نظرة الإسلام إلى الكون : تمتاز نظرة الإسلام إلى الكون بأنها ليست نظرة عقلية محضة ، ولكنها تعمل
على تحريك عواطف الإنسان ، وشعوره بعظمة الخالق
، كل ذلك إلى
جانب البراهين العقلية
القاطعة على وحدانية الله وألوهيته في هذا الكون ، وسائر
الأكوان التي
نراها .
أ- فالكون كله مخلوق لله : خلقه لهدف
وغاية ، وما كان اللعب والعبث باعثًا على الخلق ، فقوله تعالى : " وَمَا
خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (*) مَا
خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (*)
" سورة الدخان : 38-39
وأما تحريك
عواطف الإنسان
فبالاستفهام والحض على العبادة وتوحيد الله، بعد تأمل مخلوقاته ، قوله تعالى :
" اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (*)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ
اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (*) " سورة الزمر : 62-63 .
الآثار التربوية : ولهذه النظرة
الإسلامية إلى الكون، آثار تربوية منها :
1- ارتباط المسلم
بخالق الكون ،
وبالهدف الأسمى من الحياة ، وهو عبادة الله .
2- تربية
الإنسان على الجدية ؛ فالكون كله أقيم على أساس
الحق ، ووجد لهدف معين، وإلى أجل مسمى عند
الله ، وليس
العبث واللهو . قوله تعالى : "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (*) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا
لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (*)" سورة الأنبياء :
16-17
وهذا يعلم
الإنسان أن
يبحث عن غاية لكل ظاهرة من ظواهر الكون ، وأن يكون تأمله لهذا الكون تأملًا منطقيًّا
علميًّا ، ولتحقيق هذا واستكماله لفت القرآن نظر
المتأمل إلى أمرين آخرين غير الجدية والغائية ، سنراهما في
الفقرتين
التاليتين :
1- خضوع الكون لسنن سنها الله وفق أقدار قدرها الله ، قوله تعالى : "وَآيَةٌ
لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (*) وَالشَّمْسُ
تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (*) وَالْقَمَرَ
قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (*) لَا
الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ
النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (*)" سورة يس :37-40 ، حسب سنن
كونية ، سنها الله ومقادير قدرها الله .
2- والحق أن علم الحساب كله قائم على
تكرار الوحدات المتساوية وعدها وإضافتها بعضها إلى بعض،
إما على مجموعات مختلفة العدد: الجمع، وإما على تكرار
مجموعات
متساوية العدد .
وكل ذلك يرجع في
أصله إلى ما
تعلمه الإنسان الأول من عد الأيام ، والأشهر ، وعد السنين وحسابها ، وما زال الإنسان يضبط أوقاته على هذا الميقات الرباني ، الذي هو
دورة القمر والأرض والفصول الأربعة .
أما الآثر التربوي لهذا : فنجد مما تقدم
أن القرآن ربّى عقل المسلم على مبدأين آخرين علميين،
غير مبدأي
السلبية والغائية والتفكير الجدي المنطقي ، هما:
* تكرار حوادث
الكون حسب سنن
سنها الله له ، وهو تعالى وحده يملك أن يغيرها إذا شاء ، وهذا هو المبدأ الذي بنيت عليه اليوم جميع القوانين العلمية ، وهو أساس
التفكير العلمي الذي به اكتشف الإنسان ، واخترع
كل مظاهر الحضارة .
* أن سنن هذا
الكون وجميع
حوادثه وظواهره ، وكائناته ، من أصغر ذرة إلى أكبر جرم ، قد خلقها الله وسيرها ، أو أنزلها بقدر معلوم لا يزيد ولا ينقص ، ولا يتعدى
شيء حدوده ؛ فيختل توازنه أو يخل بنظام غيره ، مما
جاوره أو قابله أو تأثر به ، أو أثر فيه .
* ومن هذه المبادئ التي استوحاها علماء المسلمين من القرآن ، وارتقوا بها في
العلوم الطبيعية استقت أوربا مبادئ التفكير العلمي
المنطقي ، وهذا هو المبدأ الثاني من مبادئ المنطق العلمي ، إقامة الملاحظة العلمية على أساس القياس الكمي ،
لا على أساس الوصف الكيفي ، إنه المبدأ
الذي يربي العقل على الدقة ليأخذ كل شيء بمقياس .
ب- الكون مسير ومدبر دائما بقدرة الله
: فالله الذي رتب سنن الكون بقي وما زال قائمًا على تسيير وتدبير أمره،يمده بقوته،قوله
تعالى : "إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ۚ
وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ
حَلِيمًا غَفُورًا" سورة فاطر : 41
جـ- وكذلك
الإنسان قد
رتب الله سننًا اجتماعية لحياة الإنسان : فأرسل على أساسها الرسل، وعذب الأمم، وأهلك بعضها، ورتب آجالها، وغير أحوالها ، قوله تعالى : " قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" سورة آل عمران : 137
د- الكون كله
قانت لله : ومن
الفقرتين السابقتين ينتج معنى أن كل ما في الكون خاضع لله ولتدبيره ، ولأمره، ولإرادته ، ولمشيئته ؛ وقد بين الله ذلك في مواضع من
كتابه العزيز ، قوله تعالى : "وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ
سُبْحَانَهُ ۖ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَهُ
قَانِتُونَ (*) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا
فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (*)" سورة البقرة : 116-117
Post a Comment