مشكلة التعلق العكسي
مشكلة التعلق العكسي Counter Teansference :
تبقى بين الاعتراف والتحليل النفسي مشكلة التعلق العكسي وهي تنعدم تماماً في التوبة إلى الله .
والتعلق العكسي معناه في وضوح كامل تعلق الطبيب بمريضه أو تعلق المعترف إليه بالمعترف .، وهذه المشكلة العاطفية لو حدثت فهي وخيمة العاقبة خصوصاً إذا حادت الأمور عن مسيرتها العلاجية .
والطب النفسي يتعرض لعلاج المشكلة، وينصح الطبيب الذي لا يمكنه السيطرة على عواطفه وانفعالاتها أن يتعرض هو للتحليل النفسي حتى تصقل عواطفه وتنضج وتأخذ مسيرتها دونه انحراف أو تطرف فإذا فعل فيمكنه ممارسة هذا العمل، وإلا فليس له مكان في هذا الحقل من التخصص.
ومن الغريب أن الطب النفسي قد عالج مشكلة التعلق العكسي بما أخذه عن المسيحية وهي تأخذ الحيطة الكاملة لاستقامة الكاهن الذي يعترف الناس له –فالكاهن لا يصل إلى هذا المكان إلا بعد أن يقطع شوطاً طويلا ُ وطريقاً صعباً في المجاهدة وقتل شهوات النفس حتى يكون أهلاً لهذا العمل الصعب، ومع هذا كانت الكنيسة أصدق ما يكون وهي لا تنفض عن الكاهن بشريته، عندما جعلت له أباً روحياً يعترف له إذا وجد في نفسه الحاجة لهذا الاعتراف.
والتعلق العكسي حقيقة صادقة إيمانية بمفاهيم التوبة في الإسلام، ولكنها عيب واضح صريح بمفاهيم الاعتراف البشري لأن الله سبحانه يحب التوابين المتطهرين ويرضى عنهم، وإذا أحب الله العبد بعد توبته فهذا دليل قبول التوبة الصادقة التي علم الله صدقها وإخلاصها من العبد يقول الحق سبحانه ف سورة التحريم :
(يا أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخُزى الله النبي والذين أمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وأغفر لنا إنك على كل شيء قدير)(التحريم:8)
وهذه سنة الله في خلقه هو سبحانه الذي شرع التوبة لعباده-يقول سبحانه في سورة التوبة:
(وعلى الثلاثة الذين خُلفُواْ حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب   الرحيم)(التوبة: 118)
وهذا ما يؤكده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأسدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها " .
هذه هي التوبة في الإسلام بين الاعتراف والتحليل النفسي-فهي عبادة خالصة وطاعة لله ورسوله، ولها من الأثر النفسي ما يجعلها بحق مدخلاً من مداخل الاطمئنان الذي يتحقق في كل من أركان الصلاة ،وفي كل ما يسبق الصلاة من شعائر.
"اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم أغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"، " اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره" .
هذه كلها وما أكثرها و أصدقها من عبارات ومأثورات يدعو المصلي بها في الصلاة وفي غير الصلاة، وهي تعود بالنفس إلى هدوء مشاعرها وصدق اطمئنانها وصفاء وجدانها ونقاء جوهرها.
وفي هذه العبادة الخالصة والتوبة الصادقة يكون التعلق من الله سبحانه لعباده.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : " أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإ ن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".
وعن أبي حمزة أ ن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم استيقظ على بعيره قد أضله بأرض فلاة".
اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين.

Post a Comment

Previous Post Next Post