حتى أواسط القرن العشرين, كان من السهل على علماء الآثار و المؤرخين صياغة تفسيراتهم التعسفية لنتائج التنقيب الأثرى في فلسطين , وربطها بمجريات أحداث الرواية التوراتية,وذلك بسبب قلة المواقع التي تم سبر مستوياتها الأركيولوجية بشكل كامل , وتركيز نشاط التنقيب على المواقع المستقلة والمنعزلة عن بعضها , وبدائية أساليب التنقيب وتأريخ اللقى الأثرية .ولكن بعد تنقيبات عالمة الآثار البريطانية كاثلين كينيون
Kathleen Kenyon في فلسطين, وبشكل خاص حملتها التنقيبية في القدس في ما يبن عامي 1960-1967,وما خرجت به من نتائج اعتبرت ثورية بمعيار ذلك الزمن , وما أدخلته من تحسينات على أسلوب الستراتيغرافا(*) Stratigrap الناشئ في ذلك الوقت, تتابعت حملات التنقيب بشكل مكثف, خصوصا في مناطق الهضاب الفلسطينية التي كانت بمثابة المناطق التقليدية لدولتي السامرة ويهوذا , والتي آلت الى السلطة الإسرائيلية بعد حرب حزيران1967. ومنذ أواخر سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن العشرين, بدأ الجيل الجديد من علماء الآثار الإسرائيليين باستخدام وتطوير أسلوب جديد في التنقيب هو أسلوب المسح الميداني الكامل لمناطق جغرافية معينة Regional Surveys , بدل الحفر في مواقع متباعدة ومنعزلة عن بعضها.وقد قامت جامعة تل أبيب بتجهيز فرق تنقيب متنوعة مزودة بعلماء من شتى الاختصاصات المساعدة لعلم الآثار, قام أفرادها سيرا على الأقدام بمسح كل متر من مناطق الهضاب الفلسطينية, وعملت خلال العشرين سنة الماضية على جمع معلومات غزيرة أحدثت ثورة في علم آثار فلسطين.

كلما ما كنت المعلومات الأركيولوجية تتراكم ويتم الربط بينها وتحليلها ,كلما تبين للمؤرخين و الآثاريين صعوبة ملائمة هذه المعلومات مع الرواية التوراتية عن أصول إسرائيل في كنعان,وعن نشوء ما يدعى بالمملكة الموحدة ومملكتي السامرة ويهوذا.وهذا ما دفع واحداً من ألمع علماء الآثار في إسرائيل وهو: إ. فنكلشتاين
Israel Finkelstien إلى الدعوة لتحرير علم الآثار من سطوة النص التوراتي

ففي ندوة عقدتها جامعة بن غوريون عام 1998وموضوعها أصول إسرائيل,قال فنكلشتاين بأن المصدر التوراتي الذي تحكم بماضي البحث في أصول إسرائيل قد تراجعت أهميته في الوقت الحاضر,ولم يعد من المصادر الرئيسية المباشرة.فأسفار التوراة التي دونت بعد وقت طويل من الأحداث التي تتصدى لروايتها ,تحمل طابعا لاهوتيا يجعلها منحازة ,الأمر الذي يجعل من البحث عن بذور تاريخية في المرويات التوراتية عملية بالغة الصعوبة , هذا إذا كانت ممكنة من حيث الأصل .
من هنا يرى فنكلشتاين ضرورة استقراء الوقائع الأركيولوجية بشكل موضوعي وحر , وبمعزل عن الرواية التوراتية.

Post a Comment

Previous Post Next Post