قيام روح الشورى: خصوصاً بين أهل العلم، والفضل، والحل والعقد، وذلك بأن ينظروا في مصلحة الأمة، وأن يقدموا المصالح العليا قال الله _تعالى_ في وصف المؤمنين: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] الشورى: 38.
وقال _ عز وجل _ لنبيه ": [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ] آل عمران: 159.
فقد أذن الله له " بالاستشارة وهو غني عنها بما يأتيه من وحي السماء؛ تطييباً لنفوس أصحابه، وتقريراً لسنة المشاورة للأمة من بعده.
وكان أبو بكر الصديق÷من العلم بالشريعة، والخبرة بوجوه السياسة في منزلة لا تطاولها سماء، ومع هذا لا يبرم حكماً في حادثة إلا بعد أن تتداولها آراء جماعة من الصحابة([1]).
وهكذا كان عمر÷في الشورى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية×: =فكان عمر يشاور في الأمور لعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وابن مسعود وزيد ابن ثابت وأبي موسى ولغيرهم، حتى كان يدخل ابن عباس معهم مع صغر سنه.
وهذا مما أمر الله به المؤمنين ومدحهم عليه بقوله: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ]الشورى: 38.
ولهذا كان رأي عمر، وحكمه، وسياسته من أسدِّ الأمور، فما رؤي بعده مثله قط، ولا ظهر الإسلام وانتشر، وعزَّ كظهوره، وانتشاره، وعزه في زمنه.
وهو الذي كسر كسرى، وقصر قيصر الروم والفرس، وكان أميره الكبير على الجيش الشامي أبا عبيدة، وعلى الجيش العراقي سعد بن أبي وقاص، ولم يكن لأحدٍ_بعد أبي بكر_ مثل خلفاءه ونوابه وعماله وجنده وأهل شوراه+([2]).
وكما كانت هذه هي سيرةَ الخلفاء الراشدين في الشورى فكذلك كانت سيرة من جاء بعدهم فهذا معاوية÷الذي كان مضرب المثل في الدهاء والحلم وكياسة الرأي كان يأخذ بسنة الشورى.
جاء في الثمار للثعالبي ص68 مايلي: =دهاء معاوية_ذلك ما اشتهر أمره، وسار ذكره، وكثرت الروايات والحكايات فيه، ووقع الإجماع على أن الدهاة أربعة: معاوية، وعمرو ابن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه _رضي الله عنهم_ فلما كان معاوية بحيث هو من الدهاء وبعد الغور_وانضم إليه الدهاة الثلاثة الذين يرون بأول آرائهم أواخر الأمور_ فكان لا يقطع أمراً حتى يشهدوه، ولا يستضيء في ظلم الخطوب إلا بمصابيح آرائهم_سلم له أمر الملك، وألقت إليه الدنيا أزمتها، وصار دهاؤه ودهاء أصحابه الثلاثة مثلاً+.
ثم إن للشورى فوائد عظيمة منها تقريب القلوب، وتخليص الحق من احتمالات الآراء، واستطلاع أفكار الرجال، ومعرفة مقاديرها؛ فإن الرأي يمثِّل لك عقلَ صاحبه كما تمثل لك المرآةُ صورةَ شخصِه إذا استقبلها.
وقد ذهب الحكماء من الأدباء في تصوير هذا المغزى مذاهب شتى، قال بعضهم:
إذا عنَّ أمرٌ فاستشر فيه صاحباً | | |
| وإن كنت ذا رأي تشير على الصحبِ | |
فإني رأيت العين تجهل نفسها | | |
| وتدرك ما قد حل في موضع الشهب | |
وقال آخر:
اقرن برأيك رأي غيرك واستشر | | |
| فالحق لا يخفى على الاثنين | |
والمرء مرآةٌ تريه وجهه | | |
| ويرى قفاه بجمع مرآتين | |
وقال آخر:
الرأي كالليل مسوداً جوانبه | | |
| والليل لا ينجلي إلا بإصباح | |
فاضمم مصابيحَ آراءِ الرجال إلى إلى | | |
| مصباح ضوئك تزددْ ضوءَ مصباح مصباح | |
وإذا كان العالم النحرير، والحكيم الداهية، والقائد الحصيف لا يستغنون عن الشورى_فكيف بمن دونهم،بل كيف بمن كان شاباً في مقتبل عمره، ولم تصلب بعد قناته، ولم تُحَنِّكْهُ التجارب؟!.
إرسال تعليق