الحتمية والغائية في
العلوم البيولوجية.
مقال حول
الحتمية و اللاحتمية.
هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي
على الظاهرة البيولوجية ؟
"طرح المشكلة :المقدمة
: يتفق اغلب العلماء على أن المنهج التجريبي
، هو الذي أدى إلى ازدهار العلوم التجريبية كالفيزياء والكيمياء ومكنها من الالتحاق بمراكز العلوم ومراتبها ،
فكان ذلك هدف بعض العلوم الأخرى .كالعلوم الحية والبيولوجية ،بحيث حاولت استثمار
خبرات العلوم السالفة الذكر وتقليدها في تطبيق المنهج العلمي. لكن هناك من العلماء
من اعترض على هذا واعتبر العلوم الحية لا تصل إلى مراتب العلمية .نظرا إلى تشابك
أجزائها و من خلال هذا التعارض يمكننا أن نتساءل . هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي
على المادة الحية علما أنها تتميز بخصائص غير تلك التي نجدها في المادة الجامدة ؟.
وما هي العوائق التي تحول دون تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية؟.
الموقف
الأول:اغلب
العلماء التجريبيين يعتقدون بان الظواهر كلها تخضع للمنهج التجريبي بما في ذلك
المادة الحية "البيولوجيا .الفيزيولوجيا ". على اعتبار أنها تتكون من
نفس عناصر المادة الجامدة فيزيائيا، وتحدث فيها نفس التفاعلات الكيميائية ؛لهذا
يلاحظ أن العلماء يجرون تجاربهم على الجرذان والضفادع وغيرها ،دون تردد. لذا كان
قرار كلود برنار بان إخضاع الظاهرة الحية إلى التجريب أمر ممكن، وخاصة مع ظهور
نظرية التطور التي ظهرت مع لا مارك وداروين يقول كلود برنار :"لا بد لعلم
البيولوجيا أن يأخذ من العلوم الفيزيائية الكيميائية المنهج التجريبي " ثم
انه قام بتجربة مفادها قلب حيوانات ذات دم حار إلى حيوانات ذات دم بارد وذلك بغية
الكشف عن خصائصها الهيستولوجية كما أن
الحيوانات إذا ما تم تجويعها تتغذى على لحومها وهذا ما جعل برنار ينتبه إلى أن
الأرانب وهي من الحيوانات العُشبية يكون بولها عكرا والسبب لأنها عاشبة . بينما
إذا قمنا بتجويعها فإنها تتغذى على لحومها وبالتالي يصبح بولها صاف والسبب لأننا
أخضعنا هذه الأرانب إلى التجويع فأكلت من لحمها وأصبحت شبيهة بالحيوانات اللاحمة
.ولعل ما يؤكد إمكانية التجريب في الظاهرة الحية هو أن طبيعة هذه الظواهر لها
طبيعة مماثلة مثل التركيبات الفيزيائية والكيميائية حيث تنحل هذه العضوية إلى مركبات "أوكسجين ، هيدروجين " .
النقد
:المناقشة :لكن
نلاحظ أن بعض العلماء تنبهوا إلى استحالت التجريب . ذلك لأنهم نظروا إلى ضرورة العناية بخصائص الكائن الحي
لان منه "الحياة ،النمو ،المقاومة ". مما ينجرعنه صعوبات تحول دون ذلك .
ثم انه يتعذر علينا القدرة على أعادة الظاهرة أو تكرارها والعجز عن توفير شروطها
،واحتمال حدوث حالات طارئة ، مثل توقف العضو أو النزيف بحسب كلود برنار. هذا
ويلاحظ أن غياب المبادئ الأخلاقية والضوابط المهنية دفع بالبعض منهم الى تجاوزات
خطيرة ، أخلاقيا ، واجتماعيا ، وبيئيا.
الموقف
الثاني :
يرى بعض العلماء أن المنهج التجريبي منهج نظري ، وبالتالي فان تطبيقه على
المادة الجامدة والحية والإنسانية يظل ناقصا لان نتائجه ليست مطلقة ولا يقينية
ويرجع ذلك إلى :لا يتمكن من النتائج على مستوى التنبؤ كما أن القانون العلمي يقوم
على ملاحظة حسية تتناول ظاهرة جزئية وعلى هذا الأساس ألح بعض العلماء والفلاسفة
على أن النتائج العلمية ترجحيه احتمالية .كما هو الحال في الرياضيات والدليل على
ذلك أن رواد الفضاء عند نزولهم على سطح القمر اخطئوا هدفهم بضعة عشر متر . ومن
جملة العوائق التي تعترض تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية . طبيعة هذه
المادة في ذاتها ،فطبيعة المادة الحية مركبة ومتشابكة .فهي نظام يشكل وحدة عضوية
وكل جزء فيه تابع للكل وأي تفكيك لأجزائها يجعل المادة تفقد طبيعتها .ثم أننا نجد
صعوبة في التصنيف بما أن المادة الحية تنطوي
على خصوصيات تنفرد بها . فان كل محاولة إلى تقسيمها تقضي على هذه الخصوصية ،كما
أننا نجد أيضا صعوبة في تعميم النتائج،
حيث لا يمكن تعميم النتائج التي نتحصل عليها عند تطبيق المنهج التجريبي على المادة
الحية .فما ادر كناه عن طريق التجارب على
الحيوانات لا يمكن تعميمه على الإنسان مثلا والعكس صحيح ، أما على مستوى التجريب
يصعب إعطاء التجربة مصدقيه حقيقية لان التفاعل الذي يحدثه الكائن الحي مع بيئته
يحدث تغيرا في العضوية وإذا عزلنا الكائن الحي من البيئة الطبيعية إلى البيئة
العضوية فانه يضطرب .
النقد
والمناقشة :
لكن يمكننا أن نلاحظ أن التجريبيين أكدوا إمكانية التجريب على الكائن الحي فمثلا في استطاعتنا أن ندرس عملية التنفس لأنها
عبارة عن أكسدة فيزيائية وكيميائية كما لا يمكننا أيضا أن نعتمد على التشريح
المنظم بحيث ندرس المادة الحية دون خلل في
نظامها العام ، وذلك بواسطة علم الميكروبولوجية ، فمثلا يعتبر الليزر احدث ما
توصلت إليه البيولوجيا في عملية التشريح . ثم أن هذا الاعتراض لا يعني إجحافا في
حق البيولوجية فحسب بل في حق العلم ككل لأنه من الواجب علينا أن نعرف الكائن الحي
معرفة موضوعية بعيدة عن التصورات الميتافيزيقية والاعتقادات الدينية .
التركيب:وعوما مهما يكن فإجراء التجربة على الكائن
الحي يتطلب مزيدا من الشروط والعناية بضرورة تطوير وسائل الإجراء والكشف ؛والعلوم
البيولوجية اليوم عرفت تطورا باهرا بفضل التجارب التي خاضها العلماء مثل إجراء بعض
التجارب الحشوية دون اللجوء إلى التشريح
"بواسطة المناظير ". وأكثر من هذا نقل الأعضاء وزرعها بتقنية
الاستنساخ الموضعي .
الخاتمة:
وختاما
وللفصل في موضوعنا نستنتج : انه لم يعد المنهج التجريبي يواجه تلك العوائق التي
كان يعرفها ومع ذلك لا يزال البحث فيه معقدا نسبيا .ذلك لان مصداقية العلوم لا
تتحدد إلا بالنتائج رغم أن نتائجها تقريبية لأنها تتعامل مع عالم الأشياء الحسية
المتغيرة وتظل العلوم البيولوجية ناقصة وذلك يعود الى اخلاقيات البيولوجية .
الحتمية والغائية في
العلوم البيولوجية.
نص السؤال: هل يمكننا إخضاع الظاهرة البيولوجية إلى المبدأ الغائي
أم إلى مبدأ الحتمية المطلق؟طرح المشكلة :"مقدمة "اهتم الفلاسفة بموضوع البيولوجيا اهتماما بليغا
مما حاد بهم إلى الانقسام حول ما إذا كان يمكن معرفة الكائن الحي عن طريق التفسير
الآلي ،أم بإرجاعه إلى وجود غاية يتشكل من اجلها
، وهذا ما جعل الجدل يحتدم بينهما ، متسائلين عن إمكانية معرفة هذا الأخير
: هل معرفتنا للكائن الحي تتم عن طريق الآلية أم تعود إلى الغاية التي وجد من
اجلها ؟بتعبير آخر هل معرفة هذا الكائن الحي تحتاج إلى تفسير حتمي آلي أم إلى وجود
غائي؟
الموقف الأول :يرى أنصار الاتجاه الحتمي الآليأن مبدأ الحتمية مبدأ
مطلق يمكن تطبيقه على مختلف الظواهر الحية يقول كلود برنار"يجب أن تقبل
كبديهة تجريبية أن شروط وجود كل ظاهرة سواء كان ذلك بالنسبة للكائنات الحية أو
بالنسبة إلى الأجسام الجامدة هي شروط محددة تحديدا مطلق ، وهذا يعني أن الظاهرة
إذا عرف شرطها وتوفر وجب أن تحدث من جديدوإنكار هذه القضية هو إنكار للعلم.."
فالتفاعل الذي يحدث للمادة الحية هو نفس التفاعل الذي يحدث في المادة الجامدة ،إذا
أن مكونات الكائن الحي نجدها عبارة عن عناصر كيميائية وفيزيائية ومنه نقول أن
المادة الحية في خصائصها وهذا يدل على أن التفاعل الحاصل في المخلوقات الحية هو
نفس التفاعل الموجود في الكائنات الجامدة ولا يتم هذا التفاعل إلا عن طريق المبدأ
الحتمي الآلي كعملية الهضم مثلا: فهي نتاج تفاعلات بيو كيميائية وبيو فيزيائية، ومنه فان هذه
الوظائف تخضع لعملية علمية ، لان كل الأفعال العضوية خاضعة لمبدأ السببية الذي يحوله لمبدأ الحتمية.
النقد
"المناقشة": لكن هل نستطيع إنكار المذهب الغائي ونعتمد على مبدأ
الحتمي الآلي ؟ ثم ما الذي يبرر تلون الحشرة بلون المحيط الذي تعيش فيه لكي تنجو
من بطش أعدائها كما يرى داروين. فهل هذا التوافق العجيب يمكنه أن يكون آلي ثم إن
الآليتين ينتقلون في تفسيرهم من الجزء إلى الكل وهذا خطأ.
نقيض
القضية:"الموقف الثاني":أنصار الاتجاه الغائي: وهو المذهب الذي يرى بأن
الأعضاء الحية تتخذ شكلا معينا وبنية معينة ، ومن هذا يؤكد أصحاب هذا الموقف بأن
الظاهرة البيولوجية تختلف عن الظاهرة الجامدة لأن هذه الظواهر الحية وجدت من أجل الغاية فكل عضو لما
خلق له . فمثلا " العين تختار للمعدة والمعدة تغذي العين" إذا هناك أيضا غاية خارجية حيث يوجد تكامل بين الحيوان
والنبات وهذا تكامل بين مختلف الظواهر الحية يدل على وجود نظام مسبق وجدت وفقه
الكائنات الحية ،فمثلا نجد لامارك ومن خلال الدراسات التي قام بها اكتشف بأن
الأنواع الحيوانية تتغير عبر تاريخها الطويل ،فالتطور الذي يحدث في بيئة الكائن
الحي بالوراثة .مثال لقد كانت الزرافة ذات عنق عادي عندما كانت في منطقة معشوشبة ،
لكن عندما تحولت بيئتها إلى صحراوية اضطرت إلى مد عنقها ومع مرور الزمن امتد عنقها
كما أكد داروين على مبدأ الاصطفاء "أوالانتخاب" الطبيعي ،حيث ربط
هذا المبدأ بملاحظاته لمربي الحيوانات عندما يرغبون في إحداث نوع جديد من السلالات
يقومون بإحداث تزاوج بين أنواع مختلفة ، أما العالم مالتوس يؤكد على أن الزيادة في
عدد السكان تتم متوالية هندسية بينما الزيادة في كمية الغذاء تتم وفق متوالية
عددية وهذا يعني أن كمية الغذاء لا تكفي حاجة الحيوان فتدخل هذه الأخيرة في صراع
من أجل البقاء إلى للأصلح النقد
:"المناقشة": لكن
البحث في مفهوم الغائية يبعدنا عن حقيقة التفسير الموضوعي الواقعي وهو اقرب ما يكون ميتافزيقي، غيبي، فلسفي خيالي
متناقض إذا الفيلسوف المعاصر أرنسيت نابل يرفض هذا التفسير بدعوى أنه حقيقة يد
الحيوان حينما تمتد إلى الغذاء تكون بغرض الحصول على الغذاء وبالتالي فهي عملية
هادفة ،وما يفسر أيضا الحصول على الغذاء من أجل الطاقة الكيميائية الضرورية
للحياة.
التركيب: وعموما أن
مسألة الخلاف بين الغائية والآلية هي مسألة مفاهيم فقط ذلك لأن التضاد الموجود بين
التفسيرين لا يصل إلى حد التنافر التام ، بل قد يدعو إلى التكامل بينهما إذ لا مانع بأن نفسر الظواهر الحية بأسبابها
الفاعلة كما يمكن تفسرها بأسبابها الغائية في الوقت نفسه.
الخاتمة: وأخيرا يمكننا أن
نختم بالاستنتاج التالي : وهو إقرارنا بإمكانية تفسير الكائنات الحية تفسيرا ثنائي
أي تفسيرا حتميا آخر غائيا ،وذلك بحسب
النافذة التي تطلعنا عن الحقائق.
مقال حول
الحتمية و اللاحتمية.
هل ينبغي أن تكون
الحتمية المطلقة أساسا للقوانين التي يتوصل إليها العلم ؟
طرح المشكلة :المقدمة:إن الحديث عن الحتمية واللاحتمية يقودنا إلى الحديث
عن الاستقراء من الناحية الإجرائية ،أي خطوات المنهج التجريبي الرئيسية
"الملاحظة ،الفرضية،التجربة "،وذلك بهدف الوصول إلى القوانين التي تتحكم
في مختلف الظواهر "الانتقال من الأحكام الجزئية إلى الأحكام الكلية:وهو ما
جعل الفلاسفة والعلماء يختلفون حول ما إذا كانت كل الظواهر تخضع
للتنبؤ"التوقع"أم أن هناك نوع لا يعترف بالمبدأ الحتمي إطلاقا؟. ومنه
جاز لنا التساؤل .هل هذا الانتقال يوحي فعلا بان الكون يخضع وبالضرورة لنفس
النظام.؟.
بصيغة أخرى . هل
هذا يدل على أن الكون بما في ذلك الكائنات تخضع لنظام ثابت؟.
محاولة حل المشكلة :
الموقف الأول:مبدأ الحتمية
المطلق: إن هذا المبدأ في عمومه يقوم على إمكانية التنبؤ "التوقع" أي
نتوقع حدوث بعض الظواهر ، فإذا عرفنا شروطها وأسبابها التي أحدثتها فإننا نقول إذا
ما حدثت نفس الشروط وتوفرت نفس الأسباب أعطت نفس النتائج ، ومنه يمكننا توقع حدوث
ذلك مستقبلا على نفس النحو الذي كانت تحدث عليه في الماضي ولعل هذا ما كان دافعا للعلماء التقليدين
بالقول بهذا المبدأ ، إذ كان تصورهم للكون بالآلة الكبيرة يمكن توقع كل ما يحدث
فيه، وهم بذلك لم يتركوا أي مجال للصدفة أو الاحتمال حيث يقول لا بلاس :"انه
من الواجب علينا أن نعتبر الحالة الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة وسببا في
حالته التي بعد ذلك مباشرة ، ولو استطاع ذكاء
ما آن يعلم في لحظة جميع القوى التي تحرك الطبيعة لاستطاع أن يعبر بصيغة
واحدة عن حركات اكبر الجسام ، وحركات اخف الذرات وزنا فلا يرتاب في شيء ،ويكون
المستقبل والحاضر ماثلين أمام عينه"ونفس الشيء تحدث عنه بوانكاريه حيث قال
:"العلم حتمي بالبداهة وهو يضع الحتميات موضع البديهيات لأنه لولاها لما أمكن
أن يكون". النقد"المناقشة":لكن في مقابل ذلك نجد بعض العلماء وخاصة منهم
المعاصرين اعترضوا على هذا الطرح جملة وتفصيلا ،إذ رفضوا وبشدة مبدأ الحتمية
المطلق لان جل التجارب والملاحظات لا تجري بمنتهى الدقة والوضوح ومنه فالمعرفة الحاصلة تقريبه وكل تنبؤ يجري
على التقريب ،فنحن نلاحظ أنه في المجال
الذري تأخذ الجسيمات نوع من الحرية فلا يمكن إخضاعها للتوقع ، وهذا ما عبر عنه
هيزنبرغ حيث يرى بان القياس الجزئي يمتنع عندما نحاول معرفة موقعه وكمية حركته ،إذ
يصعب تعيين موقعه وسرعته الابتدائيتين ، فالاكتشافات العلمية في ميدان
اللامتناهيات في الصغر "الميكرو فيزياء" الموقف الثاني"مبدأ اللاحتمية": انطلاقا من مبدأ الحتمية الأول وفي خضم
الاكتشافات العلمية الحديثة تزعزع هذا المبدأ ولم يكن له شأن كما كان عليه في
الأول ،لكونه يصدق على الظواهر الكبرى ،
لكنه احتماليا في الظواهر الصغرى "الميكرو فيزياء" حيث بين العلماء
المعاصرون إن مبدأ الحتمية المطلق أصبح
مستحيلا إذ لا يمكن التنبؤ بالظواهر
مستقبلا بعيدا عن الاحتمال مما جعل علماء الفيزياء يتكلمون بلغة الارتياب
القائم على حساب تكرار الحوادث ، حساب احتمال حادثة ما بحساب حاصل قسمة عدد
الحوادث الممكنة على الحوادث الكلية.
النقد :"المناقشة":لكن إذا كان تطبيق الاحتمال ممكن واستطاع أن يصل إلى
اليقين في الميدان الذري، ويثبت أن الحتمية في ميدان الميكرو فيزياء ممكنة حتى وان
بدت نسبية،فان ميدان العلم يخضع للحتمية بشكل أو بآخر ولا يكون تطوره إلا في ظل
الإيمان بهذه الحتمية .
التركيب: أن العلم على المبدأين معا .كون الحتمية لا تلغيها
اللاحتمية بشكل فعال ذلك لان العلم في حلاقته
ولا يمكن أن ينقطع.
الخاتمة : نستنتج في الأخير
أن مبدأ الحتمية و اللاحتمية كيلاهما لعب دورا رياديا في وقته بالنظر إلى حقيقة
العلم وتطوره فان كان مبدأ الحتمية نسبي فان كذلك العلم نسبي ومنه لا يمكن رفض هذا
الأخير .
ملاحظة: يمكن
للتلميذ أن يتوسع في هذا المقال .
هل يمكن للعلوم
الإنسانية أن تكون موضوعا للدراسة العلمية
؟
طرح المشكلة : المقدمة
:لقد أدى الاختلاف الموجود في
المجتمعات الحديثة إلى تحويل الإنسان إلى ظاهرة قابلة للدراسة العلمية
الموضوعية إلا أن تميز الإنسان واختلافه
عن الظواهر الطبيعية جعل العلوم الإنسانية تعرف مشاكل ابستيمولوجية
من نوع خاص ومن ثمة بدا العلماء يتساءلون حول مدى قدرة هذه العلوم على بلوغ دقة
العلوم الطبيعية . فمنهم من اقر بإمكانية التجريب على الظاهرة الإنسانية ، ومنهم
من نفى ذلك بدعوى أن العلوم الإنسانية علوم على منوالها فكان من أراءهم أن برز إلى
الوجود السؤال التالي : هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي
على العلوم الإنسانية ؟ وما هي العوائق التي تعترض التجربة بالمفهوم المستعمل في
هذه العلوم ؟. وكيف لنا أن نتجاوز هذه العوائق ؟.
الموقف الأول : عوائق تطبيق المنهج التجريبي على العلوم الإنسانية : يرى جملة من الفلاسفة بأنه لا يمكن تطبيق المنهج التجريبي على العلوم
الإنسانية . وذلك لوجود عوائق علمية " ابستيمولوجية "
تحول دون ذلك ، وبما أن العلوم الإنسانية ثلاث أنواع ، فيجب دراسة كل علم على حدا
: فمثلا الحادثةالتاريخيةفريدة من نوعها فهي تجري
في زمن معين ومكان معين وبالتالي فهي لا تتكرر ومنه التاريخ غير قابل للدراسة
العلمية وغير قابل للتكميم ، كما أن المؤرخ لا يمكنه التأكد من صحة افتراضه عن
طريق التجربة العلمية ، فمثلا لا يستطيع أن يحدث حربا تجريبية حتى يثبت فرضيته واستحالت التجارب تعني استحالت القوانين ،
وبالتالي صعوبة التنبؤ بحدوثها مستقبلا .كما يصعب على المؤرخ تحديد البدايات
التاريخية مما يجعل الحوادث التاريخية عرضة للتزييف .
أما في علم الاجتماع : فالظاهرة الاجتماعية ليست خالصة فهي تنطوي على خصائص
بيولوجية وأخرى نفسية وأخرى تاريخية ،فهي ليست مثل الظواهر الطبيعية لأنها ظاهرة بشرية
متصلة بحياة الإنسان ، وكل ما هو متصل يصعب إخضاعه للتجريب ،فمثلا ظاهرة الطلاق
ظاهرة اجتماعية تتداخل في إحداثها أسباب مختلفة بحيث يصعب الفصل بين هذه الأسباب .
وهذا يعني أنها خاصة وليست عامة لذلك لا يستطيع عالم الاجتماع أن يكون موضوعيا
لأنه يحمل غايات ذاتية وكل ما هو ذاتي فهو معقد تتدخل في تكاليفه عناصر متشابكة
مما يصعب الوصول الى النتائج وقوننتها لأنها عبارة عن ظواهر كيفية يصعب تكميمها
يقول جوناستوارت مل :"إن الظواهر المعقدة
والنتائج التي ترجع الى علل وأسباب متداخلة لا تصلح أن تكون موضوعا حقيقيا
للاستقراء العلمي المبني على الملاحظة والتجربة ".
أما بخصوص الحادثة النفسية فيؤكد علماء النفس أن الحادثة النفسية
حادثة لا تعرف السكون ولا تبقى على حالها بحيث تتداخل في تكوينها حالات وأحوال
وانفعالات نترجمها بواسطة الشعور وما دامت متداخلة فانه يصعب تطبيق المنهج التجريبي
عليها فمثلا : دراسة الإدراك كظاهرة عقلية يصعب فصله عن الاحساس والذكاء والذاكرة
والخيال والانتباه والإرادة ومن ثمة فان الحادثة النفسية فريدة من نوعها ، ولا
تقبل التكرار والنتائج المستخلصة بعد الدراسة تكون صبغة ذاتية لا يمكن تعميمها .
لكن كيف استطاع أصحاب العلوم الإنسانية
تحقيق نتائج علمية معتبرة في وجود هذه
العوائق؟.
النقد المناقشة:من الملاحظ أن هذه العوائق الابستيمولوجية إنما ترجع الى طبيعة الموضوع
وبالتالي يمكن تكييف المنهج العلمي بما يوافق خصائص الظاهرة الإنسانية. فمثلا التاريخ يساعد الإنسان في دراسة الماضي والتطلع على
مخلفات الأجداد وسياستهم وديانتهم . أما في ما يخص علم
الاجتماع فان الإنسان أدرك بفضل الدراسات الاجتماعية بأنه خلق ليتعارف مع
غيره وينسجم معهم كما ، أن الدراسات الاجتماعية الميدانية سمحت في توسيع مفهوم
النسبية الذي كان ينحصر في الفيزياء ، أما على مستوى دراسة علم النفس . فانه ينطوي على عدة فوائد منها تحرير
الدراسة النفسية من الاعتبارات الفلسفية والخرافات الميتافيزيقية ، كما أن الإنسان
استطاع أن يدرك ما يجري في ذاته من أحوال وميول وأهوى إذ السيكولوجيا أصبحت علم
قائم بذاته يقوم على الملاحظة والتحليل .
نقيض القضية: الموقف
الثاني : في حين يرى البعض الأخر من
الفلاسفة انه يمكن تطبيق المنهج التجريبي على الظاهرة الإنسانية لان هذه العوائق
الابستيمولوجية لم تقف عائقا أمام اجتهاد العلماء ، حيث توصل العلماء الى طرائق في
البحث والى مفاهيم منهجية أعطتها قيمتها العلمية منها مثلا : فيالتاريخما توصل إليهابن خلدونومن
تلاه من المؤرخين الأوروبيين فيالقرن"19"
من إعطاء التاريخ طابع العلمية وذلك بواسطة منهجية خاصة تسمى بالدراسات التاريخية
المقارنة ، حيث تقوم على جمع الآثار والوثائق منها المصادر الإرادية وغير الإرادية
وهي التي يحتفظ بها الناس لتكون شاهدا عليهم كالرواية وكتب التاريخ . ثم نقد هذه
الآثار والوثائق من اجل تحليلها ، ولكي نتأكد من صدق هذه الوثائق نلجأ الى الطريقة
النقدية وهينوعين: نقد
خارجي ويتناول شكل الوثيقة والمادة ونوع الورقة والحبر والثاني نقد داخلي
ويتناول مضمون الوثيقة أي دراسة نص الوثيقة وما تحمله من معان من اجل الكشف عن
الظروف النفسية والسياسية والدينية التي أدت الى كتابة هذه الوثيقة كما يمكننا أن
نعمل على إعادة بناء الحادثة التاريخية وترتيبها . أما على مستوى علمالنفس فقد تمكن العلماء من إعطاء الحادثة النفسية قيمة
علمية ظهرت في مناهج عدة عرفها علم النفس المنهج التأملي
"الاستبطاني " وهو منهج يتم باستخراج باطن الذات
وأحوالها النفسية بواسطة الشعور أي أن
الذات تصبح دارسة ومدروسة في نفس الوقت ومن رواد هذا الموقف نجد "براغسون ، ديكارتمنهج التحليل النفسي : حيث ظهر
هذا المنهج مع العالم"فرويد"يقوم
على التداعي الحر كما يقوم أساسا على
اكتشاف اللاشعور. ويعتبر الحياة النفسية تقوم على الغرائز. أما المنهج السلوكي
الذي ظهر مع "بافلوف و واطسن " حيث يقوم
هذا المنهج على اكتشاف اللاشعور والمنعكس الشرطي ، وبهذا تمكنا بافلوف و واطسن من دراسة
السلوك دراسة علمية موضوعية وفي علم الاجتماع نلاحظ أندوركايم
أعطى الحادثة الاجتماعية مصداقيتها العلمية من خلال دراسة خاصة تتناسب وطبيعة
الحادثة . بحيث اعتبرها ظاهرة اجتماعية تلقائية طبيعية عامة منتشرة تتداخل في
إحداثها عوامل تاريخية ، فوضع أسلوب يدرس الظاهرة يقوم على الملاحظة ووضع الفروض
حيث قال : " يجب أن نعالج الظواهر على أنها أشياء " . والدليل على
مصدقيه هذا العلم ظهور علم الإحصاء .
النقد: والمناقشة :لعله من بين الانتقادات التي وجهة الى القائلين بعلميةالتاريخ ، انه لم يعد المؤرخ يرى في الموضوعية
بالمفهوم التقليدي غاية قابلة للتحقيق ذلك لان التجرد من العواطف في دراسة التاريخ
أمر صعب المنال والأخذ بالمبادرة الشخصية أمر ضروري ،لان المؤرخ قبل كل شيء هو
إنسان . أما الانتقادات التي وجهة للقائلين بعلمية علم الاجتماع فان هؤلاء لم يميزوا
بين الظواهر الفيزيائية والظواهر الاجتماعية ، كما أنهم لم يميزوا بين الأشياء
الخالية من الشعور والأشياء التي تنطوي على الشعور. أما الانتقادات التي وجهة
لأنصارعلم النفس فان القوانين التي توصلوا إليها
ليست دساتير بل هي مجرد تعميمات . إذ الحادثة النفسية ليست مجرد سلوك آلي يجمع
المنبه بالاستجابة وهذا يعني أن الحادثة
النفسية شعور قبل أن تكون سلوكا .كما ادعىبافلوف و
واطسن.
التركيب :وعموما فإننا نقر وعلى الرغم من وجود بعض العوائق إلا أن الباحثين في هذا
المجال تجاوزوا الكثير من العراقيل والصعوبات بفضل أمانتهم العلمية لذا قال جورج سارطون لولا الحضارة الإسلامية لتأخرت الحضارة
الغربية بضعة قرون ". وهذا دليل على موضوعية الباحث التاريخي ". وما
يمكن أن نستنتجه هو أن العلوم الإنسانية استطاعت أن تسلك لنفسها منهجا يليق بها ،
وهوما مكنها من تجاوز العوائق والعراقيل .
الخاتمة : وأخيرا يمكننا أن نقول أن
العلوم الطبيعية ، ساعدت العلوم الإنسانية في البحث على التطور ، وبالتالي البحث
على مناهج تتميز عن المنهج التجريبي وتكون مكيفة حسب خصوصيات كل ظاهرة .وهكذا تظل
الإشكاليات مطروحة ليس بالضرورة تشكيكا في القيمة العلمية وإنما يتعلق الأمر بنقاش
ابستيمولوجي من شانه أن يغني العلوم الإنسانية
ويدفع بها إلا أن تتوخى الدقة .لان جميع الصعوبات تتمثل في طبيعة الظاهرة
الإنسانية باعتبارها ظاهرة معقدة وختاما نصل الى أن الدراسات الإنسانية دراسة خاصة
لأنها تدرس الإنسان ذلك الكائن اللغز الذي يصعب إخضاعه للمنهج العلمي وتبقى هذه
العلوم في حاجة الى بحث وازدهار حتى تأخذ طابع العلمية .
مواضيع ذات صلة
فلسفة مقالة
فلسفية: هل يمكن تطبيق الحتمية
الحتمية والغائية
في العلوم البيولوجية
هل يمكن تطبيق
المنهج التجريبي على الظاهرة
قسم الفلسفة
- الحتمية والغائية في البيولوجيا
الدروس تعليم
الفلسفة المنهج التجريبي في علوم المادة
Post a Comment