المنهج التأملي الذي يسير فيه العقل سيرا مقصودا وفق خطوات معينة وقواعد معلومة ومحددة سلفا، أما المنهج ((التلقائي)) فهو الذي يسير فيه العقل سيرا فطريا بلا قواعد مسبقة، فهو وإن كان موصلا للحقيقة إلا أنه ليس المقصود بالدراسة عند علماء المناهج،
_____
(1) الحديث بتمامه في مسند أحمد بن حنبل عن النعمان بن بشير جـ 4 ص 134 طبعة بيروت.
(2) كتاب مناهج البحث د. عبد الرحمن بدوى من ص 1 - 6 ط 3 سنة 1977م وكالة المطبوعات بالكويت.


فالمنهج التأملي هو الموسوم بعلم المناهج ولم تعرف كلمة المنهج بمعناها الاصطلاحي في أوربا إلا مع عصر النهضة الحديثة، وذلك حين صاغ ((بيكون)) قواعد المنهج التجريبي في كتابه ((الأورغانون الجديد))، واكتشف ((ديكارت)) قواعد المنهج الاستنباطي وأعلن ذلك في كتابه ((مقال عن المنهج))، وعلى ذلك يكون القرن السادس عشر الميلادي هو القرن الذي شهد ميلاد المنهج العلمي في أوربا بمعناه الاصطلاحي المعروف.
ولكن المسلمين قد عرفوا المنهج العلمي مع نزول القرآن الكريم، وكان لتوجبهات القرآن وحثه على النظر والتأمل، ودعوته إلى البرهان والدليل، ومحاورته لأهل الكتاب وعبدة الأوثان، وأمره بالتعرف على العلل والأسباب.
لقد استفاد المسلمون من هذه التوجيهات، وصاغوا قواعد البحث العلمي المنظم من جميع المجالات، ما كان منها في مجال التوثيق للأخبار والمرويات، وما كان منها في مجال القضايا والأحكام، وما كان في مجال علوم الكون والإنسان وسنة الله في الأنفس والآفاق، وكان لهم فضل السبق والريادة في تأسيس المناهج العلمية في البحث، وفي تطبيقاتها في المجالات المعرفية المختلفة مع التناسب بين المنهج والمجال المعرفي المستخدم فيه، ومع مراعاة حدود العقل وإمكانياته، وفق قواعد سهلة وبسيطة ومفيدة.

Post a Comment

أحدث أقدم