-
علاقة الأخلاق بالدين:
يهتم علم الأخلاق
والدين بالإنسان وسنتطرق
هنا لعلاقة الأخلاق في الدين الإسلامي مع التأكيد بأن معظم الديانات تهتم بالإنسان
ولا يتسع المجال لمناقشة علاقة الأخلاق
بكل ديانة على انفراد ولكن سيركز هذا الجهد على علاقة الدين الإسلامي بالأخلاق لما
لهذا التركيز من فائدة في المجتمعات الإسلامية.
يعطي الفكر الإسلامي مكانة عالية للإنسان وقد جاء
قوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً)([1])
تأكيداً للمكانة العالية للإنسان في الفكر والفلسفة الإسلامية.
وعلاقة الأخلاق بالدين علاقة قوية وقد ركز
الإسلام على الإنسان وكرمّه بغض النظر عن جنسه أو لونه أو مستواه العلمي. وتشكل
المبادئ الدينية المنظم لسلوك الفرد في السر والعلن وتوجهه وفق المنهج الديني الذي
يكرم الإنسان ويهديه لما فيه صلاح الفرد والمجتمع. فالعدل والصدق والأمانة والوفاء
بالعهد والرحمة والمساواة جميعها مبادئ في الدين الإسلامي تصلح لبناء المجتمع
المتكامل أو مجتمع العدل والكفاية الذي يجد فيه الفرد العدل ويجد فيه ما يسد حاجته([2]).
وهذه
المبادئ تجدها في المذاهب الأخلاقية التي تسود المجتمعات ومصدر الأخلاق في
الإسلام هو القرآن الكريم وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين يقول "إنما
بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". والفلسفة الإسلامية ليست وضعية وإنما دور العقل
يكمن في فهم القرآن والسنة وفهم العقيدة والشريعة والعبادات والأخلاق الإسلامية.
وبعكس الفلسفة الغربية الوضعية التي تهدف إلى وضع نظرية أخلاقية([3]).
وليس من السهل الإحاطة بجميع جوانب
الفلسفة الإسلامية في هذا الجهد المتواضع ولكن يجب الإشارة إلى أن الفلسفة
الإسلامية التي تحدد صلاح المجتمع على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبين
أن سلوك الناس يحكمه ثلاث نزعات هي نزعة الإيثار ونرعة الاستئثار ونزعة المبادلة،
وتشكل نزعة الإيثار الفضيلة وأما نزعة الاستئثار فهي الرذيلة وأما نزعة المبادلة
في الحقوق أو المعادلة فيها فلا تستحق المدح أو الذم([4]).
- علاقة الأخلاق بعلم النفس:
يبحث علم النفس في الشخصية والسلوك وصفات
الشخصية ويركز على الفرد وعلاقته بالآخرين بداخل المنظمات ويهتم بكل ما يحيط الفرد
من مؤثرات تنظيمية واجتماعية ويساعد في فهم الأفراد وتفسير تصرفاتهم ويسهل عمليات
التوجيه والإرشاد والتدريب والإعداد للقوى البشرية بداخل المنظمات. ومن زاوية
الاهتمام بالفرد وسلوكه وأخلاقياته يتفق علم النفس مع علم الأخلاق الذي يركز على
المثل العليا وتعديل الصفات الفردية بحيث تنسجم مع السلوك الأخلاقي الذي يهدف إلى
فعل الخير والصواب ضمن معايير المجتمع الذي يتواجد فيه الفرد([5]).
علاقة الأخلاق بعلم الاجتماع:
يهتم علم الاجتماع بدراسة علاقة الفرد
بالمجتمع وعلاقة الجماعات بداخل المجتمع ويركز على العادات والتقاليد والتنظيم
والأخلاق في هذه المجتمعات. كما أن علم الاجتماع وعلم النفس وعلم السياسة ساهمت في
تطوير مفاهيم السلوك الإنساني الذي يشكل في جوانب منه السلوك المثالي الأخلاقي
للأفراد. وعليه فعلاقة علم الاجتماع بعلم الأخلاق علاقة وثيقة لأنها تدرس العادات
والتقاليد والأنظمة والقوانين التي تحكم سلوك الأفراد وإذا توافقت العادات
والتقاليد والأنظمة والقوانين التي تحكم سلوك الأفراد مع المعايير الأخلاقية بما
فيها من اعتدال تكون العلاقة واضحة وقوية بين الأخلاق وعلم الاجتماع([6]).
وإنه من المهم أن ندرك أن علم الاجتماع
يصف الأوضاع الاجتماعية لمجموعة بشرية دون التدخل بقصد التعديل بها أو التحكم بها
ولكن علم الأخلاق يدرس الفرد والجماعة بقصد الوصول إلى الاعتدال في السلوك دون
تطرف أو مبالغة لأن الاعتدال والتوسط يعتبر لدى الكثير من الكتاب ممثلاً للفضيلة
ومصدراً للقيم الأخلاقية التي يمكن أن تمثل الوسط بين رذيلتين.
ـ علاقة الأخلاق بعلم البيولوجيا (الأحياء)
تعتبر سعادة الفرد إحدى القيم الأخلاقية
التي يمكن للفرد بلوغها إذا توفرت لديه الحالة الصحية المناسبة وسلامة العقل
والأعضاء دون إفراط في تحقيق هذه السلامة. وكما أن المواظبة على السلامة والمحافظة
على صحة الجسم هي من الخير والإضرار به من الشر. ويدعم رغبة الإنسان في الحياة
حاجته للبقاء مع علمه بأنه فانٍ فإنه ينتقل من غريزة الموت والفناء وكيف يواجه
الإنسان بفن القدر المحتوم ألا وهو الموت . وفن مواجهة الموت تكون بعمل الخير لكل
من آمن بالحياة الآخرة. ويدخل ضمن علاقة الأخلاق بعلم البيولوجيا حسن التوقيت
لتنفيذ الأعمال وتنظيم الشهوات وتنظيم الإشباع لهذه الشهوات([7]).
- علاقة الأخلاق
بالقانون
يرى البعض أن القوانين تحدد الإطار
الأخلاقي للأفراد والجماعات فحين ينص المشرع على أمر ما فإنه يحدد بذلك جواز فعل،
أو عدم جوازه ( لا تقتل)، فإن هذه العبارة تعطي للحياة الإنسانية قيمة، وأهمية
بالغة ، وبنفس الوقت تعطي فكرة عن احترام الإنسان وحمايته واعتبار الاعتداء على
حياة الفرد جريمة يعاقب عليها القانون.
وبالرغم من وجود القوانين التي تمثل
المستوى الأخلاقي الذي تعيشه الجماعات فإنه يجب أن يعاد النظر بها من حين لآخر،
بحيث تكون مناسبة لتنظيم حاجات الأفراد والجماعات والضرورية. ويبدو أن أثر الأخلاق
يسبق صدور القوانين أو تعديلها لأنه يمثل صوت الضمير الذي يدفع الفرد لعمل الخير
وتجنب الأضرار بالآخرين حتى في غيبة القانون أو تقادمه أو تضارب مواده([8]).
ـ علاقة الأخلاق بالسياسة والاقتصاد
يعرف ديفيد إيستن (DAVID EASTON) السياسة بأنها التخصيص
السلطوي للمصادر النادرة في المجتمع. ويعرفها البعض بأنها تحديد ( من يستفيد من
ماذا، أين، ومتى، وكيف). ويتم ذلك من خلال الأنظمة السياسية وما بها من أجهزة
تشريعية تعمل للفصل في أمور توجيه المصادر نحو الاستخدامات المتنافسة في الموازنة العامة،
وفي تشريع القوانين الأخرى التي تنظم الحياة الاقتصادية للأفراد ودور الحكومة
والقطاع الخاص في النشاطات الاقتصادية.
وتعرف القيمة الأخلاقية أو الاقتصادية
بأنها الرغبة في موجود ما نظراً لما في هذا الموجود أو الشيء من صفات تبرز هذه
الرغبة، وعندما تكون هذه الرغبة مشروعة ومقبولة اجتماعياً فإنه يلاحظ تطابق
الأخلاق مع المعايير السياسية والاقتصادية.
وخلاصة القول أن الأخلاق ترتبط بالدين
وبعلوم النفس والاجتماع والبيولوجيا والسياسة والقانون والاقتصاد وبمختلف العلوم
الأخرى نظراً لأنها مرتبطة بالإنسان وأفعاله. وهذه الأفعال تمتد لتصل مختلف أنواع
المعرفة التي توصل لها الإنسان بحيث تركز الأخلاق على حسن الانتفاع من هذه المعرفة
رغم أن بعض أنواع المعرفة قد يسخرها
الإنسان نحو الهدم والتدمير والقتل غير المبرر وغير المشروع. وعندها تكون الأخلاق
على نقيض مع تسخير المعرفة خارج الحدود التي تخدم المجتمع والتي تؤثر سلبياً في
اتجاه بلوغ مجتمع العدل والكفاية لبني البشر.
إرسال تعليق