الفرائض الباطنة :
هي كالعلم بالله والحب له والتوكل عليه والخوف منه ، كذلك الولاء للمسلمين والبراء من المشركين ، وكل ذلك ينقسم إلى أفعال وتروك(1)
فأول ما يتشبث به الفرد في سيره إلى ربه وتربية ذاته هو المحافظة على هذه الفرائض وعدم التهاون بها بأي حال من الأحوال ، ويأتي بعد ذلك باب النوافل وهي ما زاد على الفرائض من صلاة وصيام وصدقة وغيرها ، وهذا الباب متيسر لكل فرد أن يلجه وأن يكثر من أداء النوافل طمعا في نيل رضا الخالق الذي هو غاية كل مخلوق والهدف من تربية النفس ، إذا نال العبد محبة الله ورضاه وفقه الله لكل خير وعصمه من كثير من الشرور
يقول الإمام الخطابي ـ رحمه الله ـ شارحا للحديث السابق : قوله فكنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ، هذه أمثال ضربها والمعنى ـ والله أعلم ـ توفيق للأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها فيحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن موافقة ما يكره الله من إصغاء إلى اللهو بسمعه ونظر إلى ما نهى عنه ببصره وبطش إلى ما لا يحل له بيده وسعي في الباطل برجله ، وقد يكون معناه سرعة إجابة الدعاء والإنجاح في الطلبة وذلك أن مساعي الإنسان إنما تكون بهذه الجوارح الأربع(2)
لقد جاء الدين الإسلامي بعبادات شتى تملأ حياة المسلم في كل الظروف والأحوال وبالليل والنهار ، فهناك العديد من السنن القولية والعملية والتي يعتبر أداؤها من الأساليب المهمة لتربية النفس ، ومن هذه العبادات قيام الليل وصيام التطوع والصدقة وقراءة القرآن والأذكار المتنوعة ، ولا شك في أن الإتيان بهذه العبادات تقوية للصلة التي تربط بين العبد وربه وتوثيقا لعرى الإيمان في قلبه فتزكو النفس وتصفو الروح ، وهذا الأمل هو الذي يدفعه ليكون له من كل منها حظ ونصيب مما يجعله ينوع في عباداته وأعماله الصالحة كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } [ الحج : 77 ]
ولعل في هذا التنوع مراعاة لطبيعة النفس الإنسانية التي إذا داومت على أمر معين تمله حتى لو كان هذا الأمر طعاما أو شرابا أو عملا أو مسكنا (1)وذلك مثل قول أبي تمام :(2)
وطول مقام المرء في الحي مخلق       لديباجتيه فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة إلى    الناس أن ليست عليهم بسرمد
وكما بين الباحث في الفصل الثاني فإن العبادات في الإسلام ليست إلا جزءا من مفهوم العبادة الشامل ، وهذا المفهوم له أثره البالغ في تربية النفس الإنسانية يقول محمد شديد : ومنهج العبادة يلبي في الإنسان فطرته ، ويجعل منها تربية لنفسه وعلاجا لضعفه وينير له طريقه ويحدد معالمه حتى يصل إلى غايته دون شطط أو ضلال ، ويقوم هذا المنهج على فكرة القرآن عن وضع الإنسان من الكون والحياة ، وفطرة نفسه على التعبد والتوجه إلى بارئها بالتضرع والدعاء ، وهدفه أن يضع الإنسان في مكانه الصحيح من الكون حتى لا يخرج عن سنته ولا ينحرف عن ناموسه ، فخروجه وانحرافه لا يؤديان إلا إلى الضلال والفساد والشقاء (3)
من أجل ذلك لابد للمرء أن يحفز نفسه للإكثار من هذه العبادات
والعبادات التي يستطيع أن يباشرها بنفسه لتحقيق غاية وجوده وتربية ذاته كثيرة جدا منها : قيام الليل وقراءة القرآن والدعاء وصلة الأرحام وصدقة السر والمتابعة بين الحج والعمرة وصيام الأيام المرغب فيها كالاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر ، وكذلك ملازمة الأوراد وطلب العلم وغيرها ، ولأن مجال البحث لا يتسع لذكر كل منها على حدة فسنكتفي ببعضها


(1) فتح الباري : مرجع سابق ،11/347
(2)  أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري : حمد بن محمد البستي الخطابي ، تحقيق ودراسة الدكتور محمد بن سعد آل سعود . مكة ، نشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي ، جامعة أم القرى ، 1409 هـ ، 4 أجزاء
(1) دعوة الفطرة : د. يوسف أبو هلالة ، دار العاصمة ، الرياض ، ص 122
(2) ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي : تحقيق محمد عبده عزام ، مصر ، دار المعارف ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء 2/23
(3) منهج القرآن في التربية : محمد أحمد شديد ، 1402هـ ، ص 179

Post a Comment

Previous Post Next Post