فلسفة القيم
يعد نيتشه رائداً من رواد فلسفة القيم في الفكر الفلسفي، وتعدّ فلسفته كلها نظرية في القيمة. وقد ساعدت فلسفته على ازدهار نظرية القيمة، فالحياة في نظره، إرادة تقويم، وترجيح وظلم وهي بالدرجة الأولى تملّك وعدوان وإخضاع الغريب والضعيف، وهي قسوة واضطهاد.
اعتنق نيتشه فلسفة قيمية تدعو إلى القسوة بدل الإحسان، ورفض اتصاف القيم الأخلاقية بالصفة المطلقة،
وزعزعَ يقين من سبقوه في مضمار القيم، رفض القيم الذائعة المفروضة على الإنسان من الخارج، فهدم القيم القديمة، وماتت الآلهة، والإله الجديد هو الإنسان الأعلى السوبرمان وهو هادم وعازم ألا يكون رحيماً.
والأخلاق عنده نوعان: أخلاق السادة، وأخلاق العبيد، أما أخلاق العبيد فإنها تصدر عن الكذب والبغض والحقد على السادة الأقوياء الأرستقراطيين وتتمثل في أخلاق الوفاء والصبر والشفقة والرحمة، وما دعتإليه اليهودية والمسيحية.
وأما أخلاق السادة فهي تتمثل في حب المخاطرة والقوة واحترام العنف والقسوة والكراهية.
وقيم العبيد هي قيم مزيفة، أما قيم السادة فهي قيم حقيقية، وإن السيد النبيل «أناني» حكماً، ورسالته تقضي جهوداً جبارة، لا يبلغها إلا القساة العاتون.
ـ عند ماكس شيلر: من أشهر فلاسفة القيمة فضلاً عن أنه لا يخضع الكائن للقيمة، ولا القيمة للكائن، وإنما يذهب على خلاف ما ذهب إليه كَنْت[ر] Kant إلى القول: «إن كائن القيمة هو ما يجب أن يكون؛ فالقيمة شيء موضوعي يترتب علينا اكتشافه، لا اختراعه (حسب نيتشه) والقيمة مطلقة وقصدية، وهي تحدد الشعور، بدل أن يحددها هو، ولها صفة ثانية».
ويرى لافيلLouis Lavelle ما بين (1883-1951)، أن موضوع «جدل الحاضر السرمدي» هو موضوع الاشتراك في الكل، وهو يهدف إلى اكتشاف اللانهائي، أي اكتشاف القيمة. والقيمة في نظره علاقة بين الشعور والسرمدي. وهي فكر ناشط واشتراك بتحقق في الحاضر، في عمل الإبداع. وقد يطلق صفة القيمة على جملة المنظومة الثلاثية التي تضم: الخير (وهو يقابل الكون) والقيمة (وهي تقابل الوجود) والمثل الأعلى (وهو يلازم الواقع). ويحتفظ بكلمة «القيمة» للدلالة على الوجود، أي الانتقال منالكون إلى الواقع، إلى الوجود، وهذا الانتقال اشتراك فاعل.
والقيمة الأخلاقية عند لافيل هي «قيمة القيم» كونها ذاتاً مشتركة بين القيم جميعاً، ومن دونها لا يمكن طرح قيمة أخرى.


القيم والدين: يرجع ينبوع القيمة في نظر المتدينين إلى أصل لا إنساني، وهذا الأصل هو مصدر الوجود ومصدر التقويم معاً. إنه الأصل المطلق، ويسمى الله في الديانات السماوية، وله في غيرها أسماء كثيرة، ولكن القاسم المشترك في جميع الاعتقادات الدينية، يتمثل في معنى المطلق، ويتميز بمفهوم عام هو مفهوم المقدس، أو القيمة الأولى، مصدر سائر القيم، وهذه القيم جميعها تتميز من مصدرها الأسمى بصفة واحدة هي صفة العادي.
إن الدين، في نظر المؤمنين، ينبوع معرفة قيمته، ونشاط قيمي، يتفردان بصفة المطلق، وهو في الاصطلاح عند «أبي البقاء» وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخير بالذات قلبياً كان أو قالبياً. ويعرفه «التهانوي» بأنه «وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إياه إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المآل».

Post a Comment

أحدث أقدم