تـلخيص الفصل الثاني حـلم المستقبل من كتاب قراءة ثانية لشعرنا القديم

يتمحور موضوع هذا الفصل حول الأدب الجاهلي الذي كان له تأثير كبير على باقي الآداب العربية الأخرى. ويعني هذا أن الأدب العربي مر بعصور عدة: جاهلي، وإسلامي، وأموي، وعباسي، إلى عصرنا الحديث والمعاصر. ويعد الأدب الجاهلي المصدر والمنبع الوحيد للأدب العربي. وقد تفاعل الأدب العربي مع ظروفه وعصوره، وكانت له كثير من صفات العراقة والثبات والأصالة. وإن أوائل الأدب العربي شكلت أواخره. والمقصود بهذا أن الأدب الجاهلي بلغنا ناضجا ومكتملا في كل مقوماته المضمونية والفنية والجمالية، بداية ناضجة شكلت منطلقا للشعر العربي ومنبعا بؤريا تنصهر فيه كل الآداب تناصا وتضمينا واقتباسا. ومن ثم، فالأدب العربي مدين في جوهره للأدب الجاهلي. ولفهم هذا الشعر لابد من ربطه بثقافة الشاعر وعقله الباطني وعصره الاجتماعي. وينبغي أن يدرس لا كظواهر فردية بل كظواهر جماعية وثقافية وحضارية. وقد رفض الدكتور مصطفى ناصف كثيرا من الأحكام التي ارتبطت بالشعر الجاهلي كالبداوة والفقر والجدب والحسية والمادية والأمية والتناحر والصراع والتخلف والفكر التجزيئي وتعدد أغراض الشعر الجاهلي وافتقاره للوحدة الموضوعية والترابط العضوي… بل اعتبره شعرا رائعا لا يمكن التقليل من قيمته، وأنه خير وثيقة عن فلسفة التاريخ والإنسان في صراعه الأنطولوجي مع الزمن والقدر والمصير والحياة والموت. كما أنه شعر مترابط ومتسق ويحمل أبعادا تجريدية رمزية إذا تعاملنا مع قضايا الشعر الجاهلي كأنماط أسطورية وأنتروبولوجية، ولا ننسى كذلك براعة شعراء الجاهليين في تصوير الأشياء براعة خارقة .

و يعبر هذا الشعر بكل صدق عن الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والأدبي والسياسي الذي يتمثل في وحدة السلطة المركزية التي تتجسد في عاصمة الجزيرة العربية ألا وهي مكة. كما استبعد الباحث أن يكون مصطلح الأمية بمفهوم الجهل والتخلف الثقافي وانعدام الكتابة. فالكلمة تدل على سرعة الغضب والثورة والتمرد. وبالتالي، فهو مصطلح إسلامي أتى ليدل على المفاهيم السابقة التي تعاكس مضامين الرسالة السماوية التي تدعو إلى التمسك بأمهات الأخلاق والفضائل النبيلة.

إن الكاتب يفند جملة وتفصيلا ماذهب إليه الباحثون المعاصرون الذين ربطوا الشعر الجاهلي بالصحراء والبداوة والاستطراد والانتقال من فكرة إلى أخرى دون رابطة واضحة ناهيك عن سذاجة هذا الشعر وواقعيته وبساطته وسطحية أفكاره وعدم تعمق الأشياء. إنها “صورة هزيلة شاحبة، فالشعر الجاهلي شعر حسي غليظ يعنى بوصف المحسوسات التي يراها الشعراء أمامهم في الصحراء المفتوحة. وليس فيه- لذلك- أثر من آثار الفكر والعقل. أما إذا وجدنا شيئا نسميه الحكمة فهو لايعدو أن يكون تعبيرا عن خبرة الأيام المباشرة التي لا تحتاج إلى ثقافة. وسوف تكون كل دراسة تجري على هذا المنوال – يقول مصطفى ناصف- ضربا من التكرار غير المفيد، وسوف تكون غير مستقيمة أيضا، لأن حياة العصر القديم أعمق مما يجري على أقلامنا حتى الآن؛ وقد شهد هذا العصر صراعا روحيا قويا لم يقدر تقديرا ملائما. وإن نشأة الإسلام العظيم في نهاية هذا العصر لا يمكن أن نهون من دلالتها ومغزاها. إنها تعني – بكل اختصار- أننا أمام عصر يضطرم فيه القلق ويبلغ ذروته. إننا أمام مجتمع تشغله أسئلة أساسية شاقة عن مبدإ الإنسان ومنتهاه ومصيره وشقائه وعلاقته بالكون. ولكننا ننسى- كثيرا- أن ظهور الإسلام في ذاته علامة على وجود مستوى من القلق في نواحي الحياة عامة، ونظل عاكفين على فكرة الجاهلية الحمقاء. وكيف يمكن أن نفهم مكانة القرآن الكريم بطريقة منطقية مقنعة إذا دأبنا على أن نجعل الشعر الجاهلي- دون تمييز- سطحيا قريبا واقعيا خاليا من أثر القلق والصراع والنضج الأدبي”

Post a Comment

أحدث أقدم