ان الكتب المؤلفة في علم أصول الفقه تكشف في حقيقتها أن فيها موضوعات لا علاقة لها بأصول الفقه ولا صلة لها بمسائله ومباحثه أو أن لها صلة بها ولكن من وجه بعيد وقد يكون بعضها مذكورا ً على جهة الاستطراد وأول من نبه إلى ذلك أبو الحسين البصري حيث ذكر في مقدمة كتابه ( المعتمد في أصول الفقه ) أن الذي دعاه إلى تأليفه أنه سلك في شرحه بكتاب ( العُهد ) للقاضي عبد الجبار مسلك الكتاب في ترتيب أبوابه وتكرار كثير من مسائله وشرح أبواب لا تليق بأصول الفقه من دقيق الكلام نحو القول بأقسام العلوم وحد الضروري منها والمكتسب وتوريد النظر ونفي توريده إلى غير ذلك كذلك الإمام الغزالي ذكر في بيان وجه تعلق المقدمة المنطقية بأصول الفقه أن المؤلفين حينما حدوا أصول الفقه بمعرفة الأدلة الأحكام , قالوا بضرورة التعرف على الأدلة والمعرفة أي العلم وقالوا أن العلم لا وصول إليه إلا بالنظر فشرعوا في بيان حد الدليل والعلم والنظر وانجروا إلى إقامة الدليل على إثبات العلم على منكريه وإلى إقامة الدليل على النظر على منكري النظر إلى غير ذلك من الأمور التي تجاوزوا بها حد علم أصول الفقه وخلطوه بما يعرف بعلم الكلام وهكذا فإن كل أصحاب صفة ٍ غلبت عليهم طبائعهم فأدخلوا فيه شيئا ً من فنونهم , وقد أشار الشاطبي في كتابه (الموافقات ) إلى شيء من هذا الإقحام الذي لا مبرر له ) وذكر أن اللازم " أن كل أصل يضاف إلى الفقه لا ينبني عليه فقه فليس بأصل له " وبنى على هذا آخراج كثير من المسائل التي تكلم عنها المتآخرون وأدخلوها في علم أصول الفقه مع أنها ليست منه مثل مسألة أمر المعدوم ومسألة لا تكليف إلا بفعل ومسألة ابتداء الوضع ومسألة الإباحة هل هي تكليف أم لا وغير ذلك ,, وعطفا ً على ما تقدم

 فقد تقرر لدينا أن موضوع علم أصول الفقه قد اختلف فيه العلماء على آراء متعددة وبينا منها أن منهم من يرى أن موضوع علم أصول الفقه يكون مقتصراً على الأدلة ومنهم من ضم إلى ذلك الأحكام ومنهم من ضم إلى ذلك مباحث الاجتهاد والتقليد ومنهم من قصرها على الأحكام الشرعية, فقط وقررنا أن الراجح في ذلك أنه يمكن أن يشمل موضوع علم أصول الفقه تلك الأمور كلها فيكون شاملا ً للأدلة وشاملا ً للأحكام الشرعية وشاملا ً لمباحث الاجتهاد والتقليد وغير ذلك من الأمور التي تستلزمها هذه الموضوعات لعل
 هذا يقرر لنا اهتمام كثير من الأصوليين ببعض جوانب هذه الأمور على بعض وبعضهم قد يبدأ بمباحث الأدلة وذلك إشارة منه إلى أن هذا هو الموضوع الرئيس لعلم أصول الفقه وبعضهم من يبدأ بمباحث الأحكام وذلك إشارة منه إلى أن علم أصول الفقه يشمل الأحكام إلى جانب الأدلة وهكذا فتفاوتت مناهج الأصوليين في مؤلفاتهم في تناول هذه الموضوعات كما أشرنا فمنهم من توسع وألّم بهذه الموضوعات على اختلافها ومنهم من قصرها على موضوعات معينه اقتصر فيها على ما يرى أنه موضوع لهذا العلم وينبني على تحديد موضوع علم أصول الفقه كما قلنا تحديد مباحثه ومسائله فمن يرى أن موضوع علم أصول الفقه هو الأدلة يرى أن مباحث الأدلة هي مباحث هذا العلم ومسائله فقط ومن يرى أن موضوع علم أصول الفقه هو الأحكام الشرعية فقط يرى أنه يقصر مباحث هذا العلم ومسائله على هذا فقط ومن يرى أن مباحث علم أصول الفقه يمكن أن يضم إليه الاجتهاد والتقليد فهو يضم الاجتهاد والتقليد إلى موضوعات ومباحث علم أصول الفقه وهكذا , وهنا أمر جدير بالتنبيه وهو ما يعرف بتداخل علم أصول الفقه مع علم القواعد الفقهية وبعض من يفرق بين هذين العلمين يخص علم أصول الفقه بأنه يتعلق بالقواعد التي تستعمل في تحكيم نصوص الشرع وأفعال الشارع ويخص القواعد الفقهية بأنه العلم الذي يعنى بالقواعد التي تهتم بالحكم على تصرفات المكلفين وبناء على هذا التفريق بين العلمين فإن كثيرا ً من موضوعات علم أصول الفقه تخرج من تحديدنا هذا إلى أن تكون من قبيل موضوع علم القواعد الفقهية لا من موضوع علم أصول الفقه فمثلا:
 مباحث الأحكام الشرعية وما يتعلق بها من وجوب أو ندب أو تحريم أو كراهة أو أباحه إذا قلنا أن قواعدها تستعمل للحكم على تصرفات المكلفين فإن من يرى أن موضوع أصول الفقه هو الأدلة فقط يخرج هذه المباحث إلى أن تكون مباحث علم القواعد الفقهية ولذلك ما يرد تحتها من قواعد تلحق بهذا العلم ومن يرى أن علم أصول الفقه يشمل الأدلة والأحكام و مسائل الاجتهاد والتقليد جعل بين هذين العلمين تداخلا ً
 فأورد مباحث هذا العلم وهو علم القواعد الفقهية مضمومة إلى مباحث علم أصول الفقه ولم يفرق بين العلمين بتفريق واضح والذي يظهر هنا أن بين علم أصول الفقه وعلم القواعد الفقهية شيء من التداخل والأقرب أن نقول بين التفريق بين العلمين أن الموضوعات والقواعد التي تستعمل في الحكم على تصرفات الشارع سواء كانت قوليه أو فعليه يعني بالحكم على أدلة القرآن والسنة هذه يمكن أن تكون مخصوصة بعلم أصول الفقه و أما القواعد التي تستعمل بالحكم على تصرفات المكلفين فأن هذه يمكن أن تلحق بعلم القواعد الفقهية وبين هذين العلمين شيء من التداخل فإن هناك موضوعات أو قواعد يمكن أن تستعمل بالحكم على تصرفات الشارع بقول أو فعل وتستعمل بالحكم على تصرفات المكلفين والمقصود بتصرفات الشارع يعني تفسير نصوص الشرع وحملها على وجهها الشرعي الصحيح وهذه إذا قلنا بأن هذه القواعد والموضوعات تستعمل في الأمرين فإن في هذه الحالة
 عندنا ما يعرف ( بالقواعد الأصولية الفقهية ) بمعنى أن تكون قاعدة َ أصوليه فقهيه تستعمل في الحكم على تصرفات الشارع وتستعمل بالحكم على تصرفات المكلف ويكون هناك نوع تداخل بين العلمين وجهة تفريق بينهما.
 

Post a Comment

أحدث أقدم