الإسلام
دين الفطرة يلزم بالوضوء قبل الصلاة ويلزم بالاغتسال في حالات الجنابة، وبعد
انتهاء الطمث عند السيدات ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : " الطهور
شطر الإيمان"، وإذا كان إسباغ الماء على الأعضاء
قد حقق العلماء والأطباء بعض
مفاهيمه النفسية ولا يزال العلم يجد فيها الجديد، فإن هناك من أحاديث الرسول صلى
الله عليه وسلم ومن آيات القرن الكريم ما يعطي للوضوء قدراً آخر من الفائدة
النفسية المتخصصة، فيقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: " إذا
غضب أحدكم وكان قائماً فليقعد أو قاعداً فليتكئ أو عليه بالوضوء"، والغضب
كلنا يعلمه حدة وشدة ورعونة وطيش وانفعال وعدوان، هذا هو مظهر الغضب إذا اشتعلت
ثورته.
أما
بيولوجيته وتفاعلاته الداخلية فتشترك فيها أجهزة الجسم كلها، يضطرب القلب ويسرع
التنفس ويرتفع ضغط الدم ويزداد إفراز الأدرينالين ويكثر العرق ويصفر الوجه وترتعش
الأطراف وترتجف الأعضاء هذه هي بيولوجية الغضب الداخلي.
ويتحدث
الرسول الكريم عن عمق هذا المعنى في حديث آخر عن الغضب، فيقول صلى الله عليه وسلم
عن الغضب وعن بيولوجيته الداخلية : " إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن
آدم".
وهذه
فائدة الماء في عمومية نفعه يعالج أمراض النفس ومنها الغضب، وهذا هو الوضوء
بخصوصية تشريعه يعالج بما فيه من إسباغ الماء، وليس هذا هو الدليل الوحيد في
العقيدة عن علاج أمراض النفس بإسباغ الماء، بل إن هناك دليلا دامغا قوياً يحقق صدق
فائدة الماء في علاج النفوس وما يعتريها من قلق أو هواجس ومخاوف واكتئاب، هذا
الدليل من القرآن الكريم نفسه وما أنزله الله سبحانه وتعالى من آيات بينات تصف
مخاوف المحاربين في موقعة بدر فقد كانوا
ثلاثمائة وثلاثة عشر، عدتهم قليلة وعتادهم أقل، يقابلون ألفاً اكتملت عدتهم وعتادهم
وهي بلغة الحروب معركة غير متكافئة .
والمسلمون
الأوائل لا يخافون الحرب ولا يهابون القتال، ولكنهم يخافون على الدعوة ويخافون على
نبيهم ويخافون الهزيمة، وكان الخوف يداخل نفوسهم والهواجس تستبد بهم والقلق يؤرقهم
فكان دعاؤهم واستغاثتهم وطلب العون من ربهم فعلم الله ما في نفوسهم فقال سبحانه
وتعالى :
(إذ
تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدُكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا
بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز
حكيم)(الأنفال:9-10)
ومع
هذا التدعيم المادي كان هناك تدعيم آخر تدعيم نفسي ومعنوي تولاه ربنا سبحانه بعلمه
وحكمته فقال تعالى :
(إذ
يغشيكم النعاس آمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز
الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام)(الأنفال:11)
هذا
هو التدعيم النفسي بنزول الماء أزال به مخاوفهم وربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم على
الرمال المتحركة تثبيتاً مادياً ومعنوياً فهدأت
نفوسهم واطمأنت بعد القلق والضيق والخوف فكان
النصر الذي تناقلته الجزيرة كلها، وما زال هذا التدعيم الإلهي بنزول الماء حديثاً
متجدداً لا يمله الناس فهو قرآن يتلى حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وهذا
هو مفهوم العقيدة في عمومية فائدة الماء النفسية حققها العلم والعلماء والأطباء،
يوضح فائدة الوضوء النفسية في خصوصية تشريعه، ولمجرد إسباغ الماء، أما المسح
والتدليك على الأعضاء أثناء الوضوء فهو إضافة نفسية واضحة،فالمسح على الجلد
وتأثيره النفسي لا يحتاج إلى جهد علمي في تفسيره فمن المعروف أن الجلد والجهاز
العصبي ينشآن من نسيج واحد، ومن هنا كان المسح على الجلد يرتبط بالجهاز العصبي
ارتباطاً مباشراً فتهدأ به النفس وتسترخي به العضلات وهذا واضح لنا جميعاً فنحن
نمسح على رأس الطفل أثناء بكائه فيهدأ ونمسح على جسد الحيوان فيأنس ويستكين، وهذا
ما أشار إليه قول ربنا سبحانه من قصة سليمان عن الخيل بعد أن توارت بالحجاب فقال:
(ردوها
علىّ فطفق مسحاً بالسوق والأعناق)(ص:33)
وكان
المسيح عليه السلام يمسح على جلد المريض فيبرأ صاحبه بإذن الله، ثم يأتي التدليك
على الأعضاء، وهذا ما يشترطه الإمام مالك لصحة الوضوء وهو من طرق المعالجة
الطبيعية Physiotherapy تسترخي به الأعضاء المتوترة وتنشط دورتها الدموية ويهدأ
الناس هدوءاً واضحاً قد ينام بعده ملء جفونه.
هذه
العمليات كلها تدخل في ميكانيكية الوضوء
وكلها مفاهيم نفسية تتكامل مع بعضها فهي سلسلة متصلة : من الحركة تسير كلها إلى
مفهوم نفسي واضح.
إرسال تعليق