الاختصاص المكاني في قانون الإجراءات الجزائية:
إن الأصل في تحديد الاختصاص المكاني او المحلي في أغلب التشريعات الإجرائية هو بمكان وقوع الجريمة، فإن لم يكن المكان معلوماً كان الاختصاص بالمكان الذي يقيم فيه المتهم ، أو الذي يقبض عليه فيه، فتعتبر كل محكمة مختصة مكانياً بنظر الدعوى إذا وقع في دائرتها أحد هذه الأماكن الثلاثة([1])، علماً بأنه في سنة 1996م صدر القانون الاتحادي رقم (3) والذي ينص على الآتي:
مادة (1): تختص المحاكم الشرعية دون غيرها بالإضافة إلى ما لديها من الاختصاصات الأخرى بنظر الجرائم الحدود والقصاص والديات والمخدرات والجرائم التي يرتكبها الأحداث، والجرائم التي تتصل بها أو تكون مقدمة لها.
مادة (2): تطبق الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالمواد المذكورة في المواد السابقة.
وقد عرض قانون الإجراءات الجزائية الاختصاص المحلي لمحاكم الجنح والجنايات كما يلي([2]):
1_ اختصاص المحاكم الاتحادية بالجريمة:
يتعين اختصاص سائر المحاكم الاتحادية بالمكان الذي الذي وقعت فيه الجريمة (المادة /142  إجراءات جزائية)  وذلك ليسهل على المحكمة الكشف عن مكان الجريمة؛ وللتعاون مع الشرطة والضابطة والنيابة التي قامت بأعمالها المتعلقة بالجريمة، سواء كان الفاعل مواطناً أو أجنبياً.
2_ حالة الشروع في الجريمة:
في حالة الشروع في الجريمة تعتبر الجريمة قد وقعت في كل محل وقع فيه عمل من أعمال البدء  في التنفيذ فتختص المحكمة التي وقع الفعل في دائرتها، وكذلك في الجرائم المستمرة فيثبت الاختصاص لمحكمة كل مكان تقوم فيه حالة الاستمرار، وكذا في جرائم الاعتياد المتكررة، والجرائم المتتابعة، فيثبت الاختصاص لكل محكمة وقع في دائرتها أحد الأفعال الداخلة فيها. (المادة 143 إجراءات جزائية).
3_ وقوع الجريمة خارج الدولة:
إذا وقعت جريمة خارج الدولة، وكانت مما يسري عليه أحكام القانون الوطني،  كالجرائم التي يقترفها المواطن خارج الدولة، فترفع الدعوى على مرتكبها أمام المحاكم الجزائية في أبو ظبي (المادة 144 إجراءات جزائية).
4_ تنازع الجريمة إلى  جهتين من جهات الحكم:
 إذا قُدم متهم أو أكثر أو قدم متهم في عدة جرائم مرتبطة بعضها ببعض، إلى جهتين من جهات الحكم، وكانت كل منهما مختصة، فتجمع الدعوى أمام المحكمة التي قدمت إليها الدعوى أولاً، وتصبح هي المختصة حصراً، وتحال جميع الأعمال إليها (المادة 145 إجراءات جزائية).

5_ متى تقضي المحكمة بعدم الاختصاص؟
إذا رفعت دعوى أمام محكمة جزائية، ثم تبين لها في أية حالة كانت عليها الدعوى أنها غير مختصة بنظرها، فإنها تقضي مباشرة بعدم اختصاصها ولو بدون طلب (المادة 146 إجراءات جزائية).

الاختصاص المكاني في قانون العقوبات:
يحكم تطبيق قانون العقوبات من حيث المكان عدة قواعد؛ تتمثل في مبدأ الإقليمية والاستثناءات التي ترد عليه، وقد وردت تلك القواعد في المادة 16 وما يليها من قانون العقوبات الاتحادي.
 ويمكن القول بصفة عامة ومؤقتة إن مكان وقوع الجريمة يتحدد بالمكان الذي يتحقق فيه ركنها المادي أو جزء من هذا الركن، ولما كان الركن المادي للجريمة يقوم على عناصر ثلاثة وهي: الفعل والنتيجة والعلاقة السببية التي ترتبط بين هذا الفعل وتلك الجريمة، فإن الجريمة تعتبر واقعة في مكان وقوع الفعل، ومكان النتيجة ، وكل مكان تتحقق فيه الآثار المباشرة للفعل التي تتكون منها الحلقات السببية التي تربط ما بين الفعل والنتيجة، على أساس أن وقوع أي عنصر من عناصر الركن المادي للجريمة، يمثل خطورة على نظام وأمن الدولة الذي وقعت فيها الجريمة([3]).
والذي يبرر انعقاد الاختصاص المكاني للمحكمة التي تقع في دائرتها الجريمة عدة أمور منها: في مكان وقوع الجريمة يسهل جمع الأدلة، وسماع شهود الجريمة، وسهولة حضورهم أمام المحكمة، وضمان تحقيق الردع العام الناشئ عن الحكم بالعقوبة في المكان نفسه الذي ارتكبت فيه الجريمة، فلا شك أن الأثر الرادع للعقوبة إنما يتحقق بصورة أمثل لدى الذين عاصروا الجريمة، أو علموا بأمرها([4]).
بعد هذا إليك بيان الاختصاص المكاني في قانون العقوبات من خلال الفقرات الآتية:
1_ مبدأ إقليمية قانون العقوبات([5]):
يقصد بهذا المبدأ أن قانون العقوبات يطبق على كل جريمة ترتكب في إقليم دولة الإمارات العربية المتحدة ، سواء كان الجاني وطنياً أم أجنبياً، وسواء أكان المجني عليه فيها وطنياً أم أجنبياً وفي ذلك قضت (المادة /16) من قانون العقوبات بأنه: "تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب جريمة في إقليم الدولة، ويشمل إقليم الدولة أراضيها ، وكل مكان يخضع لسيادتها، بما في ذلك المياه الإقليمية والفضاء الجوي الذي يعلوها.
وتعتبر الجريمة مرتكبة في إقليم الدولة إذا وقع فيها فعل من الأفعال المكونة لها أو إذا تحققت فيها نتيجتها أو كان يراد أن تتحقق فيها".
ويدخل في هذا المبدأ ما لو وقعت بعض الجريمة أو كلها داخل الدولة، وكان الفاعل خارج الدولة، كمن يطلق رصاصة في شارع قريب من (البريمي) عمان فيصيب شخصاً منها، فإنه يرتكب جريمةً ما دام أن النشاط قد حدث على أرض إقليم الدولة... وعلى ذلك نصت (المادة/19) من قانون العقوبات بقولها: "يسري هذا القانون على كل من ارتكب فعلاً خرج الدولة يجعله فاعلاً أو شريكاً في جريمة وقعت كلها أو بعضها داخل الدولة".
2_ الجرائم الواقعة خارج الإقليم ويعاقب عليها القانون:
المبدأ الثاني في قانون العقوبات أنه كل جريمة تعود آثارها على الدولة يعاقب عليها القانون ولو كان الفاعل خارج الدولة، أو كانت الجريمة خارج الدولة.
نصت (المادة /20) من قانون العقوبات أيضاً على أن كل من ارتكب فعلاً خارج الدولة يجعله فاعلاً أو شريكاً في جريمة من الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي أو الداخلي.... وجرائم تزوير العملة...
ثم قال في المادة التالية: "يسري هذا القانون على كل من وجد في الدولة بعد أن ارتكب في الخارج بوصفه فاعلاً أو شريكاً جريمة تخريب أو تعطيل وسائل الاتصال الدولية أو جرائم الاتجار في المخدرات أو في النساء أو الصغار أو الرقيق أو جرائم القرصنة والإرهاب الدولي".
3_ سريان أحكام القانون على السفن والطائرات الإماراتية:
لا ينحصر الاختصاص المحلي بأرض دولة الإمارات العربية المتحدة، بل يسري إلى بعض الوسائط الإماراتية وإن كانت خارج حدود دولة الإمارات، وعلى ذلك نصت (المادة /17) من قانون العقوبات بأنه: "تسري أحكام هذا القانون على الجرائم التي ترتكب على ظهر السفن والطائرات الحربية التي تحمل علم الدولة أينما وجدت.
وينطبق الحكم المتقدم على السفن الحكومية غير الحربية التي تملكها الدولة أو تديرها لأغراض حكومية غير تجارية"([6]).
4_ استثناء الجرائم التي تقع على ظهر السفن الأجنبية في الموانئ:
استثنى القانون الجرائم التي تقع على ظهر السفن الأجنبية في إحدى الموانئ في الدولة أو في بحرها الإقليمي، أو الجرائم التي ترتكب على ظهر الطائرات الأجنبية في إقليم الدولة، فهذه الجرائم لا تخضع لأحكام القانون في الدولة، إلا في حالات أربع:
الأولى: أن تمتد آثار الجريمة إلى الدولة.
الثانية: إذا عكرت الجريمة السلم في الدولة، أو أخلت في الآداب العامة، أو أخلت بحسن النظام في الموانئ أو البحر الإقليمي.
الثالثة: أن يطلب ربان السفينة أو قنصل الدولة المعونة من السلطات المحلية.
الرابعة: أن يكون الجاني أو المجني عليه من رعايا الدولة.



([1]) شرح قانون الإجراءات الجزائية لدولة الإمارات العربية المتحدة للدكتور أحمد أبو خطوة 2/24.
([2]) أصول المحاكمات الشرعية في قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة للدكتور محمد الزحيلي ص65، 66، الوجيز في شرح قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي للدكتور مدحت رمضان ص 221، أصول قوانين المرافعات في دولة الإمارات العربية المتحدة (دراسة تأصيلية لقوانين المرافعات... للدكتور محمد نور عبد الهادي شحاته ص1/335 فما بعدها، يراجع شرح قانون الإجراءات الجزائية لدولة الإمارات العربية المتحدة للدكتور أحمد أبو خطوة 2/25، وقائع ندوة القضاء الشرعي، تنظيم كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الشارقة 1/344.
.
([3]) شرح قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة (القسم العام)... للدكتور حسن محمد ربيع 1/109.
([4])أصول المحاكمات الجزائية... للدكتور سليمان عبد المنعم والدكتور جلال ثروت ص544.
([5]) شرح قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة (القسم العام)... للدكتور غنام محمد غنام ص64، 56، ويراجع شرح قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة (القسم العام)... للدكتور حسن محمد ربيع 1/102، فما بعدها، المدخل للعلوم القانونية _الكتاب الأول للدكتور جاسم علي سالم الشامسيص380،  وقائع ندوة القضاء الشرعي، تنظيم كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الشارقة 1/351.
([6]) يراجع شرح قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة (القسم العام)... للدكتور حسن محمد ربيع 1/106 فما بعدها، وقائع ندوة القضاء الشرعي، تنظيم كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الشارقة 1/352.

Post a Comment

Previous Post Next Post