مستويات القدوة :
نظرا لتشعب مجالات القدوة في التربية الإسلامية ، يرى الباحث أنه يمكن تصنيفها إلى المستويات التالية :
المستوى الأول :
      وهو الاقتداء المطلق بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في جميع أفعاله وأقواله وأحواله إلا ما كان من خصوصياته عليه الصلاة والسلام ، وهذا المستوى هو الأسمى والأعلى والأمثل الذي ينبغي أن يتخذه الفرد لتربية نفسه وتزكيتها وبهذا الاقتداء يكون الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة وبدونه يكون الخسران المبين .
     قال تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } [ الأحزاب : 21 ] .
     وقال صلى الله عليه وسلم : كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قالوا : ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى . [ البخاري : 4/359 ]
     وفي شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته يجد المرء الأسوة الحسنة في حياته كلها . فهو إنسان أكرمه الله برسالته ومع ذلك فسيرته شاملة لكل النواحي الإنسانية في الإنسان ، فهو الشاب الأمين قبل البعثة والتاجر الصادق وهو الباذل لكل طاقته في تبليغ دعوة ربه ، وهو الداعية الصبور والأب الرحيم والزوج المحبوب والقائد المحنك والصديق المخلص والمربي المرشد والسياسي الناجح والحاكم العادل . كما أنه عليه الصلاة والسلام ضرب المثل الأعلى في تربية الذات من جميع النواحي سواء في عبادته أو زهده أو خلقه الكريم أو غير ذلك . والمتأمل لسيرته يجد الحل والصواب لكل المعضلات التي تقف حائلا دون إشعاع الروح وبلوغ صفائها ونقائها . ولذلك فإن التأسي بالمصطفى عليه السلام فيه تربية للروح كي تصل إلى مرتبة الكمال البشري والسمو الإنساني المتمثل في شخصه الكريم .
     المستوى الثاني :
     وهو أقل درجة من المستوى الأول ويتمثل في الاقتداء بسلف هذه الأمة من عظمائها ومجدديها الذين كان لهم دور بارز في مجريات التاريخ . فإذا كان لدى الفرد ميل إلى نوع من أنواع النبوغ كالعلم أو العبادة أو الدعوة أو التخصص في أي علم من العلوم فيحتاج أن يكون أمامه مثل بارز في هذا المجال يسير على خطاه ويقتفي آثاره . والقدوات في هذا المستوى لا تعد ولا تحصى وتختلف باختلاف التخصصات والمجالات . ولا تقتصر الأمثلة على الصحابة رضوان الله عليهم بل يتعدى ذلك إلى من جاء بعدهم ، فهناك عمر بن عبد العزيز في العدل والإمام الشافعي في العلم والإمام أحمد في الثبات على الحق والعقيدة الصحيحة وابن تيمية في العلم والجهاد معا وابن القيم في التربية والشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدعوة إلى الله ، وهناك ابن النفيس في الطب وابن خلدون في علم الاجتماع وابن رجب في المواعظ ... وهكذا . روي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول : من كان متأسيا فليتأس بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة (1) .
      إن هذا النوع من الاقتداء يلبي رغبة فطرية موجودة لدى الإنسان الذي يتطلع إلى تحقيق ما وصل إليه أولئك الأفذاذ أو يزيد .


(1)  جامع بيان المعرفة وفضله وما ينبغي في روايته وحمله : ابن عبد البر . القاهرة ، دار الفتح ، 2/97

Post a Comment

Previous Post Next Post