قاعدة تخصيص الأهداف المعروفة في القانون الإداري
                                                 
   وفقا لقاعدة تخصيص الأهداف المعروفة في القانون الإداري فرجل الإدارة مقيد عند إصداره القرار إداري بما حدد له القانون من هدف أو تحقيق وجه من أوجه المصلحة العامة ,فمن أجل بلوغه منح القانون رجل الإدارة سلطة إصدار القرار فإن هو استخدم هذه السلطة للوصول إلى هدف أخر و لو كان يهدف لتحقيق مصلحة عامة فإن قراره يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة الموجب لإلغائه ,ويعود الفضل في إبراز هذه القاعدة إلى مجلس الدولة الفرنسي الذي قام باكتشافها والإعلان عنها وعن الزاميتها بشكل صريح في أحكام كثيرة سنشير أليها لاحقا في متن بحثنا هذا وعده مبدأ قانونيا تلتزم بها هيئات الحكم في الدولة ومن بينها الإدارة مادام لم يرد نص قانوني يمنعها من ذلك, أما أذا لم يحدد القانون هدفا معينا للقرار الإداري وهي حالة طبيعية لاستحالة تحديد مسلك الإدارة و تحديد أهداف وغايات مزاولة نشاطها من قبل المشرع سلفا ,فللإدارة في هذه الحالة أن تبدع وتبتكر من خلال حرية اختيار تحقيق أية صورة للمصلحة العامة. ونستنج من كل ما تقدم بان الأثر القانوني لحياد مصدر القرار عن تحقيق الهدف الذي من اجله منحه القانون سلطة إصدار قرار أو أمر معين هو وقوع قراره باطلا يجوز إلغائه من الجهات المخولة بذلك وهي الإدارة المعنية والقضاء الإداري.
أهمية البحث :
    من المعروف أن من أهم الأعمال القانونية التي تقوم بها الإدارة إصدار القرارات الإدارية]1 [، ولكي تكون هذه القرارات مشروعة ينبغي أن يسعى من يصدرها إلى تحقيق الهدف المحدد الذي قصد المشرع تحقيقه بإصدار هذه القرارات, وإلا أضحى قراره باطلا ممكن إلغاءه أداريا وقضائيا,كما تأتي أهمية البحث في انحراف القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف في التشريع العراقي (دراسة مقارنة) ,ولندرة ما كتب في هذا الموضوع من قبل ذوي الاختصاص والباحثين بالشكل الذي يتناسب مع أهمية أثره القانوني في محيط القانون الإداري, مما دفع بنا إلى اختياره عنوانا لبحثنا وسيما نحن في العراق نخوض أولى خطوات بناء الدولة القانونية من خلال مراعاة مدى تمسك مؤسسات الدولة المختلفة عند إصدار قراراتها الإدارية بمبدأ سيادة القانون ومكافحة صور الفساد الإداري بمعالجات قانونية.
منهجية البحث :
    سنعتمد في هذه الدراسة على المنهج الوصفي ألتأصيلي المقارن، بصدد استجلاء الملامح والجوانب المختلفة لمشكلة البحث المتمثلة في انحراف القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف في التشريع العراقي (دراسة مقارنة)، وإلقاء الضوء على ركائز الإلغاء الإداري والقضائي بوصفه أثر لحياد القرار عن غايته المحددة بنص القانون ، من خلال القراءة الموضوعية، والتحليل المتعمق, للتشريعات الوطنية والأحكام القضائية الصادرة من المحاكم الإدارية في العراق ذات الصلة والقرارات الإدارية الصادرة بشان التظلم الإداري ذات الشأن بصحة القرار الإداري,والتشريعات المقارنة لدول أخرى وكيفية معالجتها من قبل محاكمها الإدارية, ومن خلال الرجوع إلى المراجع العلمية المتخصصة والدراسات والبحوث السابقة,وأعمال المؤتمرات,والمقالات ذات الصلة بموضوع بحثنا.
خطة البحث :
   اعتمد الباحث في خطته للبحث في هذا الموضوع على تقسيم البحث إلى ثلاث مباحث وعلى الشكل الآتي :
المبحث الأول : مفهوم قاعدة تخصيص الأهداف في إصدار القرارات الإدارية.
المبحث الثاني : أوجه انحراف القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف.
المبحث الثالث: الأثر القانوني لإنحراف القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف.
    وفضلا على ما تقدم فقد تضمنت الدراسة مجموعة من المقترحات والاستنتاجات.
المبحث الأول: مفهوم قاعدة تخصيص الأهداف في إصدار القرارات الإدارية.
     ترتبط قاعدة تخصيص الأهداف في القرارات الإدارية بحقوق الإفراد وتعسف الإدارة لذا يعدها البعض من المبادئ الجوهرية التي يجب على الإدارة احترامها والتقيد بها عند إصدارها لقرارها الإداري]2] وإلا كان جزاء مخالفتها إلغاء ذلك القرار لعيب " إساءة استعمال السلطة " أو عيب الانحراف بالسلطة]3] , بالرغم من أن للإدارة سلطة تقديرية في اختيار الهدف من إصدار قراراتها الإدارية بشرط أن يكون مأطرًا بإطار المصلحة وإلا تكون قد انحرفت بالسلطة, إلا انه في الغالب يقيدها المشرع بنص قانوني ضرورة تحقيق هدف معين أي وجه محدد من وجوه المصلحة العامة لإصدار قرارها وفي هذه الحالة ينبغي عليها ابتغاء ذلك الهدف بالتحديد وإلا وقع قرارها معيبا وباطلا ولو أثبتت أنها ابتغت المصلحة العامة لكن غير وجه المصلحة العامة الذي حدده القانون أي غير الهدف المحدد بنص القانون. وصورة مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف في إصدار القرار الإداري " هو أن يستهدف القرار الإداري غرضاً غير الغرض الذي من أجله منحت الإدارة سلطة إصداره]4]، ومثالها التقليدي أن تستخدم الإدارة سلطات الضبط الإداري لغرض غير المحافظة على النظام العام وإنما لغرض أخر وان كان متعلقاً بالصالح العام]5] كإصدار سلطات الضبط الإداري قرارات لتحقيق منافع مالية وهذا يشكل بطبيعة الحال خروجا صريحا على قاعدة تخصيص الأهداف مما يجعلها تلك القرارات باطلة وجديرة بالإلغاء]6] .
    ومن الضروري عدم الخلط بين هدف المقرر لإصدار القرار (غاية القرار الإداري) وسببه, فهدف القرار يتعلق بالجانب النفسي لمن اصدر القرار أي ما تسعى الإدارة إلى تحقيقه من إصدار القرار الإداري  ,بينما السبب يمثل حالة واقعية أو قانونية خارجية دفعت رجل الإدارة لإصدار القرار,]7] فالسبب أمر موضوعي مستقل وسابق على صدور القرار, فقد يصدر القرار الإداري مشروعاً فيما يتعلق بسببه إلا انه غير مشروع بالنسبة إلى الهدف من إصداره, ومن الأمثلة على ذلك كما لو صدر قرار أداري بمعاقبة موظف بسبب مخالفة أدارية إلا أن الإدارة لم تكن تقصد بقرارها هذا ردع الموظف وإنما لتحقيق غرض أخر يتعلق بمصلحة فرد آخر يراد أن يشغل وظيفة الموظف المعاقب بعقوبة الفصل,فهنا السبب هو ارتكاب مخالفة أدارية ومشروعية العقوبة واضحة من هذا الجانب إلا أن هدف فرض العقوبة هو غير الهدف المحدد قانونا لإصدار العقوبات الانضباطية تجاه موظفي الدولة مما يقع قرار فرض العقوبة والحالة هذه قرارا باطلا لتعيب غايته ولحياده عن الهدف المقرر لإصداره وهو ردع الموظف, كما أود أن أشير هنا بأنه ليس المقصود بهدف القرار أو غرضه الأثر المباشر الذي يترتب على صدور القرار فهذا محله وإنما المقصود به غرض أو هدف النشاط الإداري وهو تحقيق المصلحة العامة,فقرار منع دخول الأفراد إلى أو خروجهم من منطقة موبؤة محله عدم السماح لأحد بالدخول إلى ذلك المكان أو الخروج منه أما غايته فهي المحافظة على صحة الجمهور بمنع انتشار الوباء وبهذا تؤدي الإدارة جانبا من وظيفتها بحماية النظام العام في جانبه المتعلق بالصحة العامة.  وللوقوف بشكل أدق على قاعدة تخصيص الأهداف ارتأينا بحثها في مطلبين من هذا المبحث نخصص للتعريف بقاعدة تخصيص الأهداف مطلبا أولا ولعبأ أثبات مخالفتها مطلبا ثان.
المطلب الأول: التعريف بقاعدة تخصيص الأهداف.
    يقصد بقاعدة تخصيص الأهداف المعروفة في القانون الإداري تحديد المشرع الهدف الواجب على الإدارة تحقيقه لإصدار قرار إداري ما. فإذا تجاوزت الإدارة الهدف المحدد بنص القانون من إصدار القرار في قرارها, وحققت هدفاً غير الذي حدده المشرع نكون أمام حالة انحراف في استعمال السلطة]8]. وبمقتضى قاعدة تخصيص الأهداف يحدد المشرع صورة المصلحة العامة التي منح الموظف اختصاصاته لتحقيقها]9], وتعرف أيضا بأنها من أسس التنظيم الإداري والذي بموجبه يمنح الموظف اختصاصه في إصدار قراراته الإدارية لتحقيق قصد المشرع في مجال معين من المصلحة العامة]10]. وإذا ما خالف رجل الإدارة هذا الهدف فإن قراره يكون معيباً بإساءة استعمال السلطة ولو تذرع رجل الإدارة بأنه قد قصد تحقيق المصلحة العامة في مجال أخر]11]. ومن أمثلة مخالفة هذه القاعدة كثيرة في الحياة العملية منها القرار الذي يصدر بفصل موظف يكون باطلا أذا ثبت أن مصدر القرار لم يقصد من اتخاذ هذا الأجراء تحقيق مصلحة العمل وإنما كان يقصد إشباع شهوة شخصية بالانتقام من الموظف]12].
    والتخصيص في أهداف القرار الإداري قد يستفاد من صراحة النص ,مثال ذلك تحديد المشرع هدفا خاصا لقرارات وزير التجارة هو توفير المواد التموينية للمواطنين وتحقيق العدالة في توزيعها فإذا استهدفت هذه القرارات تحقيق غير الهدف المحدد كأن تستهدف أكبر عائد اقتصادي للدولة فإنها تكون مشوبة بالانحراف بالسلطة , وقد يستخلص الهدف المقرر من روح التشريع أو طبيعة الاختصاص ,فإذا لم يحدد المشرع الهدف من إصدار القرار الذي يتعين أن يحققه القرار يكون تحديد هذا الهدف متروكا لتفسير القاضي واستخلاصه لمراد المشرع وقصده,إذ له سلطة تقديرية في تحديد غاية القرار الإداري بكل الوسائل الممكنة كالرجوع إلى الأعمال التحضيرية والمذكرات التفسيرية وتتبع المناقشات التي دارت بصدد القانون.
المطلب الثاني: طريقة الطعن وإثبات عيب حياد القرار الإداري عن الهدف المقرر لإصداره.
    طبقا للقاعدة العامة الأصل في القرار الإداري الصحة ومطابقته للقانون ومن يدعي خلاف الأصل عليه يقع عبء الإثبات وعليه من يدعي حياد القرار الإداري عن الهدف المقرر لإصداره عليه عبء أثبات ذلك الحياد وبمختلف طرق الإثبات المتبعة قانونا, إذ لا معنى لان تصدر الإدارة قرارات معيبة أو غير مشروعة وهي تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة طبقا للقانون[13],وهذا ما أشارت أليه كثير من الأحكام القضائية في كثير من الدول كما هو الحال في فرنسا ومصر [14] والعراق وليبيا والمغرب, وبالرغم من ارتباط هذا العيب من عيوب انحراف السلطة بنية مصدر القرار يمكن للقضاء الإداري اللجوء إلى وسائل خارجة عن نفسية مصدر القرار وشخصيته لإثبات مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف والبحث في تفاصيل القرار الإداري المطعون فيه للتثبت وللوقوف على مشروعيته من مختلف الأوجه [15], وهذه الوسائل متعددة منها مراجعة القضاء إلى السبب الدافع إلى اتخاذ القرار في حالة ذكره في صلب القرار إذ ذلك يسهل الكشف عن نية مصدر القرار,نظرا لما بين السبب والغاية من علاقة وطيدة, ,كالبحث مثلا عن الدافع لإصدار رجل الإدارة للقرار لان ذلك قد يؤدي إلى معرفة نية مصدر القرار وهذا يوضح حقيقة مدى توخي الهدف المقرر قانونا لإصدار ذلك القرار[16] , كذلك للقضاء تقصي ظروف إصدار القرار بوصفها وسائل ممكن أن يسترشد القضاء بها للاستدلال عن صحة الطعن من عدمه عند نظر دعوى حياد القرار عن هدفه, فمثلاً التسرع في إصداره والمحاولات المتكررة من جانب الإدارة لاستبعاد احد المتقدمين بعطاء في المناقصة يكشف عن انحراف في السلطة[17], والمراسلات السابقة واللاحقة والمناقشات التي صدرت عن الإدارة فيما يتعلق بالقرار يمكن أن يدخلها القضاء ضمن ملف الدعوى الذي يرجع أليه للكشف عن وجود هذا العيب وفي هذه الحالة قد ينتقل عبء الإثبات إلى الإدارة ذاتها وعليها أثبات المصلحة العامة أو الهدف الذي حدده القانون عند إصدارها القرار الإداري[18] كما هناك قرائن من شانها أن تشكك في نوايا الإدارة وصحة غايتها مثال ذلك ما أكده مجلس الدولة الفرنسي بان المحاولات المتكررة من جانب الإدارة لاستبعاد احد المتقدمين بعطاء في المناقصة بالرغم من تحقق الأهداف المبتغاة والخاصة والتي من اجلها منحت الإدارة صلاحية الإعلان عن تلك المناقصة تعد من قبيل الانحراف والإساءة للسلطة[19].
   ويرى أستاذنا الدكتور محمد علي جواد هنالك تلازم بين حياد القرار الإداري عن غايته وبين سلطة الإدارة التقديرية[20] ,فيكثر وقوعه كلما كانت للإدارة  سلطة تقديرية غير مقيدة في اختيار الهدف من إصدار قرارها,وفي ذلك تقول الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة في العراق في قرار لها بان( السلطة التقديرية للإدارة ليست مطلقة وإنما تخضع لرقابة القضاء لفحص قراراتها والتأكد من خلوها من التعسف في استعمال هذه السلطة )[21],وبوصف مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف في إصدار القرارات الإدارية تعد إحدى صور عيب "إساءة استعمال السلطة" ، لذا نرى من الضروري استعراض أحكام القضاء الإداري حول طريقة أثبات هذا العيب,فتقول محكمة العدل العليا الإدارية في الأردن بأن (( صور عيب إساءة استعمال السلطة لا تكون محل أثبات بسيطة ألا عند استعمال الإدارة لسلطتها التقديرية. ولا يتصور أثارته عندما تكون سلطتها في إصدار قرارها مقيدة بشروط محددة)), وفي قرار للقضاء الإداري الليبي بهذا الصدد يوجب لإثبات عيب انحراف الإدارة عن الأهداف المحددة لها قانونا أن تكون الأدلة ضد الإدارة ثابتة وقاطعة الدلالة على وجود هذا العيب ففي قرار له جاء فيه (( أثبات عيب إساءة استعمال السلطة من جانب الإدارة وفقا للأهداف المنوط لها تحقيقها ولما يصاحب اتهام الإدارة به من أهدار لاحترامها وهيبتها والحد من حريتها في مباشرة سلطتها التقديرية لا يكفي فيه مجرد الزعم والظن ولإطلاق المرسل من القول، بل يتطلب أدلة ايجابية قاطعة أو قرائن واضحة ومقنعة يقدمها مدعي هذا العيب، أو يمكن استخلاصها والتحقق منها بإقرار الإدارة نفسها أو من فحوى الأوراق المقدمة والظروف المحيطة بإصدار الإدارة لقرارها أو الامتناع عنه)). كما وصف القضاء الإداري في مصر عيب مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف وعيب انحراف السلطة عموما من العيوب القصدية ,قوامه أن يكون لدى مصدر القرار قصد إساءة استعمال مما خول به من إصدار للقرارات الإدارية[22],مما يصعب إثباته على خلاف أوجه الإلغاء الأخرى. فعلى الطاعن أو المدعي أن يثير هذا العيب وان يثبت تحققه من خلال تقديم كافة أوراق هذه الدعوى وله الاستعانة بالظروف المحيطة بالقرار المطعون فيه بقصد الكشف عن هذا العيب.
    كما وصف مجلس الدولة الفرنسي الطعن بالإلغاء بالقرار الإداري لمخالفته قاعدة تخصيص الأهداف بأنه وسيلة احتياطية فلا يلجأ إلى ضرورة أثباته ألا أذا لم ينطو القرار على وجه آخر من وجوه الإلغاء ,لارتباط هذا العيب بنوايا ومقاصد شخصية وذاتية تتصل بنية مصدر القرار ونفسيته, ولقد استقر الفقه والقضاء في كل من مصر وفرنسا (( على أن يكون أثبات عيب إساءة استعمال السلطة عن طريق اعتراف الإدارة أو من ملف الخدمة والأوراق والظروف المحيطة بصدور الأمر(القرار) الإداري))[23].
     والقضاء الإداري المغربي في الوقت الذي ألزم على من يدعي عدم صحة وعدم مشروعية القرار الإداري أن يثبت العكس دأب إلى جانب مراعاة الشروط الشكلية في إصدار القرارات الإدارية على مطالبة الإدارة بتعليل إصدار القرار الإداري بتقديم جميع الحجج التي أدت إلى اتخاذ القرار الإداري في حالة الطعن فيه لعيب في غايته وهذا من قبيل تسهيل مهمة المدعي في أثبات ادعائه لا غير[24], وتنص المادة 20 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية على أن( كل قرار أداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون يشكل تجاوزا في استعمال السلطة ويحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة), ولا بد من التذكير هنا بان نص هذه المادة في القانون المغربي لا يشترط أن تكون العيوب الخمسة مجتمعة كلها في القرار المطعون فيه بالإلغاء بل يكفي قيام أي عيب منها ليقرر القضاء الإداري إلغائه.
    وفي العراق فان إمكانية تقديم الطعن في القرار الإداري لحياده عن الهدف المقرر لإصداره يمكن استنتاجه من فحوى الفقرة(هـ) من نص المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة المعدل رقم 65 لسنة 1979 والتي ساوت بينه وبين أوجه إلغاء القرار الإداري الأخرى بوصفها طعونًا خاصة بالقرارات الإدارية ولا يجوز للمحكمة أن تتصدى لهذا العيب من تلقاء نفسها وإنما ينبغي لنظر المحكمة من طعن يتوجه به المعني بالقرار المعيب, و الأصل في القانون العراقي صحة القرار الإداري لكن يجوز أثبات العكس والطعن فيه أذا ما شابه احد عيوب القرار الإداري الواردة في نص المادة المذكورة أنفا والمذكورة على سبيل الحصر وهي الخطأ في تطبيق القوانين أو الأنظمة أو التعليمات أو في تفسيرها أو فيه إساءة أو تعسف في استعمال السلطة".وتحددت الأسس التي يبنى عليها النظام القانوني في العراق على قاعدة إناطة الولاية العامة بالقضاء للنظر في جميع المنازعات مالم يكن هنالك نص قانوني يقضي بخلاف ذلك, فتمتد رقابة القضاء الإداري لإلغاء كل قرار أداري إذا ثبت له بان رجل الإدارة قد حاد في إصداره لقراره عن الهدف المقرر له بنص القانون ، ورقابة القضاء لإثبات وجود هذا العيب تمتد إلى فحص الوقائع حتى تتحق من تحقق الهدف من إصدار القرار المطعون فيه وكشفه من كنف غموضه حماية لحقوق المواطنين[25]، كما سرى القضاء الإداري في العراق حسب ما جاء في قرار الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة ذي رقم 279/298/انضباط/تمييز/2006 بان السبب ركن من أركان القرار الإداري مما يتعين ذكره وإلا كان القرار معيبا,وبلا شك أن ذكر السبب في القرار يسهل مهمة المدعي والطاعن لإثبات ادعائه بعدم مشروعية القرار الإداري محل الطعن, ورقابة الوقائع هي وسيلة ابتدعها مجلس الدولة الفرنسي وتبعه في ذلك مجلس الدولة المصري، وقد اتخذت هذه الوسيلة من أجل التثبت يقيناً من تحقيق القرار لغايته المقررة في القانون وإلا ترتب عليه استحقاقه للإلغاء.



المبحث الثاني: أوجه انحراف القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف.
    بالرغم من أن للقضاء الإداري في العراق له صلاحية الفصل في الدعاوي المقامة على القرارات الإدارية المعيبة ,ألا أننا نجد قراراته وفتاواه الصادرة بشان مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف بشكل خاص وتعيب ركن الغاية في القرارات الإدارية بشكل عام لا وجود لها إلا قليل,ويعزى السبب في ذلك إلى أمرين ,الأول القضاء الإداري في العراق حديث النشأة,إذ كان العراق حتى عام 1989 مطبقا للنظام القضائي الانكلوسكسوني القائم على منح القضاء العادي الولاية العامة لكافة المنازعات القضائية, والأمر الثاني يعود للاستثناءات الواردة على الولاية العامة للقضاء الإداري في النظر في صحة القرارات الإدارية بوصفها قيودا ترد على أرادة المحكمة والتي وردت في نص الفقرة الخامسة من ثانيا من المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979 والتي تمنع المحاكم الإدارية في العراق من إبداء الرأي والمشورة القانونية في القضايا المعروضة على القضاء وفي القرارات التي لها مرجع قانوني للطعن أو رسم القانون طريقا للتظلم منها أو الاعتراض عليها ومن أمثلة الاستثناءات الواردة في القوانين العراقية القرارات الصادرة عن الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث لان لها مرجعا قانونيا للطعن وبموجب كتاب الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث المرقم (م/5/13) في 7/1/2004 هي اللجنة الوطنية لاجتثاث البعث,لذا قررت الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة في قرار لها بعدم الاختصاص للنظر في مثل هذه القرارات[26] ,كما حدد مجلس الوزراء بموجب أعمام صدر منه ذي العدد(5300) في 12/6/2005 اللجنة المشكلة بالأمر الديواني العدد(1822) في 1/3/  2003للنظر في الطعون التي يقدمها المفصولون السياسيون لمن يرفض طلبه بإعادته إلى الوظيفة ,وقد أصدرت الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة قرارا ذي الرقم 231/ انضباط/تمييز/2005 يقضي برد الدعوى لعدم الاختصاص فيما يتعلق بطلبات المفصولين السياسيين[27],إلا أن الوضع تغير وأسقطت هذه الاستثناءات وأصبحت كافة القرارات الإدارية خاضعة لولاية ونظر المحاكم الإدارية المختصة في العراق بموجب نص المادة 100 في الدستور العراقي الصادر عام 2005 والتي جاء فيها ( يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار أداري من الطعن), وبالرغم من وجود النص الدستوري المشار أليه أعلاه نجد بعض الإدارات لا زالت تعمل بنصوص تبيح تحصين القرارات الدارية من الطعن  ومثال ذلك سريان العمل بفحوى الفقرة الثانية من المادة(38) من قانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم (40) لسنة 1988 المعدل والتي تقضي بمنع المحاكم من النظر في دعاوى منح الألقاب والشهادات العلمية والفخرية .وعلى أية حال من خلال استقرائنا لنص المادة (100) من الدستور الحالي نجدها قد أسقطت الاستثناءات المنصوص عليها في المادة (7/خامساً) من قانون مجلس شورى الدولة وبالتالي لم تعد شيئا مذكورا ولا مجال استثناء أي قرار من نظر القضاء الإداري صاحب الحق في النظر في الطعون الموجه ضد القرارات الإدارية المعيبة,كما أن المستقرأ لأحكام القضاء الإداري سواء في العراق أم فرنسا أم مصر نجد التعدد والتنوع في أساليب حياد الجهة الإدارية في قراراتها عن الأهداف المقررة لإصدارها, وللوقوف بدقة على أحكام القضاء الإداري بشان هذا الموضوع ارتأينا حصر ما أمكن من الأساليب والأمثلة الأكثر وقوعا والتي يتضح فيها انحراف الإدارة عن قاعدة تخصيص الأهداف في إصدار قراراتها الإدارية لنتطرق أليها في المطالب الآتية :

المطلب الأول: نقل الموظفين كجزاء تأديبي.
     ينبغي في كل حالات نقل الموظف أن يكون نابعا من الرغبة في تحقيق مصلحة العمل و تيسير أدائه ورفع مستوى الخدمة التي تؤديها الجهة الإدارية وإلا كان قرار النقل غير مشروع يستحق الإلغاء , كما يجب أن يكون قرار النقل مقصودا لذاته, أما إذا اتخذت الإدارة ما منحت من سلطة تقديرية في النقل لتحقيق أغراض أخرى,فإن القضاء قد جرى على إلغاء تلك القرارات ,فلا يجوز للإدارة مثلا أن تتخذ من نقل الموظف وسيلة تأديبية على خلاف ما قرره القانون من إجراءات وهي بصدد استخدام سلطتها في مجال نقل موظفيها أو وضع تقارير تقييم كفايتهم ,وقضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بإلغاء قرار نقل قصد به الانتقام من موظف إذ  ثبت أن النقل رغما عن موافقة الموظف وإلى جهة مجال الترقي فيها مقفول وذلك بهدف حرمانه من مزاياه وترقية غيره في الدرجة الوظيفية التي كان يشغلها من قبل ,وجاء في حكم المحكمة بشأن هذه الدعوى (ابتدعت الإدارة نوعا من الجزاء التأديبي لم ينص عليه القانون وأوقعته على المدعي بغير سبب يبرره,إذ أن رفع المدعى لتقرير عن صناديق النذور إلى السيد رئيس الوزراء يعرض فيه مقترحاته بشأنها هو حق مشروع للمدعي... وما كان يجوز للجهة الإدارية أن تضيق بهذا النقد البناء وان تتخذ من سلطة النقل المكاني أداة لمجازاة المدعي,ومن ثم كان قرارها مخالفا للقانون مشوبا بسوء استعمال السلطة لتحقيق غير الغرض المطلوب) [28].وذهبت محكمة القضاء الإداري في مصر إلى ابعد من ذلك, إذ اشترطت في قرار لها لمشروعية قرار النقل أن تفصح الإدارة عن وجه صالح العام الذي حدا بها إلى إصداره, وبهذا خالف الحكم قرينة الصحة المفترض توافرها في جميع قرارات الإدارة إلى أن يثبت العكس,وخالفت المحكمة الإدارية العليا حكم محكمة القضاء الإداري هذا وذهبت إلى أن الأصل هو أن القرار الإداري يقوم على غرض صحيح قانونا و أنه يصدر بقصد تحقيق الصالح العام و بغية سير المرافق العامة إلى أن يثبت العكس وانتهت إلى أنه لا يجوز أن ينسب الخطأ إلى الجهة الإدارية لمجرد أنها لم تبين وجه الصالح العام عند إصدارها قرار النقل. لكن حددت المحكمة الإدارية العليا شروطا لنقل موظفي الإدارة هي أن يكون هدفه هو تحقيق الصالح العام وألا يفوت على الموظف فرصة الترقي و ألا يكون متضمنا جزاء مقنعا.كما بلورت المحكمة الإدارية العليا المصرية صورة هذا العيب في قرارها الذي جاء فيه( الجهة الإدارية هذه انحرفت بسلطتها في نقل الموظفين من مكان إلى أخر عن الغاية .. وبذلك تكون قد ابتدعت نوعا من الجزاء التأديبي لم ينص عليه القانون وأوقعته على المدعي عليه بغير سبب يبرره...)[29].
      وألغى مجلس الدولة الفرنسي قرار نقل موظف بسبب استناده إلى دوافع شخصية لا إلى المصلحة العامة,وانتهى على أن هذا القرار مشوب بالانحراف في استخدام السلطة.
   وفي هذا الصدد قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بان قرار نقل موظف وان كان يتجلى من ظاهره انه اتخذ لتحقيق المصلحة العامة في صورتها المتمثلة بتسيير المرفق العام وحسن أداء العمل فانه في باطنه جاء متضمنا في طياته قرارا تأديبيا مقنعا باعتبار أن نية الإدارة اتجهت إلى عقابه ( للحيلولة بينه وبين ممارسة نشاطه النقابي ) من غير إتباع الإجراءات المقررة لذلك وبذلك تكون قد انحرفت بسلطتها في إصدار هذا القرار لتحقيق هذا الغرض المتستر ويكون قرارها بمثابة الجزاء التأديبي مما يجعله مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة ومعرضا للإلغاء[30]. كما قضت المحكمة الإدارية بمراكش وفي نفس الاتجاه بان إصدار عقوبة تأديبية في حق موظف ثم أردافها بعد مضي يوم واحد من تاريخ استئنافه لعمله بقرار نقله لأجل المصلحة العامة دون سبب مصلحي حقيقي يدل بوضوح على انحراف الإدارة في استعمال سلطتها مما يتعين معه التصريح بإلغاء القرار المطعون فيه.
   والمشرع العراقي حينما منح الإدارة سلطة تقديرية لإجراء النقل النوعي من وحدة إلى أخرى أو من داخل الجهاز الحكومي و الهيئات العامة إلى القطاع العام أو العكس فإنه اشترط ألا يضار الموظف من جراء ذلك بألا يفوت على الموظف المنقول حقه في الترقية و ألا يكون النقل إلى وظيفة أقل درجة من الوظيفة التي يشغلها. وأورد قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991 العقوبات التي يجوز فرضها على الموظف وآثارها وإجراءات فرضها وطريقة الطعن ضدها ولم يكن النقل من ضمن هذه العقوبات المذكورة على سبيل الحصر لا المثال ,واخص القانون المذكور مجلس الانضباط العام إحدى هيئات مجلس شورى الدولة النظر في الطعون التي يرفعها الموظفون ضد العقوبات المفروضة عليهم , ولمجلس الانضباط العام وفقا للمادة (15) من القانون أن يقرر المصادقة على القرار لفرض العقوبة أو تخفيضها أو إلغائها, أما بشان أحكام المحكمة الإدارية في العراق بشان هذه الصورة من صور عيب الغاية في القرار الإداري نجدها متناقضة,ففي حكم تمييزي للهيئة العامة لمجلس شورى الدولة جاء فيه( لدى التدقيق والمداولة وجدت الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة..أن المميز عليه كان يعمل موظفا بعنوان خبير لدى المميز ..وقد اصدر المميز أمرا بنقله من وظيفة خبير إلى وظيفة مدرس ..ويطلب (المميز عليه) إلغاء هذا الأمر حيث أن نقل الموظف من وظيفته إلى وظيفة أدنى منها وراتب اقل مما كان يتقاضاه يعد تنزيل للدرجة وحيث أن تنزيل الدرجة هو بمثابة عقوبة يتطلب فرضها على الموظف أن تكون بناء على تحقيق أصولي تجريه لجنة تحقيقيه مشكلة وفق أحكام المادة( 10) من قانون انضباط موظفي الدولة...وحيث أن اللجنة التي أجرت التحقيق في الموضوع لم يتم تشكيلها وفق أحكام المادة(10) من قانون انضباط موظفي الدولة ولم تجر تحقيقا أصوليا مع المميز عليه ..كل ذلك يجعل  قرار المميز بنقل المميز عليه من وظيفة إلى وظيفة أدنى مخالفا للقانون ويضعه في أطار التعسف في استعمال السلطة)[31],ويتضح من هذا الحكم بان الهيئة العامة اشترطت لمشروعية نقل الموظف إلا يترتب عليه ما يترتب على العقوبة التأديبية من آثار, فالنقل ليس بعقوبة,وينبغي لفرض عقوبة مراعاة الإجراءات التحقيقية الأصولية مع الموظف الواردة في قانون انضباط موظفي الدولة , وفي ذلك أيضا تقول الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة في العراق في قرار لها( من حق رئيس الدائرة نقل الموظف أو تنسيبه ضمن مديريات الدائرة ولا يعتبر متعسفا في ذلك مادام النقل يستند إلى أسباب معتبرة ولا يعتبر الموظف متضررا من هذا النقل مادام محتفظا بمركزه الوظيفي)[32].وبالرغم من ذلك للهيئة العامة قرار ذي الرقم 218 /انضباط/تمييز/ في11/9/ 2006 يتناقض وفحوى القرار الذي ذكرناه في أعلاه (موضوعه تمييز وتصديق قرار لمجلس الانضباط العام برد دعوى الطعن بقرار نقل موظفة) والذي تتلخص وقائع ذلك القرار (وبعد أن ادعى المجلس كل من المدعية (المميزة) والمدعي عليه إضافة لوظيفته والاستماع إلى أقوالهما وبعد أن تأكد له من خلال المعلومات التي قدمتها ممثلة المدعى عليه(وزير المالية) أن المدعية لا تلتزم بواجباتها الوظيفية ولا تعير الاحترام لرؤسائها من خلال عدم تنفيذ الأوامر الصادرة أليها أو الإجابة على الاستفسارات الموجه أليها بالرد عليها بكلمات لا تأتلف وواجبات الموظف المنصوص عليها في المادة (4) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991...كما أنها أقرت باشتغالها بعد أوقات الدوام الرسمي منذ عام 1980 ولغاية 2003 في شركات ومجموعات مقاولين في القطاع الخاص دون أذن من الدائرة حسبما نصت عليه المادة (6/ثانيا) من قانون الانضباط المذكور وهو احد الأسباب التي استندت أليها المصرف في نقلها خارج ملاكه..ولموافقة الحكم المميز للقانون قرر تصديقه ورد الاعتراضات التمييزية ...وصدر القرار بالاتفاق.. )[33], وبعد استقرائي لهذا القرار اتضح لي بان الهيئة العامة في قرارها هذا حكمت برد اعتراض المدعية بان قرار النقل صدر بدون وجه حق , لتحكم الهيئة في قرارها هذا بصحة قرار نقل المدعية مستندة في ذلك الحكم لاشتغال المدعية بعد الدوام الرسمي بدون أذن من الدائرة  ولعدم التزامها بواجباتها الوظيفية المقررة في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 ,واتضح لي كذلك بان الهيئة بحكمها هذا حادت عن الصواب مما يشكل سابقة قضائية خطيرة لا بد من الوقوف عندها في بحثنا هذا,لان قرار نقل الموظفة الذي عدته الهيئة صحيحا من الناحية القانونية دون أن تلتفت في قرارها هذا إلى أن قرار نقل هنا جاء لغرض وكجزاء تأديبي ,ومن المتفق عليه فقها وقضائيا في أي حال من الأحوال وهذا ما قررته الهيئة نفسها في قرارها ذي الرقم288/انضباط/تمييز/2006 لا يمكن أن يكون قرار نقل الموظف بمثابة عقوبة لإخلال الموظف بواجباته الوظيفية لان العقوبات التي ممكن معاقبة الموظف بإحداها مذكورة على سبيل الحصر في قانون انضباط موظفي الدولة ولم يكن نقل الموظف من ضمنها كعقوبة تأديبية ,وإنما من المتفق عليه بان قرار نقل الموظفين ينبغي أن يصدر مقصودا لذاته بغية لتحقيق مصلحة العمل وتيسير أدائه وبانتظام هذا ما أكدته الهيئة العامة أيضا في قرارها ذي الرقم297/298/ انضباط/تمييز/2006,لذا كان الأجدر بالمحكمة بدلا من أن تحكم بصحة القرار الصادر من المدعى عليه إضافة إلى وظيفته أن تتعمق في التحقيق وتطلع على الدوافع الحقيقية لنقلها لتحكم بإلغاء قرار النقل غير المبرر بوصفه قرارا غير مشروع لحياده عن الهدف المحدد لإصداره قانونا مما يعيب ركن الغاية فيه ويجعل من قرار المميز عليه (وزير المالية) بنقل الموظفة من مصرف العراق-فرع الكرادة إلى قسم الرقابة والتدقيق في الإدارة العامة للمصرف ومن ثم نقلها إلى دائرة التقاعد العامة مخالفا للقانون ويضعه في أطار التعسف في استعمال السلطة(سلطة النقل لمقتضيات العمل) .كما وقعت الهيئة في ذات الخطأ في قرارها رقم 320/ انضباط/تمييز/ 2006,إذ حكمت الهيئة بصحة قرار رئيس الدائرة بإحالة الموظف على التقاعد لثبوت أخلاله بوظيفته إخلالا جسيما ومتعمدا واتخذ هذا الإخلال شكل المتاجرة بالوظيفة مما لا يعد مناسبا بقائه فيها,إذ كان على المحكمة حسب رأيي أن تحكم بعدم مشروعية قرار إحالة الموظف على التقاعد لإخلاله بالوظيفة لان الإخلال مخالفة تأديبية والتصدي لها لا يكون بقرار إحالة المخالف إلى التقاعد وإنما تشكل بشان ذلك لجنة تحقيقية وإذا ثبت تقصيره الوظيفي الجسيم والمتعمد تقترح اللجنة معاقبته بأحد العقوبات الواردة في قانون انضباط موظفي الدولة والمذكورة على سبيل الحصر ولم ترد إحالة الموظف على التقاعد من ضمنها بوصفها عقوبة لمن يخل بواجبات وظيفته.

المطلب الثاني: استخدام سلطات الضبط الإداري لأغراض غير وقائية للنظام العام .
     لقرارات سلطات الضبط الإداري هدف محدد, وهو المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة وهي [ الأمن العام, السكينة العامة,الصحة العامة) ,فإذا استعملت الإدارة سلطاتها في هذا الصدد لغير هذا الهدف كان قرارها مشوبا بعيب الانحراف بالسلطة. وذهب مجلس الدولة الفرنسي في أحكامه السابقة على عام 1930 إلى إلغاء مثل تلك القرارات ففي قضية عيدان الثقاب التي تتلخص وقائعها بان الحكومة الفرنسية رغبت في احتكار صناعة عيدان الثقاب, ولضمان عدم المنافسة من المصانع الأخرى قامت بإغلاق المصانع التي لم تحصل على ترخيص سليم بمباشرة أعمالها وبالرغم من أن إغلاق تلك المصانع يدخل في نطاق النظام العام الذي تختص بتحقيقه سلطة الضبط الإداري, إلا أن مجلس الدولة الفرنسي ألغى قرار الغلق حيث ثبت لديه أن غايته ليس تحقيق النظام العام وإنما لمساعدة الإدارة ماليا وبذلك فقرار الغلق جانب الهدف المحدد قانونا لإصداره.ولقد تكرر هذا الإلغاء في أحكام أخرى عديدة لمجلس الدولة الفرنسي لذات السبب , ومن أمثلة ذلك إلغاء قرار المحافظ والصادر بنزع ملكية قطعة أرض مملوكة للسيد BARON إذ تبين للمجلس من الظروف المحيطة بالدعوى أن ما أعلنته البلدية من ضرورة المحافظة على الطابع الهادئ للمنطقة السكنية المجاورة للأرض المذكورة ليس من الأهداف التي لأجلها يتقرر نزع الملكية للمنفعة العامة. كما قضى بإلغاء قرار المحافظ الصادر بتقرير المنفعة العامة للأرض المملوكة للسيد SCHEWARTZ لإنشاء ملاهي و حمام سباحة, ذلك أن القرار لا يهدف إلى المحافظة على الصحة العامة و إنما يهدف إلى تطوير أنشطة الترفيه الخاصة بالبلدية[34].
    وقد كان لمجلس الدولة المصري ذات الموقف الذي يؤكد ضرورة احترام قرارات الإدارة للهدف الذي حدده المشرع لإصدارها وإلا قضى بإلغائها لخروجها على قاعدة تخصيص الأهداف,إذ قضى بإلغاء قرار احد العمد القاضي برفض التصريح بفتح باب ثان على الطريق العام لأحد الفنادق, إذ بعد تفحص غرض هذا القرار تبين للمجلس (بان قرار الرفض لم يكن يهدف إلى تحقيق الغرض المحدد له وهو تحقيق مصلحة متعلقة بالطريق العام وإنما كان يهدف إلى تحقيق مراقبة أفضل على الأعمال المتصلة بالدعارة بينما لم تخول سلطة العمدة في منح مثل هذا التصريح لحماية الآداب العامة,وإنما تحقيقا للمصالح المتعلقة بالطريق العام والتي تهم المعنيين به من محافظة على الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة وهذه عناصر النظام العام ,وبالرغم من أن هذا الهدف له صورة مصلحة عامة ألا انه مغاير للغرض الذي من اجله منح العمدة اختصاصه في إصدار قرار الرفض مما يبطل قرار الرفض وينبغي الحكم بإلغائه)[35].
    وسلكت محكمة القضاء الإداري في مصر ذات الاتجاه إذ قضت ( لا يجوز اتخاذ أي من التدابير أو الإجراءات التي يجيزها الشارع , لتحقيق هدف أخر مغاير للهدف الأساسي الذي قصد إليه الشارع و لو كان هذا الهدف محققا للصالح العام بمعناه لشامل , وذلك تطبيقا لقاعدة أصولية هي المصطلح على تسميتها قاعدة تخصيص الأهداف وجزاء مخالفة تلك القاعدة بطلان تلك القرارات لكونها مشوبة بالانحراف بالسلطة والذي يتمثل في عدم احترام الإدارة لركن الغاية من التشريع ) [36] .
المطلب الثالث: الخطأ في تحديد مدى الأهداف المنوط بالموظف تحقيقها.
    في هذه الصورة من صور الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف يستعمل رجل الإدارة سلطته التقديرية في تحقيق أهداف عامة غير منوط له تحقيقها, ولهذا الانحراف عدد من الصور لا حصر لها من أشهرها صورتين,الأولى منع الخدمات الإدارية عن أحد الأفراد لإجباره على إتيان تصرف معين,فألغت محكمة القضاء الإداري في مصر قرارا لقلم المرور بالامتناع عن تسليم أحد المواطنين رخصة سيارته التي استوفى شروط استخراجها وذلك بهدف إجباره على سداد الرسوم المتأخرة عليه لإحدى الجهات الحكومية. وفي هذه الدعوى وضع قلم المرور في تصور خاطئ وهو أنه كجهة حكومية مكلف بالدفاع عن مصالح باقي الجهات الحكومية وفي استيفاء حقوقها لدى الأفراد مستعملا في ذلك سلطته في منح أو منع استصدار تراخيص تسيير السيارات وقد دفعه هذا الاعتقاد الخاطئ إلى الحلول محل الجهة الحكومية الدائنة والتي كفل لها القانون من الوسائل ما يمكنها من استيفاء حقوقها, ويكون بتصرفه هذا قد استعمل سلطته في غير ما أعدت له ويكون قراره في هذا الشأن مشوبا بالانحراف بالسلطة حتى ولو كان هدفه تحقيق مصلحة عامة وهي تحصيل أموال عامة, وقد أيدت المحكمة الإدارية العليا مذهب محكمة القضاء الإداري في هذا الشأن حيث قررت إنه " لا يجوز لجهة الإدارة رفض منح الترخيص لأسباب أخرى يدخل تقديرها في مجال اختصاصها".أما الصورة الثانية فأنها تتمثل بالانحراف في استعمال سلطة الاستيلاء, ولهذا الانحراف عن طريق إتباع إجراءات الاستيلاء له عدة أشكال,إذ قد تلجا الإدارة إلى إجراءات الاستيلاء المؤقت بقصد الاستيلاء الدائم وذلك توخيا للسهولة وتفاديا لأتباع إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة مع ما تتسم به من بطئ وتعقيد. وقد قضت محكمة القضاء الإداري في مصر بأنه(( حيث أن المشرع حرص على وصف الاستيلاء بأنه مؤقت تمييزا له عن الاستيلاء نتيجة نزع الملكية... ومن حيث أن الحكومة أصدرت القرار المطعون فيه بالاستيلاء مؤقتا على ارض المدعيات .. تمهيدا لنزع الملكية على ما جاء في دفاعها, فاتجاهها واضح في أن وضع يدها منذ البداية بصفة دائمة, وسبيل ذلك أنما يكون باستصدار مرسوم خاص بنزع الملكية.أما الاتجاه إلى نظام الاستيلاء المؤقت فهو أمر غير سليم ويجافي ما استهدفه الشارع من هذا النظام على ما سبق إيضاحه))[37] .
   وفي نفس السياق ذهبت المحكمة الإدارية العليا في مصر إلى القول:" ومن حيث أنه في سبيل التحقق والتأكد من مشروعية قرار وزير التموين المطعون فيه والصادر بالاستيلاء على المخزن موضوع النزاع، وانه صادر بالفعل محققاً للغاية التي ابتغاها المشرع وهي ضمان تموين البلاد وتحقيق العدالة في التوزيع، لا مناص من الرجوع إلى مذكرة لجنة التموين العليا والتي على أساسها صدر القرار المطعون فيه، وإذا نكلت جهة الإدارة عن تقديم هذه المذكرة رغم تكليفها بذلك، فان هذا يعنى أن الأسباب والمبررات التي من أجلها رخص المشرع لوزير التموين الاستيلاء على العقارات ليست تحت نظر هذه المحكمة حتى تتأكد من قيام الحالة الواقعية التي تبرر للإدارة استعمال هذه الوسيلة الاستثنائية المقررة بالمرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين، ممالا يتوافر معه ركن الغاية اللازم لصحة القرار المطعون فيه ويضحى قرار الوزير صادراً من غير سند وجديراً بالإلغاء"[38]
     وألغى مجلس الدولة الفرنسي عدد من قرارات الاستيلاء الصادرة من الإدارة الفرنسية وسيما الصادرة في ظروف الحرب بوصفها ظروفا استثنائية تمتد إلى معظم نواحي الحياة, لذلك قضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء القرار الإداري الصادر بالاستيلاء على كمية جبن مملوكة للطاعن ,وقرر مجلس الدولة في هذا الحكم "وحيث إن قرار مدير التموين بالاستيلاء على كمية جبن مملوكة للطاعن من أجل توقيع جزاء عليه لقيامه بتصدير كمية جبن بطريقة غير مشروعة فإن الإدارة تكون قد استعملت حقها في الاستيلاء من أجل غرض أخر يختلف عن الغرض الذي تقرر هذا الحق من أجله و بناء عليه فإن قرار الاستيلاء يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة " [39].

المبحث الثالث: الأثر القانوني لانحراف القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف.
    إذا ثبت الطاعن صحة طعنه بحياد القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف أي عن الهدف المقرر لإصداره بنص القانون, وجب إلغاء القرار الإداري المعيب ومن تاريخ إصداره ,وتلزم الإدارة بان تتخذ جميع الإجراءات الضرورية واللازمة لإعادة الوضع كما كان عليه قبل صدور القرار الملغي ,كما على الإدارة التزام سلبي يتمثل بامتناعها عن اتخاذ أي أجراء أو كل ما من شانه أن يعرقل تنفيذ القرار الملغي ,ويسري اثر الحكم الصادر بشان هذه الخصومة بمواجهة الكافة وبالنسبة لجميع المحاكم والسلطات الإدارية ولكل من له مصلحة بالقرار المطعون فيه أو أن مركزه القانوني يتأثر به[40].إذ أن دعوى إلغاء القرار لحياده عن الهدف المقرر لإصداره لا يراد بها أساسا الاعتراف بحق شخصي وحمايته ، وإنما تهدف إلى حماية مبدأ تدرج القواعد والأعمال القانونية وتعمل على إزالة ما يخالفه لضمان مشروعية قرارات الإدارة [41]، ونستنج من كل مما تقدم بان الأساس القانوني لإقامة هذه الدعوى حماية النظام القانوني القائم على مبدأ المشروعية أي خضوع جميع الهيئات الحكومية والمنظمات الاجتماعية والأفراد للقانون[42],ويعد الإلغاء في هذه الحالة تطبيق لمبدأ المشروعية أي مبدأ خضوع القرارات الإدارية للقانون [43].وأجمع الفقه والقضاء على بطلان القرار الإداري إذا ثبت انه قصد به تحقيق هدف بعيد عن الهدف المقرر لإصداره وان كان يقع ضمن أطار تحقيق مصلحة عامة من نوع خاص لكنها ليست تلك التي أرادها المشرع بالتحديد[44].ويترتب على بطلان القرار الإداري المخالف لقاعدة تخصيص الأهداف في إصدار القرار الإداري استحقاق ذلك القرار للإلغاء وتجريده من قوته القانونية منذ صدوره [45], ,وموقف القانون العراقي من الأثر المترتب على مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف في إصدار القرارات الإدارية يمكن استنتاجه من خلال استقراء ما نصت عليه المادة السابعة في فقرتها الثانية بند(هـ) من قانون مجلس شورى الدولة المعدل رقم 65 لسنة 1979 على ما يأتي: " يعتبر من أسباب الطعن بوجه خاص ما يأتي... ثالثا ـ أن يتضمن القرار خطأ في تطبيق القوانين أو الأنظمة أو التعليمات أو في تفسيرها أو فيه إساءة أو تعسف في استعمال السلطة", وفي تطور قانوني مهم نص المشرع الدستوري في دستور العراق المؤقت لسنة 2005 في المادة (100) منه على انه (يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار أداري من الطعن) ، وهذا يعني إلغاء جميع الاستثناءات الواردة على ولاية القضاء الإداري سواء وردت في قانون مجلس شورى الدولة أو التي كانت تزخر بها القوانين العراقية الأخرى والتي قيدت نطاق الطعن إلى ابعد الحدود حتى أصبح الأصل هو عدم جواز الطعن والاستثناء جوازه ، مما يعني أن أمر الطعن بالقرار الإداري أصبح متاحا وممكنا أيا كانت جهة أصدراه ومهما علت مرتبة مصدره في الدولة أذا ما تعيب احد أركانه وخرق مبدأ المشروعية[46]ولم يراع الهدف المحدد بنص القانون لإصداره أو أساء مصدر القرار السلطة الممنوحة له, لذا يمكن القول بان إلغاء القرار في هذه الحالة قد يكون أداريا من قبل ألإدارة وقد يكون إلغاء قضائيا من قبل القضاء وهذا ما سنبحث فيهما بشكل واف في المطلبين الآتيين :

المطلب الأول: الإلغاء الإداري.
    ويقصد بالإلغاء الإداري قيام السلطة الإدارية سواء كانت مركزية أم غير مركزية بتصحيح الأخطاء التي تقع من قبلها عند إصدارها قرارا أداريا غير مشروع باطلا وإزالة آثاره لمخالفته لقاعدة تخصيص الأهداف في إصدار القرارات الإدارية,وبالتالي فان هذا الأجراء سيقطع الطريق على الشخص المعني بالقرار غير المشروع الطعن به قضائيا,وينبغي التمييز في هذا المجال بين القرارات التنظيمية (الأنظمة ،التعليمات ، اللوائح ) والقرارات الفردية، فللإدارة الحق في تعديل أو إلغاء قراراتها الإدارية التنظيمية في أي وقت تراه مناسبا لذلك لأن هذه القرارات أنما تنشيء مراكز تنظيمية عامة وتتضمن قواعد عامة مجردة كما هو حال التشريعات. أما القرارات الفردية ، كقاعدة عامة فلا يجوز إلغاؤها وقد ترتب عليها إكساب الشخص حقا شخصيا أو مركزا خاصا،إلا خلال ستين يوما من تاريخ صدورها وهي المدة المحدد للطعن أمام القضاء الإداري،إذ إنها بعد مرور هذه المدة تتحصن ضد الإلغاء القضائي فمن باب أولى أن تتحصن ضد الإلغاء الإداري ، أما أذا لم يولد القرار حقا خاصا كالقرارات الولائية أو الوقتية كقرارات ندب الموظفين ومنح الرخص المؤقتة فان أمر إلغائها جائز في أي وقت لأنها لا ترتب حقوقا مكتسبة. وإذا كان من المسلم به فقها وقضائيا انه لا يجوز الرجوع في القرار الإداري إلا أن ذلك لا يعني خلود هذا القرار بل أن آثار القرار قد تنتهي  وفقا للشروط التي ينص عليها القانون، فقرار تعيين موظف في وظيفة معينة يتأثر أذا فقد الموظف شرطا أو أكثر من شروط التعيين ويجوز لسلطة المختصة في التعيين أن تعمل على انقضاؤه عملا بأحكام المادة(6) في قانون الخدمة المدنية لسنة 1960 المعدل. 
   وأرى من باب درء مفسدة أولى من جلب منفعة أن تتريث الإدارة في العراق وعلى الأقل في حالات معينة في تنفيذ قراراتها المتظلم منها والمطعون بشرعيتها أمام القضاء الإداري, بشرط لم يترتب على ذلك ضرر محقق بمصالح الإدارة لا يمكن تلافيه بعد البت في التظلم أو الطعن القضائي, ويصف البعض التريث في تنفيذ القرارات المعترض عليها ضمانة لحقوق الأفراد[47].
المطلب الثاني : الإلغاء القضائي .
     يذهب الدكتور ثروت بدوي إلى أن الرقابة القضائية تعد ضمانة حقيقية للإفراد ,إذ يمثل القضاء بوصفه جهة مستقلة  ويتمتع بضمانات حصينة نصيرا للأفراد من اجل إلغاء أو تعديل أو التعويض عن القرارات التي تتخذها السلطات العامة المخالفة للقواعد القانونية المقررة[48],ويصف القضاء الإداري البعض بأنه وسيلة من وسائل الدولة الأساسية لحماية المشروعية في الدولة الحديثة ووسيلة رقابية متميزة عن الرقابة التي تباشرها الأجهزة الإدارية على أعمالها[49], فبالإضافة إلى حيازة القرار القضائي الصادر بشان إلغاء قرارات الإدارة المعيبة حجية مطلقة في مواجهة الإدارة والأفراد ويستطيع أن يتمسك بالإلغاء كل ذي مصلحة ولو لم يكن طرفا في الدعوى بينما لا تحوز قرارات الإدارة الصادرة بشان التظلم الإداري هذه الحجية[50] , فاستقلال القاضي وسعة اطلاعه القانوني يميزه في هذا الميدان عن رجل الإدارة عند مباشرة الأخير الرقابة الإدارية على القرارات الإدارية سواء الصادرة منه أم من الجهة الأدنى التابعة له, , ويتولى القضاء الإداري رقابته على مدى ابتغاء الإدارة من إصدار قرارها الإداري تحقيق الهدف المحدد قانونا لإصداره بناء على طعن يقدم من أصحاب العلاقة بهذا الشأن[51], فان ثبت مراعاة ذلك صح قرارها وان ثبت للقضاء بان الإدارة لم ترع الهدف المحدد بنص القانون أحق للقضاء المختص إلغاءه لحياده عن الهدف المقرر لإصدارهفي العراق فان الجهة القضائية المختصة لنظر الطعن في القرار الإداري لمخالفته الهدف المحدد له بموجب القانون هي كل من مجلس الانضباط العام ومحكمة القضاء الإداري ,ويمارس الأول اختصاصاته في مجال القضاء الإداري فيما يتعلق بشؤون الموظفين سواء تعلق بانضباطهم أو حقوق خدمتهم, أما محكمة القضاء الإداري اختصاصها البت في صحة القرارات الإدارية المطعون بها أمامها وبالتالي الحكم عليها أما بصحتها أو بطلانها وإلغائها والفقرة (د) من المادة 7 أوضحت الإجراءات الواجب أتباعها لممارسة اختصاصها والنظر في دعوى الإلغاء المقامة ضد القرارات الإدارية المعيبة ,من هذه الإجراءات وجوب تقديم تظلم إداري من قبل أصحاب العلاقة لدى الجهة الإدارية المختصة وهذا ما أكدت عليه الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة في العراق في قرارها رقم 12 /أداري/تمييز/2004ولم يحدد المشرع مدة للتظلم من القرار بعد صدوره كما هو الحال لمدة التظلم المحددة بشان تقديم الطعن أمام مجلس الانضباط العام وهي الثلاثون يوما , لذا يصف أستاذنا الدكتور محمد علي جواد إغفال التشريع تحديد مدة للتظلم من القرار المعيب بعد صدوره نقصا في التشريع بالمقارنة مع التشريعات المطبقة في الدول الأخرى التي تأخذ بالقضاء الإداري[52], إلا أن على الإدارة البت في هذا التظلم لمدة لا تتجاوز الثلاثين يوما من تاريخ تقديمه , وللمتظلم الحق بتقديم طعنه أمام المحكمة خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما تبدأ من تاريخ ورود إجابة الإدارة بالرفض صراحة أو حكما بمرور المدة الثلاثين يوما دون أن تبت الإدارة في التظلم, ومدة الستين يوما مدة سقوط للحق فإذا مرت ولم يقدم المتظلم طعنا أمام المحكمة سقط حقه في تقديم الطعن أمامها,وبالتالي يتحصن القرار المعيب من الإلغاء حفاظا على استقرار ألأوضاع والمراكز القانونية,وهذا ما أشارت أليه الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة في العراق في قرارها رقم 199 /انضباط/تمييز/2004 بقولها (مدد الطعن في الأحكام والقرارات تعتبر حتمية يترتب على عدم مراعاتها وتجاوزها سقوط الحق في الطعن استنادا لأحكام المادة(171) من قانون المرافعات المدنية رقم(83) لسنة 1969)[53], ومن المفيد أن نشير هنا بان ما ورد في المادة (171) من قانون المرافعات يتعلق بمدد الطعن بالأحكام القضائية وليس بالقرارات الإدارية واستناد قرار الهيئة العامة إلى نص هذه المادة ليس له سند قانوني إذ لا يصح المقايسة بين الأحكام القضائية والقرارات الإدارية بشان مدة جواز الطعن فيهما,وإذا استوفت الدعوى الشروط الشكلية وكامل شروطها على المحكمة الإدارية بعد التحقق من صفات الخصوم وفقا لمقتضى المادة(51) من قانون المرافعات المدنية رقم(83) لسنة 1969 النظر في الدعوى والدخول في التفاصيل, ويعد كل من مجلس الانضباط العام ومحكمة القضاء الإداري من هيئات مجلس شورى الدولة وعند عدم اقتناع الخصم في القرارات الصادرة من أحداها عليه تقديم الطعن للهيئة العامة خلال ثلاثين يوما من تاريخ تبليغه بالحكم أذا كان صادرا من مجلس الانضباط العام,أما أذا كان الحكم صادرا من محكمة القضاء الإداري فالطعن فيه تمييزا يكون أمام المحكمة الاتحادية العليا بعدما كان يتم أيضا أمام الهيئة العامة قبل صدور الأمر التشريعي الصادر من مجلس الوزراء المرقم (30) لسنة 2005 في 24/2/2005الذي جعل من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا النظر في الطعون المقدمة في أحكام محكمة القضاء الإداري,وبالإضافة إلى هاتين الهيئتين نصت المواد(24, 25) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 على تشكيل محاكم أدارية في المناطق الاستئنافية للجمهورية العراقية في بغداد حكما وفي المناطق الاستئنافية الأخرى ببيان صادر عن وزير العدل وفقا لما نظمته المواد(25,24,11) من ذات القانون,كما أوردت الفقرة(أ) من ثانيا من المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة حكما يفيد تشكيل محاكم للقضاء الإداري بناء على بيان صادر من وزير العدل في المناطق الاستئنافية للجمهورية العراقية وبناء على اقتراح يصدر من رئاسة مجلس شورى الدولة ينشر في الجريدة الرسمية.
    ونستنتج من كل ما تقدم بان القضاء الإداري العراقي نهج نهجا يساير ما استقر عليه القضاء الإداري المصري والفرنسي باشتراطه للنظر في صحة القرارات المعيبة أن يكون محل الطعن قرارا أداريا وليس من الأعمال العامة الأخرى كالأعمال التشريعية والقرارات القضائية[54] وان يكون مكتسبا شكله النهائي دون حاجة إلى تصديق سلطة عليا حتى يصبح قابلا للتنفيذ [55],ويفضل بعض الكتاب استعمال كلمة التنفيذي بدل النهائي[56],ولم يجز المشرع العراقي النظر في مثل هذه القرارات المعيبة تلقائيا من جانب القضاء فينبغي لنظر القضاء الإداري في هذه الدعاوي تقديم طعن قضائي يأخذ صورة دعوى إلغاء القرار الإداري لحياده عن هدفه المحدد بنص القانون.ولمحكمة القضاء الإداري أذا ثبت أمامها بان القرار الإداري معيب في ركن الغاية بمجانبته للهدف المحدد بنص القانون لإصداره,فلها صلاحية إلغائه كلا أم جزءا وإزالة آثاره بأثر رجعي والحكم بالتعويض أذا أصيب المعني بالقرار بضرر حقيقي ,ويكون لقرارها هذا اثر عام لا يقتصر على أطراف الدعوى[57].
الخاتمة والاستنتاجات والتوصيات:
   أود أن أشير في مسك ختام الحديث عن انحراف القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف وذكر صوره ,بان هذه الصور ذكرتها على سبيل المثال لا الحصر, إذ هناك صور أخرى أوردها القضاء الإداري يمكن أن تعد تطبيقا لمخالفة القرار الإداري لقاعدة في القانون الإداري ويكون ذلك مبررا لإلغاء القرار الإداري والتعويض أن كان له مقتضى"[58], من ذلك إذا صدر القرار مخالفاً لروح القانون وهذا ما أشار أليه أيضا في العراق قانون مجلس شورى الدولة المعدل رقم 65 لسنة 1979 في الفقرة الثانية بند (هـ) من المادة السابعة منه والتي اشرنا أليها في متن بحثنا هذا. ويمكن أن نقدم بعض الاستنتاجات والتوصيات أو المقترحات العامة والتي وصلنا إليها من خلال الاستنتاج والتحليل لما تطرقنا أليه من جوانب مختلفة لموضوع بحثنا بهدف الحد من تنامي ظاهرة استهداف مصدري القرارات الإدارية غايات لم ينص عليها القانون والتذرع بأنها تقع ضمن نطاق المصلحة العامة لكن ليس تلك المصلحة المقصودة بنص القانون ,ولعل من أهمها:
1.    من خلال استقراء الأحكام القضائية الإدارية نجد بان الطعن في انحراف القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف بأنه طعن احتياطي, , فإذا طعن في القرار الإداري في أي عيب أخر مع عيب حياد القرار الإداري عن الهدف المقرر لإصداره قانونا فان القاضي الإداري يبدأ بفحص العيب الأخر فإذا انتهى إلى كشف هذا العيب حكم بإلغاء القرار دون حاجة إلى التعرض لعيب مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف.
2.    وبالرغم من أن هذا العيب وثيق الصلة بنية ونفسية مصدر القرار ألا أن الدعوى هنا ليست دعوى شخصية بل هي دعوى عينية لا يؤثر على سير الدعوى في حالة تقاعد أو استقالة مصدر القرار الإداري المطعون به وإنما تبقى قائمة إلى من يحل محله.
3.    عيب مخالفة تخصيص الأهداف في القرار الإداري وان كان يعد صورة من صور الفساد الإداري إلا انه اقل خطورة من بقية الصور الأخرى,لان رجل الإدارة في الغالب ينصرف هدفه لتحقيق مصلحة عامة لكنها غير تلك التي حددها المشرع,فهو لا يخرج على نطاق الصالح العام في الأهداف المراد تحقيقها عند إصداره لقراراته الإدارية.
4.    معنى ذلك أن لكل قرار إداري هدفين , أحدهما خاص و هو الذي حدده القانون أو يستفاد من طبيعة الاختصاص وهذا الهدف تختلف و درجة تحديده من حالة إلى حالة أخرى كما أن له دائما هدفا عاما وهو المصلحة العامة.
    ختاماً آمل أن يسهم بحثنا المتواضع هذا في تطوير الواقع القانوني العراقي في مجال البحث, بما يتوافق مع المعطيات والمتطلبات المعاصرة، على الصعيدين الوطني والدولي وسيما معالجة صور الفساد الإداري معالجة قانونية من قبل الإدارة والقضاء عند رفض الإدارة بتصحيح مسارها المنحرف. آملين أن نكون ومن خلال هذه الخطوة كمن يزرع البذرة النافعة في الأرض الصالحة في مساهمتنا المتواضعة هذه في كشف قيد قانوني يستطيع من خلاله الفرد أن يطلب إلغاء قرار داري أذا ما اتخذ ضده تعسفا ومخالفا للهدف المقرر لإصداره. والله من وراء القصد...   




مواضيع ذات صلة
قاعدة تخصيص الأهداف المعروفة في القانون الإداري
عيب الانحراف بالسلطة في القرار الاداري
قاعدة تخصيص الاهداف
الانحراف الاداري
نظرية التعسف في استعمال السلطة
قرارات المحكمة الادارية العليا في العراق
إساءة استعمال السلطة في القرار الإداري
اساءة استعمال السلطة فى القانون المصرى

1 Comments

Post a Comment

Previous Post Next Post