الاسلوب الوصفي يصف كل ما هو كائن وتفسيره ،
ويهتم بتحديد الظروف والعلاقات الموجودة،
أو التي يمكن أن توجد بين الوقائع الحالية، أو
الآنية، كما يهتم بتحديد الممارسات الشائعة والتعرف على
الاتجاهات
والمعتقدات لدى الأفراد والجماعات وطرائقها في النمو والتطور، ولا يقتصر الأمر على مجرد جمع البيانات وتبوبيها، ووصف ما هو حادث، وإنما
يمتد إلى تحليل البيانات، واستخراج
الاستنتاجات ذات الدلالة والمغزى، بالنسبة للمشكلة أو الظاهرة موضوع البحث.
ويتميز الأسلوب الوصفي وفقًا للرؤية
الإسلامية بوجود مرحلة تالية لمرحلة الاستنتاج،
وهي مرحلة التقييم، أي: المعيارية، وتعني إصدار الحكم
القيمي على
الظاهرة وفقًا للأصول الثابتة، ويقوم المنهج الوصفي في القرآن الكريم على وصف الظواهر الاجتماعية والطبيعية، ويستند إلى قواعد
الانتقاء من الظواهر المحسوسة المشاهدة، ومن
الظواهر الغيبية غير المشاهدة كالجنة والنار وأحوال
القيامة، هذا
ما يفرق المنهج الوصفي في الإسلام عن نظيره الوضعي الذي يقصر الوصف على الظواهر المشاهدة الحاضرة والماضية.
ويهدف استخدام الأسلوب الوصفي في
القرآن الكريم إلى تنبيه الأذهان إلى رسالة الخلق
الأولى والثانية، ألا وهي عبادة الله وحده فقط، ذلك أن
طلب
العلم
والتعليم، وكسب العيش والرزق والتمتع بملذات الحياة الدنيا والسعي في البناء والتعمير والرقي بالمجتمع وحضارته إلى غير ذلك من صور الحياة
الإنسانية التي تناولها القرآن بالوصف كل
هذه الصور غايتها الأساسية أداء الرسالة التي خلق الإنسان
من أجلها ألا
وهي العبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}
(الذاريات: 56).
ويعتبر الوصف هو المحور الأساسي لهذا
الأسلوب القرآني في إثبات الحقائق العلمية،
وتوصيلها لأذهان الأفراد، وقد تنوعت مجالات الوصف في القرآن
حيث وصفت
الآيات القرآنية ظواهر تتعلق تتعلق بالواقع الاجتماعي، وظواهر أخرى تتعلق بالواقع الطبيعي، فمن الظواهر الاجتماعية يصف القرآن أحوال
المؤمنين في الدنيا إذ يقول تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ
* الَّذِينَ
هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (المؤمنون: 1 - 4) في هذه الآية تبين صفات المؤمنين الذين كُتِبَ
لهم الفلاح، وهذا الفلاح يتمثل في الخير
والنصر والتوفيق في الأرض، ثم الفوز والنجاة والثواب في
الآخرة، ويوضح
القرآن مستخدمًا الأسلوب الوصفي الصفات التي يتصف بها هؤلاء
المؤمنين، تلك
الصفات التي ترسم شخصية المسلم في أفقها الأعلى أفق محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رسول الله فهو خير خلق الله، وهو
الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، والذي شهد له في
كتابه بعظمة خلقه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ
عَظِيمٍ} (القلم: 4).
فقد سئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق
رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقالت: ((كان خلقه القرآن))، ثم قرأت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، (المؤمنون: 1) حتى {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى
صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}، (المؤمنون: 9) وقالت: هكذا كان رسول الله
-صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن ثم فاستخدام الأسلوب الوصفي هنا
يهدف إلى تحديد خصائص الجماعة المؤمنة، ونوع
الحياة التي تحيها الحياة الفاضلة اللائقة
بالإنسان الذي
كرمه الله
وأراد له التدرج في مدارج الكمال، ثم يسعى القرآن بهذا الوصف إلى بيان حقيقة الجزاء، وحسن المصير الذي ينتظر تلك الجماعة المتصفة بهذه
الصفات محددًا النعيم المقدر لهم فهم في
الفردوس خالدون؛ إذ يقول تعالى معقبًا على الصفات
المذكورة: {أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُون
َ* الَّذِينَ
يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}،(المؤمنون: 10، 11) وهكذا
يؤكد القرآن الكريم باستخدامه الأسلوب
الوصفي على
قاعدة علمية تهم الباحث المسلم، الذي يتطلب موضوع بحثه استخدام المنهج الوصفي.
وهذه القاعدة هي الربط بين الظواهر
الموصوفة، وبين الغاية التي خلق الله الإنسان من
أجلها فهذه تعد سمة رئيسية للمنهج العلمي في الإسلام؛ ذلك
أن تأكيد
الصلة الوثيقة بين كل ظاهرة، وبين الغاية العليا في هذا الوجود، والمتمثلة في عبادة الله وحده يعد تطبيقًا منهجيًّا للأسس العقيدية التي
تستند إليها المنهجية الإسلامية، وهذا ما يميز
المنهج العلمي الإسلامي عن غيره: أنه لا يكتفي بالتجميع
والتقرير
والوصف بل يسعى لإبراز الأهداف والغايات الإسلامية السامية المرجوة من وراء البحث.
إرسال تعليق