطبيق
مفهوم التمكين في المنظمات. فيؤكد البعض من أمثال[21]
Eccles (1993)
أن التمكين يتطلب جهودا جبارة من حيث إعادة هيكلة المؤسسة وعملياتها وأنظمتها
ومناخها التنظيمي، لبناء جو
من التمكين إن أردنا تحقيق نتائج ملموسة من ناحية الأرباح والإيرادات وغيرها من
النتائج.
إن فشل الإدارات في تطبيق هذا المفهوم يعود في أغلب الأحيان إلى سوء
تنفيذ التمكين ومتطلباته الأساسية، مثل: المناخ التنظيمي المناسب، وإيجاد الثقة والتعاون بين الموظفين والإدارة، وإيجاد سبل العلم والمعرفة والمؤسسة
المتعلمة، وإيجاد قنوات الاتصال الصحيحة وما تحمله
من معلومات، وإيجاد الحوافز التي تدفع من يتحمل
المسؤولية إلى مزيد من الفاعلية والنتائج الجيدة.
لذلك فالتمكين ليس حلاً سحرياً ولا علاجاً سريع الأثر، ولكنه برنامج تغيير وتجديد يسبقه برامج
متعددة لتهيئة
المناخ المناسب لتطبيق هذه الرؤية، والتي إن نجحت
أدت إلى نتائج نهائية باهرة على مستوى الفرد وعلى مستوى المؤسسة وعلى
مستوى الزبائن، فجميع هؤلاء
يمكنهم أن يستفيدوا من تطبيق هذا البرنامج ومن فوائده المتعددة. من الجدير ذكره
هنا أن هناك العديد من المنظمات التي نجحت في تطبيق مفهوم التمكين. وسيبين الفصل
الثامن من هذا الكتاب نماذج واقعية لمنظمات نجحت في تطبيق مفهوم التمكين.
فكما يقول Forrester (1995)[22] ويؤكد: إن كثيراً من برامج التمكين قد تفشل عندما
يصبح التركيز منصباً على القوة التي هي جزء لا يتجزأ من التمكين، دون إعادة توزيع المعلومات والمعرفة،
والمكافآت، وغيرها، ونشرها بالشكل المناسب، وتكون بعد ذلك النتيجة منح الموظف المباشر السلطة مثلاً لكي يتصرف
لصالح الزبائن وفعل ما يمكن فعله لإسعادهم، ولكن، مع الأسف، دون امتلاك التدريب الكافي والمهارة
الكافية ليتصرف بمسؤولية وعقلانية وفاعلية. لأنه أحياناً قد يتصرف الموظف بطريقة
خاطئة لمصلحة الزبائن، على سبيل المثال، ولكن على حساب المصلحة العامة للمؤسسة.
وفي هذا الاتجاه يقدم Bowen and Lawler (1995) معادلة التمكين التي تبرهن على أهمية بعض المقدمات والمقومات
التي قد تعتبر بمثابة عوامل أساسية لنجاح التمكين في المنظمة، وهذه
المعادلة:
"التمكين = القوة
× المعلومات × المعرفة × المكافآت"
وحسب Bowen
and Lawler (1995)فإن حاصل ضرب هذه العوامل الأربعة يبين أنه إذا كان أي عنصر من هذه العناصر مساوياً لصفر، فإن نتيجة التمكين الكلية سوف تكون صفراً.
وهذا يذّكر المديرين بعدم إعطاء الموظفين قوة أكبر دون إعطائهم
الدعم الكافي لممارسة هذه القوة وهذه الحرية، بذكاء وحكمه. وحسب رأي هؤلاء العلماء وتجاربهم التي
استخلصوها من المؤسسات التي قاموا بإجراء دراسات وبحوث عليها، فإنّ الممارسات الإدارية التي تعمل على بث
القوة والمعرفة والمعلومات والمكافآت، تمنح الموظفين حالة ذهنية خاص،ة وهي حالة التمكن والتمكين المنبثقة من الإمكانية والقدرة (Abilities and capabilities) والقابلية.
فإن توافرت تلك
الممارسات الإدارية توافر عندها التمكين، وإن توفر التمكين توافرت نتائجه المتعلقة برضا الموظف وشعوره بالأهمية وبالاستقلالية وبالمسؤولية وبالانتماء وبالعمل، لتحقيق أفضل النتائج من حيث الإنتاجية
والربحية وسمعة المؤسسة من خلال الجودة والنوعية.
فأصبح ضرورياً في هذا العصر نتيجة لأحداث عالمية ومستجدات إقليمية، وغير إقليمية أن تسعى المؤسسات إلى تحرير
البشر من العبودية المفرطة لقوانين وتعليمات ونظم وهيكل تنظيمي،
قد يقيد الفرد ويمنعه من التفكير الحر وحرية الاختيار والمفاضلة بين بدائل مختلفة.
وقد تصل بعض الممارسات الإدارية في بعض الدول وفي بعض المنظمات إلى مستوى استعباد
الموظف واستغلاله أبشع استغلال، من أجل الربح وتحقيق حصص مغرية للمساهمين
والمالكين. وترى الكثير من أدبيات التمكين أنه من الصعوبة بمكان تحقيق أفضل ما لدى
الفرد من جهود
جبارة ومشاركات فاعلة وطاقات متفجرة، في حين تصنع المنظمات في كل يوم سياسات وإجراءات تُمعن في معاملة أفرادها على أنهم
لصوص أو متهمون أو أطفال على الأقل.
ويجادلDeming (1982) المؤسس لمفهوم إدارة الجودة الشاملة في دور المديرين في إزالة كل العوائق التي تمنع الموظف من ممارسة
وظيفته بكفاءة وفاعلية. فيجب إعادة النظر في دور المديرين،
وإعادة تشكيل أدوارهم، واتجاهاتهم، وصياغتها، وبرمجتها من
جديد من أجل التخلي عن تلك الممارسات، التي تمنع العامل من القيام بكل ما
يمكن القيام به للوصول إلى مستويات أعلى من الكفاءة والفاعلية والإبداع.
ويؤكد Deming
أن هذه العوائق تحرم
الموظفين والعاملين الحق الطبيعي في الاعتزاز والفخر بالعمل وحقهم الطبيعي بالقيام بعملهم بشكل
جيد. لذلك فإن الإدارة التي تعمل على دعم أفرادها وتمارس رقابة محدودة على
تصرفاتهم فإنها تعزز روح الإبداع لديهم (Pfeffer and Veiga 1999.)[23]
وروح المبادرة والفاعلية.
كل ما سبق يوضح لنا أن التمكين لا ينشأ من فراغ أو في فراغ. وإنما يحتاج إلى
مقومات أساسية وهذه المقومات تحتاج إلى تأصيل وتعميق داخل المؤسسة، فأسس الثقة، والمعرفة، ونشر القوة، والمشاركة في الرؤية، والمعلومة تحتاج إلى تغيير في نوايا
الجميع، ومعتقداتهم، وسلوكياتهم، لتبني هذه الأسس، لكي تعمل كشروط أساسية، لإنجاح مفهوم التمكين[24].
الخلاصة
على الرغم من شيوع التمكين مصطلحاً ومنهجاً تطبقه العديد من المؤسسات بأشكال مختلفة، إلا أن هذا المصطلح بقي عصياً على الفهم والوضوح للكثيرين. فبينما يرى البعض التمكين على أنه تفويض للسلطة، يزعم آخرون(Bowen and Lawler, 1995) بأن تفويض السلطة والصلاحيات ما هي إلا جزء وشكل من أشكال التمكين، وأن التمكين هو في إعادة الحرية المسلوبة
من الفرد(Randloph, 2000) [25] تلك الحرية التي يمتلكها أصلاً بفطرته وبما يتوافر لديه من قدرات ذهنية وحسية تمكنه من
القيام بعمله باستقلالية وحرية. ومنهم من نظر إلى التمكين على أنه وهم وخيال من أمثال Argyris
(1998) و (Eccles (1993[26] ،كما ذكر سابقا.
ومنهم من رأي في هذا الحكم ظلماً على المصطلح وتجنياً على المفهوم من أمثال Forrester
(2000) الذي يؤكد أهمية التمكين وتوزيع السلطة ودفعها
للمستويات الإدارية المختلفة.وخاصة تلك المستويات ذات الاحتكاك المباشر بالزبائن وخطوط الإنتاج الأمامية.
و لكل من هؤلاء العلماء وجهة نظره التي قد يقدم لها المبررات ويسوق لها المعطيات التي
تساعده في إقناع الآخرين، وهذا بحد
ذاته يدل على أن موضوع التمكين هو مادة صالحة للبحث المستفيض لسبر أغوار هذا المفهوم من خلال
تمحيص الواقع، واختبار
هذا المصطلح من خلال الممارسة الحقيقية له، من أجل معرفة أبعاده وآثاره ومقوماتـه
ومتطلباته المختلفة (Melhem, 2004; Eylon, 1998)[27] وهذا يقودنا إلى مناقشة التمكين
وعرض مقوماته وشروطه ومرتكزاته الحقيقية والأساسية من خلال الفصل القادم.
[1] Kanter, R. M. (1989), When
Giants Learn to Dance: Mastering the Challenge of Strategy, Management, and
Careers in the 1990s, New York, NY: Simon and Schuster., Thomas, K. W., and
Velthouse, B.A. (1990), Cognitive Elements of Empowerment: An Interpretive
Model of Intrinsic Task Motivation, Academy
of Management Review, 15 (4) 666.
[4]
Thomas, K. W., and Velthouse, B.A. (1990), Cognitive Elements of
Empowerment: An Interpretive Model of Intrinsic Task Motivation, Academy of Management Review, 15 (4)
666-681.
[6]
Gist, M (1987), Self-Efficacy:
Implications for Organizational Behavior and Human Resource Management, Academy of Management Review, 12,
472-485.
[7]
Deci, E.L. Connell, J. P and Ryan, R. M (1989),
Self Determination in a Work Organization, Journal
of Applied Psychology, 74, 580-590.
[8]
Ashforth, B. E. (1989), The Experience of Powerlessness in
Organizations, Organizational Behavior
and Human Decision Processes, 207-242.
[9] Neilsen, E. (1986), Empowerment Strategies:
Balancing Authority and Responsibility, In Srivastra. S (Ed.), Executive power, San Francisco:
Jossey-Bass, 78-110., Burke, W. (1986), Leadership
As Empowering Others, In Srivastra, S (Ed.), Executive Power, San Francisco:
Jossey-Bass, 51-77.
[10] Bennis, W.
(1999), The End of Leadership: Exemplary Leadership is Impossible without Full
Inclusion, Initiative, and Cooperation of Followers, Organizational Dynamics, Summer, 28 (1), 71-80, McClelland, D.
Achievement Motivation Can be Develop (1965), Harvard Business Review,
43(1): 6-24.
[11] Malone,
T. W (1997), Is Empowerment Just a Fad? Control, Decision-making, and IT, Sloan Management Review, 38 (2), 23-35.
[12] Spreitzer,
G.M. (1996), Social Structural Characteristics of Psychological Empowerment, Academy of Management Journal, 39 (2),
483-504.
[13] Sims, H. P., Jr. (1986), Beyond Quality
Circles: Self-Managing Teams, Personnel,
52 (1), 25-31.
[14]
Rothstein, L. R. Hackman, J. R. Pascual, E.G. Mary, V. (1995), The
Empowerment Effort That Came Undone, Harvard
Business Review, 73 (1), 20-31.
[15] Torrington, D., Hall, L and Taylor, S (2005),
Human Resource Management, Sixth ed, Prentice Hall
[16] Honold, L (1997), A Review of the Literature
on Employee Empowerment, Empowerment in
Organizations, 5 (4), 202-212.
[17]
Deming, W.E (1982) Barriers Rob Workers of the Right to be Proud
of their Work, Quality, Productivity, and Competitive Position, MIT Centre for
Advanced Engineering Studies, Cambridge, MA.
[20]
Covey, S.R (1992), The 7 Habits of Highly Effective People:
Restoring the Character Ethic / Stephen R. Covey. London: Simon & Schuster.
[22] Forrester, R. (2000),
Empowerment: Rejuvenating a Potent Idea, Academy
of Management Executive, 14 (3), 67-80.
[23]
Pfeffer, J. and Veiga, J (1999), Putting People First for
Organizational Success, The Academy of
Management Executive, 13 (2), 37-48.
[26] Eccles (1993) and Argyris (1998), Op.
Cit.
[27]Melhem, Yahya (2004), The Antecedents of
Customer-Contact Employees' empowerment, Employee Relations, vol. 26, No. 1,
72-93. Eylon, D. (1998), Understanding
Empowerment and Resolving its Paradox: Lessons from Mary Parker Follett, Journal of Management History, 4 (1),
16-28.
إرسال تعليق