تطور النظرية التعاقدية :
في بداية الأمر، أتجه الفقه، متأثراً في ذلك بالنظريات
المدنية، إلى القول بأن الموظف يرتبط بالدولة بعقد من عقود القانون الخاص.
فإذا كان العمل المسند إلى الموظف مباشرته عملاً ذهنياً
كان العقد عقد وكالة، وإن كان من نوع خاص، إذ أن الدولة حينما تطلب من هؤلاء
الوكلاء القيام ببعض الخدمات، فإنها تنقل إليهم، في نفس الوقت، جزءاً من سلطتها.
وإذا كان العمل المسند إلى الموظف القيام به، مجرد عمل يدوي جسماني، فإن العقد
يوصف بأنه عقد عمل، أو عقد إجارة الأشخاص، حيث أن هؤلاء الأشخاص يقتصر عملهم على
تنفيذ القرارات دون أن يكون لهم أية سلطات خاصة.
غير أن هذا الرأي ما كان له أن يتفق مع مبادئ القانون
الإداري ذات الطابع المميز. ولذلك ذهب رأي إلى القول بأنه إذا كان من الصحيح أن
الموظف يرتبط مع الدولة برابطة تعاقدية، إلا أن هذا التعاقد يتم في إطار القانون
العام، وبعبارة أخرى، إن عقد الوظيفة العامة ليس عقداً خاصاً ، وإنما هو عقد إداري
من عقود القانون العام.
ولا شك أن نظرية عقد القانون العام أكسبت عقد الوظيفة
العامة الكثير من المرونة حيث أصبح بإمكان الإدارة تعديل النصوص التعاقدية وفقاً
لمشيئتها، إعمالاً لمبدأ مسلم به، وهو مبدأ قابلية قواعد المرفق العام للتعديل
والتغيير لمطابقة حاجات الأفراد المتغيرة.
ولقد أعتمد مجلس الدولة الفرنسي على فكرة عقد القانون
العام لتبرير فصل الموظفين المضربين عن العمل، دون حاجة إلى اتخاذ إجراءات تأديبية
في مواجهتهم، لأن الموظفين القائمين على أمور المرافق العامة حينما يضربون، أي
يتوقفون عن العمل بشكل جماعي،
فإنهم يضعون أنفسهم خارج نطاق تطبيق القوانين
واللوائح الصادرة من أجل ضمان ممارسة حقوقهم الناجمة عن عقد القانون العام الذي
يربطهم بالإدارة.
وبعبارة أخرى، إن إضراب الموظف يعني، ببساطة، فصل
الرابطة التعاقدية من جانبه، مما يعطي الإدارة الحق في أن تتحلل من هذه الرابطة.
Post a Comment