كيف تتم المعالجة السلوكية؟
كأي معالجة تبدأ بلقاء المريض بطبيبه ليتحقق من مرضه ومن نوعية الأعراض التي يشكو منها التي تؤرقه ويضطرب معها سلوكه، فإذا تأكد الطبيب من أن ما يشكو منه المريض ، يدخل ضمن دائرة المعالجة السلوكية ، فهذا أول الطريق.
ومن أمثلة ما يخضع للمعالجة السلوكية المخاوف المرضية ، وأنواعها كثيرة ومتعددة وشائعة بين  الناس ، وأهمها الخوف من المرتفعات agoraphobia والخوف من الزحام claustrophobia وهو ما سنتعرض له لأنه شائع والمريض من هذا النوع لا يمكنه أ ن يقابل الأعداد الكثيرة من الناس، ولا يمكنه أن يرتاد الأماكن العامة المزدحمة ، مهما كان فيها من مغريات أو مرغبات،حتى المساجد والكنائس ، فإذا أجبر عليها ، فإن ما يحدث له يجعل استمراره في هذه الأمكنة مستحيلا، فهو يرتعد ويلهث ويتغير لونه وتسرع دقات قلبه ويحس بالدوار أو يشعر بغثيان وربما فقد السيطرة على توازنه ووقع على الأرض، ولا مناص من إبعاده عن المكان .
فماذا يفعل المعالج السلوكي :
يصمم الطبيب للمريض نظاما متدرجا يواجه به عددا قليلا من الأفراد يبدأ بالواحد والاثنين والثلاثة والجماعات الصغيرة ، ثم ينتهي إلى المحافل الكبيرة ، مثل النوادي والمسارح ودور السينما والكنائس والمساجد وغيرها وهذا هو نظام السلم المتدرج .
ولكن لابد من التحضير أولا قبل أن يبدأ الطبيب المعالج تطبيق هذه الطريقة العلاجية ، وأولى خطوات المعالجة هو استرخاء المريض بمعنى أن يبتعد الشد والتوتر عن أعضائه ، وهذا يتحقق بتدريبات الاسترخاء السلوكية Relaxation techniques ويساعد التدريبات عملية تنظيم التنفس بالشهيق الممتلئ والزفير الكامل، وهي ما يطلق عليها Breathing excercises حتى إذا تأكد الطبيب من استرخاء المريض فإنه يبدأ معه برنامج السلم المتدرج وذلك بمنهج التصور  وتركيز الانتباه ، وهذا هو الركن الثالث من أركان المعالجة السلوكية  ، ويبدأ المريض في تصور المواقف في الخيال، فهو يتصور أنه يقابل شخصا أو شخصين أو ثلاثة وهو مسترخ تماما في خياله مع تركيز الانتباه وقد لا تسبب الأعداد الصغيرة التي يتصورها أي تغير في حالة المريض ولكنه عند زيادة الأعداد وكثرتها تبدأ  أعراض الخوف ، وهنا يكرر الطبيب المواقف على المريض حتى تتلاشى الأعراض .
وبعدها تبدأ سلسلة أخرى من المواجهة بنفس النظام المتدرج ولكن في الواقع، فالمريض يذهب بنفسه لمقابلة الناس ومواجهة الأعداد متدرجا من القلة إلى الكثرة بمساعدة الطبيب أو من يختاره الطبيب لمراقبة المريض ومع تكرار المواجهة تقل أعراض الخوف حتى تنعدم تماماً ثم يواجه المريض بنفسه دون مساعدة أحد ويعيش حياته بين الناس فإذا تحق ذلك فقد تمت المعالجة السلوكية ، وهذه هي نهاية المطاف..
هذه المعالجة السلوكية في بساطة مفاهيمها تحقق نجاحا ، على أن المدرسة السلوكية تعالج هذه المخاوف من البداية على  أنها عادات سيئة ارتبطت في نفس صاحبها بالخوف والمعالجة بهذه الطريقة تفك ارتباط العادة بعملية سلوكية desenstization
ثم تعيد ارتباطها بمؤثر الأمان بدل الخوف وهذا ما يطلق عليه Reconditioning>
هذه هي المعالجة السلوكية في أبسط صورها ، وبانتهاء المعالجة ،   بأن ما كان يعاني منه  ما هو إلا خوف مرضي وتوهمات، وليست مرضا عضويا يستعصي علاجه ، بل هي عادة سيئة انتهت وتلاشت بالمعالجة السلوكية بدون عقاقير.
وليس هذا كل حظ تغيير الحركة بالمفاهيم السلوكية، بل  إن المدرسة السلوكية تعطي لتغيير الحركة قدراً آخر من  الاهتمام فتجعله وحده برنامجا علاجيا يحقق هدوء النفس وراحتها دون الالتزام ببقية الأركان ودون ا لاستعانة بالطبيب، وهؤلاء الذين شحنت نفوسهم وأصابتهم أمراض النفس بما فيها من قلق وخوف وهم وأرق وهواجس ووساوس تنصحهم المدرسة السلوكية بالاسترخاء أمام جهاز (البيوفيدباك) Biofeedback ، وهو جهاز إلكتروني يقيس كمية الاسترخاء الفسيولوجي، يسترخي أمامه كل من ضاقت نفسه وكثر همه وزاد أرقه ، وكل من اجتمعت على نفسه مساوئ العلة النفسية. هؤلاء جميعاً يصل منهج الاسترخاء وحده بنفوسهم إلى الهدوء والراحة والطمأنينة لمجرد تغيير الحركة وبدون الاستعانة بالطبيب.
وهذه سمة العصر أجهزة وآلات حاسبة يستغني بها الإنسان عن نفسه فالعلة النفسية طغت وعمت، وطبيب النفس معها في حيرة، ومهما أظلمت نفس المريض أو ضافت عليه فهو يحاول جاهدا أن يضيء فيها مصابيح الأمل ويزيل منها حواجز اليأس ، ويقطع أشواك الصراع المتشابكة فيها ، فإذا مهد أرضها زرع فيها بذور الاطمئنان ، وهو أساس الصحة النفسية.
هذا العطاء الذي يلتزم به الطبيب ليس الآن سهلاً على طبيب النفس ، فالطبيب ومريضه قد انصهرا معاً في أتون واحد، أتون المادة ومتطلبات العصر ،وهو بفضل ما أصابه أصبح قليل العطاء.
وبهذا كان جهاز (البيوفيدباك) أحد ملامح العصر يخدم المريض والطبيب معاً ، فيسترخي أمامه كل من ضافت نفسه وضاق وقته دون الاستعانة بالطبيب، ولمجرد الاسترخاء بتغيير الحركة تهدأ النفس وتستقر.

Post a Comment

أحدث أقدم