التوازن البيئي
احتاج التوازن البيئي إلى ملايين السنين حتى بلغ هذا التوازن ما هو عليه الآن، والإحاطة الجيدة بهذا التوازن وديناميكية تحقيقه ومسيرته هي مفتاح مهم جداً لمعرفة أسرار البيئة ومعرفة عناصرها، وأهمية هذه العناصر، ودور كل منها في النظام البيئي، لأن جميع هذه العناصر ترتبط بعضها ببعض، ويوجد فيما بينها علاقات تأثير وتأثر متبادلة، وأي تغير في أحد هذه العناصر قد يؤدي إلى تغير في العناصر الأخرى، لأن عناصر النظام البيئي تشبه عناصر الجسد الواحد الذي إذا أصيب منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
 ولكن هذا الأمر لا يتم بهذه البساطة، لأن العناصر البيئية تحاول دائماً تعويض النقص وإصلاح الضرر الذي يتعرض له عنصر ما وإعادة التوازن البيئي إلى ما كان عليه، والبيئة في حالة تغير ديناميكي قد يكون تغيراً بسيطاً وتعود إلى حالتها الطبيعية خلال فترة قصيرة من الزمن، وقد يكون تغيراً عميقاً وجذرياً بحيث يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن لكي تعود البيئة إلى وضعها السابق، وذلك بحسب شدة التأثير وقد يكون تأثيراً غير عكوس، ولا رجعة فيه.
 وما يتميز به النظام البيئي، أي نظام بيئي، هو وجود شبكة من العلاقات بين مكونات هذا النظام، أي بين الكائنات الحية، والعناصر غير الحية، وتتجلى بنوعين من العلاقات: علاقة النوع الواحد (الفرد) مع عنصر أو أكثر من عناصر البيئة المحيطة به، وثبات أعداد هذا النوع ضمن المجموعة، وعلاقة المجموعة (أكثر من نوع  Communities)، مع غيرها من المجموعات والعناصر البيئية المحيطة بها، وقدرتها على التكيف والاستقرار ضمن نظام بيئي مستقر ومتوازن، ومحافظ على حالته الأصلية، أو قادر على إعادة التوازن والاستقرار ضمن مدة زمنية محددة، لأن أي تغيير في جزء أو أكثر من أجزاء النظام البيئي، قد يؤثر في الأجزاء الأخرى، وإذا كان سلبياً سيؤدي بالنتيجة إلى اختلال التوازن والاستقرار البيئي في هذا النظام.
ومن المعروف أنه كلما كان النظام البيئي أكثر تعقيداً وغنىً، كان أكثر توازناً واستقراراً، وأكثر قدرة على التكيف مع التغيرات التي يتعرض لها. والعكس صحيح أي أنه كلما كان النظام البيئي بسيطاً وهشاً وفقيرا بالتنوع الحيوي، كما هو الحال في المناطق الجافة وشبه الجافة، كان أكثر عرضة للخلل والتدهور، وأقل استقرارا وتوازنا، وغير قادر على التجدد وإعادة التوازن في فترة زمنية محدودة، وقد تطول هذه الفترة جدا، وقد لا يستطيع العودة إلى التوازن مطلقاً، وهذا بالطبع يرتبط بعوامل كثيرة ومؤثرات مختلفة طبيعية وبشرية وحيوية تشكل في مجملها عوامل الإخلال بالتوازن البيئي.
ويعد الإنسان من أهم العوامل المؤثرة في التوازن البيئي، وكان هذا التأثير بطيئاً ولكنه اشتد وتزايد مع الزمن، وقد بدأ هذا التأثير مع اكتشاف النار - أهم حدث في التاريخ - وكان ضعيفاً عندما كانت موارد البيئة وخيراتها تزيد عن حاجة السكان تلك الأيام، ولكن زيادة عدد السكان، وزيادة معارف الإنسان، وقدراته العلمية، والتقنية، وتعلمه الزراعة، وتأهيل الحيوان، ثم انتقاله إلى عصر الثورة الصناعية واستخدام الوقود الاحفوري من فحم وغاز وبترول، وصولاً إلى استخدامه الطاقة النووية، وارتياد الفضاء، وتغيير الكثير من مكونات البيئة والتدخل فيها. كل هذا شكل خطرا متزايداً على البيئة والتوازن البيئي، وأصبح الإنسان يعيش أزمة بيئية حقيقية عامة وشاملة في جميع أوجه نشاطه وحياته، وهذه الأزمة تتخطى الجانب الطبيعي إلى الجانب الاجتماعي والثقافي، ولهذا فإن حماية البيئة تتعدى حماية الجانب الطبيعي والحيوي فيها إلى حماية الجانب الثقافي والحضاري.

Post a Comment

Previous Post Next Post